قاد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، حملة التطبيع مع إسرائيل، وأطلق على الاتفاقات مع كل من البحرين والامارات والسودان إسم “إتفاقات آبراهام”، نسبة إلى سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء من أحفاد إسماعيل ويعقوب.

ومن خلال متابعتي لسلوك الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه السعودية، يمكن تلخيصه بنقطتين رئيسيتين:

1. يركز الرئيس بايدن على إيران باعتبارها مناهضة لإسرائيل على الرغم مما تبديه طهران من مرونة، بحسب بعض المراقبين. لكن ارتباط الرئيس الأمريكي بإسرائيل لا شك فيه، وهذا الرابط هو المحرك الرئيسي لسياسة واشنطن في المنطقة خاصة وأن سياسة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أثبتت نجاحها ووجاهة نظريته ما زاد من رصيده عند الرئيس بايدن، وإن كان منسجماً بشكل كامل مع سلفه ترامب. فلا شك أن الرئيس بايدن معجب بنتنياهو، وهو قد سبق وأعلن فعلاً عن عشر نقاط في القضية كلها لصالح إسرائيل، وقد حