د. ليلى نقولا*

يتحدث العديد من المحللين بإعجاب عن ترامب الذي إستطاع الوقوف لوحده في وجه الدولة العميقة، لكن عملياً وواقعياً، لا يبدو هذا الأمر صحيح كلياً.

لا شكّ في أنَّ النظام الأميركي يعاني انحطاطاً وتآكلاً سياسيّاً منذ عقدين من الزمن. ولعلَّ العولمة وما تلاها من أزمة اقتصادية عالميّة، والمآسي التي نتجت منها، وأزمة النظام الرأسمالي بشكل عام، هي التي أنتجت ظاهرة “الترامبية” في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أنَّ فوز بايدن كان مرجّحاً في معظم استطلاعات الرأي، فإنَّ عدد الأصوات الشعبية التي حازها دونالد ترامب كانت مفاجئة بشكل كبير، وقدّرت بحوالى 74 مليون صوت، ما يعني أنّ الادعاءات التي روّجتها وسائل الإعلام عن أنَّ ترامب يشكّل “ظاهرة يلفظها المجتمع الأميركي” هي محض تصوّرات وادعاءات لا أساس لها من الصحَّة، بل إنَّ المجتمع الأميركيّ ينقسم عمودياً بشكل كبير بين مؤيد للظّاهرة الترامبيّة ورافض لها.

ويتحدَّث العديد من المحلّلين بإعجاب عن ترامب الَّذي استطاع الوقوف لوحده في وجه الدولة العميقة، لكن عملياً وواقعياً، لا يبدو هذا الأمر صحيحاً كلياً، فكما يبدو من تعيينات الإدارة الأميركية والسياسات التي اعتمدها خلال سنواته الأربع، يمثل ترامب القادم من خارج الطبقة السياسية التقليدية مصالح بضعة أجزاء من الدولة العميقة، دعمته طيلة فترة حكمه، واستفادت من قراراته التنفيذيَّة، فأيَّدته في الانتخابات، وسمحت له بحصد هذا الكمّ الهائل من الأصوات، بينما ساهم في وصول بايدن إلى الرئاسة تحالف ناشئ بين الطبقة السياسية التقليدية ومجموعات اليسار الليبرالي وأجزاء أخرى من الدولة العميقة.

إضافةً إلى قاعدة الحزب الجمهوري والقوميين البيض والكنائس الإنجيلية المتطرّفة، أقام ترامب علاقات مصالح متبادلة مع أجزاء من تلك الدولة العميقة، أهمها: وول ستريت (لاحظنا كيف اهتم ترامب دوماً بارتفاع أسهم البورصة)، وبعض الجنرالات ومتعهدي الشركات الأمنية الخاصّة، وشركات الأسلحة، وشركات النفط الصخري التي انسحب ترامب لأجلها من اتفاقية باريس للمناخ. وما اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، إلا لخدمة شركة النفط الأميركية “جيني” (ديك تشيني، روتشيلد، ماردوخ…) التي استحصلت على عقود استخراج النفط هناك منذ حوالى عقد من الزمن.

في الناحية الأخرى، وإضافة إلى قاعدة الحزب الديموقراطي المشحونة منذ خسارة هيلاري كلينتون في العام 2016، استفاد بايدن من أصوات الطبقات المهمَّشة والملوّنين، ودعم الطبقة السياسية التقليدية برموزها الديموقراطية والجمهورية، وأجزاء مهمة أخرى من الدولة العميقة، تتمثل بوكالات الأمن القومي والاستخبارات والإعلام وشركات “سيليكون فالي”، بينما تتضارب المعلومات حول وجهة تأييد البنتاغون الحقيقية (تلفت بعض التقارير إلى فوز بايدن بغالبية أصوات العسكريين).

واليوم، ما زال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يرفض الاعتراف كلياً بفوز جو بايدن بالانتخابات، على الرغم من السماح لفريقه بالعمل مع فريق بايدن لتسهيل الانتقال، فما الَّذي يهدف إليه ترامب من استراتيجيّة القتال حتى آخر نفس؟

في هذا الإطار، هناك 3 سيناريوهات متصوّرة:

السيناريو الأوّل: أن لا يكون لدى ترامب خطة واضحة المعالم، ولكنه يرفض الاعتراف بالهزيمة، انطلاقاً من شخصيته النرجسية، ولتكريس “مظلومية” يريد استثمارها في حال قرّر الترشح لانتخابات العام 2024.

السيناريو الثاني: أنه يخشى قيام الديموقراطيين برفع شكاوى قضائية بحقّه تتعلّق بالتهرب الضريبي وسواها. ولذلك، يريد أن يستحصل على ضمانات قضائية بعدم المقاضاة مقابل تنازله النهائي.

السيناريو الثالث: أن يكون ما يقوم به ترامب نوعاً من محاولة استدراج “صفقة” مع الإدارة الأميركية القادمة تحمي مصالحه الشخصية ومصالح مَن يمثل من أجزاء الدولة العميقة، وخصوصاً قطاع النفط الصخري، إذ يبدو أن اتجاه بايدن سيكون نحو سياسات أكثر صداقةً للبيئة والعودة إلى اتفاقية المناخ.

أما السيناريو المرجّح، فيمكن أن ترامب يريد تحقيق جميع هذه الأهداف معاً أو أقصى ما يمكن تحقيقه منها، لكن يبقى موضوع شركات النفط الصخري حساساً بالنسبة إلى بايدن، إذ إن الاتفاقية الموقعة بينه وبين بيرني ساندرز (ممثل اليسار الليبرالي) تنصّ على تحفيز “الاقتصاد البيئي” في الدرجة الأولى، ولا يمكن تصوّر أن يخاطر بايدن بخسارة حلفائه الداخليين وحلفائه في الاتحاد الأوروبي والإخلال بوعوده الانتخابية.

*أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية.

المصدر: الميادين نت.

مصدر الصورة: PageNews.

موضوع ذا صلة: مَن يهمس في أُذن جو بايدن حول سياسة المناخ؟