تشهد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا توتراً بشكل متزايد على مدى العقد الماضي، وتزايدت حدته في الأشهر الأخيرة. قبل ذلك كان بسبب قرار روسيا بضم شبه جزيرة القرم، العام 2014، ودعم الكرملين للانفصاليين في شرق أوكرانيا والتدخل العسكري الروسي في سوريا، وكذلك حملات التضليل والهجمات الإلكترونية التي تشنها روسيا، ليكتمل السيناريو بسبب احتجاز روسيا للمعارض أليكسي نافالني والذي يعتبر أحدث مصدر للتوتر في العلاقات بين الإتحاد الأوروبي وروسيا.

من هو المعارض الروسي أليكسي نافالني؟

أليكسي نافالني (44 عاماً) محام ومعارض سياسي بارز في روسيا درس القانون والاقتصاد في روسيا قبل أن يستفيد من منحة جامعية في للدراسة في جامعة ييل الأمريكية. في العقد الأول من الألفية الجديدة، قام بإنشاء مدونة على الإنترنت لنشر تحقيقاته عن ملفات الفساد في أوساط النخب الحاكمة، ولا سيما الشخصيات المقربة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

خلال عمله كمستشار لحاكم منطقة كيروف العام 2009، اتهم بالتخطيط لاختلاس أموال من شركة حكومية وحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات مع وقف التنفيذ غير أنه نفى الاتهام الموجه إليه، وهو الحكم الذي سيغلق الطريق أمامه من أجل الوصول إلى الكرملين مستقبلاً.عُرف نافالني بانتقاده الحاد ومعارضته لحزب “روسيا الموحدة” المحسوب على الكرملين. في العام 2011، أنشأ مؤسسة لمكافحة الغش والفساد ينشر من خلالها مقاطع فيديو لفضح صفقات أعمال مشبوهة، بالإضافة لأسلوب الحياة الفاخر للسياسيين والمسؤولين في الدولة وتحصد هذه الفيديوهات ملايين المشاهدات.

بدأ صعود نافالني كقوة في السياسة الروسية العام 2008 عندما بدأ في التدوين عن مزاعم سوء إدارة وفساد في بعض الشركات الروسية الكبرى التي تسيطر عليها الدولة. وكان أحد تكتيكاته أن يصبح مساهماً في أسهم الأقلية (المعروضة للبيع للمستثمرين من الناس في الشركات التي تملك الدولة الحصة الأكبر فيها)، في شركات النفط الكبرى والبنوك والوزارات، ومن ثم يبدأ في طرح أسئلة محرجة حول فجوات وتسريبات في تمويلات الدولة. وقد وصل إلى المتابعين الشباب في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر استخدامه لغة نقدية حادة ومثيرة، وسخريته من المؤسسة الموالية للرئيس بوتين.

عاد نافالني، الذي كان يتعافى منذ أشهر عدة في ألمانيا من عملية تسميم مفترضة، إلى روسيا رغم تهديد القضاء الروسي باعتقاله. ومنذ أن أعلن خصم الرئيس بوتين نيته العودة إلى البلاد، حذرته مصلحة السجون الروسية مؤكدة أنها ستكون ملزمة باعتقاله لانتهاكه شروط حكم بالسجن مع وقف التنفيذ صادر العام 2014. لكن نافالني اعتبر الأمر محاولة لتخويفه وبدلاً من ذلك دعا أنصاره للمجيء إلى استقباله في مطار فنوكوفو في موسكو.

ويقيم هذا المعارض البارز في ألمانيا، منذ أواخر آب/أغسطس 2020، بعدما أصيب بإعياء شديد خلال رحلة العودة من سيبيريا إلى موسكو في إطار حملة انتخابية وأدخل المستشفى في مدينة أومسك حيث بقي 48 ساعة، ثم نقل إلى برلين في غيبوبة بعد ضغط مقربين منه.

الإتحاد الأوروبي ينتقد روسيا في ملف حقوق الانسان.. وموسكو ترد

أرسل الإتحاد الأوروبي وزير خارجيته جوزيب بوريل إلى روسيا، مطلع فبراير/شباط 2021، حيث ينظر الإتحاد بفرض عقوبات على موسكو على خلفية قمع المعارضة. ونقلت وكالة “فرانس برس”، عن مصادر ديبلوماسية قولها، إن العقوبات ستفرض إذا واصل الرئيس بوتين قمع المعارضة. وقال أحد هؤلاء الدبلوماسيين إن الوزير بوريل توجه إلى موسكو حاملاً معه رسالة واضحة من الإتحاد، وسيعرض الوضع في روسيا خلال الاجتماع المقبل لوزراء خارجية الاتحاد، 22 فبراير/شباط 2021.

هذا، وقد نصحت وزارة الخارجية الروسية، في وقت سابق، السياسيين الأجانب الذين علقوا على الوضع مع نافالني باحترام القانون الدولي والإهتمام مشاكل بلادهم، وقال المتحدث بإسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن الكرملين لا ينوي الاستماع إلى تصريحات من الخارج حول نافالني. وفي سياق متصل، قالت الناطقة بإسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن الغرب لا يحتاج سبباً لفرض عقوبات على روسيا، مضيفة “إذا لم يكن هناك سبباً فسيقوم الغرب بتلفيقه”.

كما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن موسكو مستعدة لقطع علاقاتها مع الإتحاد الأوروبي بحال قرر التكتل فرض عقوبات جديدة من شأنها أن تؤثر على قطاعات حساسة في البلاد. يأتي ذلك بعد عودة الوزير بوريل من موسكو، الذي أعرب عن قلقه الكبير نتيجة رفض السلطات الروسية البدء بحوار بناء أكثر مع الإتحاد، داعياً القادة الأوروبيين إلى أخذ العبر من ذلك، الأمر الذي قد يؤدي إلى فرض عقوبات. هذا ومن المقرر أن يجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لعرض نتائج مهمة بوريل، واتخاذ قرار في شأن الخطوات المقبلة في ضوء رفض الكرملين مطالبة القادة الأوروبيين بالإفراج عن نافالني وطرد موسكو لثلاثة دبلوماسيين أوروبيين.

وفي تعليق لها على رد الفعل الألماني تجاه الحكم الصادر بحق المعارض الروسي، وقالت زاخاروفا إن بلادها لم تتلقَ حتى الآن رداً من الجانب الألماني بشأن الأسئلة التي طرحتها في قضية نافالني، داعية السلطات في برلين التي “تطلق الكثير من عبارات الإدانة والمطالبات” للرد “بعدد أقل من الكلمات والحروف بشأن من تحتويه تحاليل نافالني فائقة السرية.”

تأثير قضية نافالني على العلاقات بين الإتحاد الأوروبي و روسيا

على وقع التصعيد الروسي بحق ألمانيا ودول الإتحاد الأوروبي، برز تعليق للكاتب الصحافي، جاك شوستر، اعتبر فيه أنه “حان الوقت للتصريح وبوضوح أن العلاقات الروسية الألمانية أسوأ من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة”، داعياً برلين “للتصرف وعدم الصمت، بدلاً من الاستمرار بمواجهة كل استفزاز بلطف”، مبرزاً أن “الهجمات العدائية لموسكو كتسميم المعارضين في أوروبا، مثل سيرغي سكريبال في بريطانيا وسلميشان شانغوشفيلي في برلين، تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، واحتلال شبه جزيرة القرم يؤكد ذلك.”

أخيراً، إذا كانت التعاون السياسي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا يتجه نحو مزيد من التدهور، فإن علاقاتهما الاقتصادية ما تزال محافظة على قوتها وتشعبها أكثر من أي وقت مضى رغم تأثرها السلبي بعقوبات اقتصادية متبادلة تتالى منذ ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، العام 2014. أيضاً، هناك مؤشرات على التمسك بقوة العلاقات الإقتصادية، مثل إصرار ألمانيا على استكمال مشروع “السيل الشمالي – 2” رغم معارضة واشنطن ودول أوروبية أخرى له بشدة. ويضمن إنجاز هذا المشروع ضخ أكثر من 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً لمد السوق الألمانية والأوروبية بمصدر طاقة نظيف وأرخص من مثيله الأمريكي.

مراجعة : الدكتور محمد الصالح جمال

المراجع:

1. قضية المعارض الروسي نافالني تعقد العلاقات بين موسكو وبرلين، على الرابط التالي:
http://bit.ly/3pv6K8L
2. تحليل: بروكسل و موسكو أمام امتحان اقتصادي عسير، على الرابط التالي:
http://bit.ly/2N9cpV8
3. قضية نافالني.. الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على روسيا، على الرابط التالي:
http://arbne.ws/3b8l9CA
4. نافالني يعود الى روسيا رغم التهديدات باعتقاله، على الرابط التالي:
http://bit.ly/2N7ByQ5
5. من هو المعارض الروسي أليكسي نافالني الذي أدخل الطوارئ بعد مزاعم بتسميمه؟ على الرابط التالي:
http://bit.ly/2ZnK2oC
6. أليكسي نافالني: صاحب الصوت العالي في انتقاد الرئيس الروسي بوتين، على الرابط التالي:
https://www.bbc.com/arabic/world-55704348
7. لافروف: روسيا “جاهزة” لقطع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي في حال فرض عقوبات، على الرابط التالي:
http://bit.ly/3pumzwG
8. الخارجية الروسية تعلق على تصريحات برلين بشأن الحكم الصادر ضد نافالني، على الرابط التالي:
http://bit.ly/2NBSrSN
9. روسيا ترد على محاولات التدخل الغربية في قضية نافالني، على الرابط التالي:
http://bit.ly/3pz2lBM

المصدر: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

مصدر الصور: الحرة – رويترز.

موضوع ذا صلة: لماذا قد تنجح إستراتيجية “ضد نافالني” التي ينتهجها الكرملين؟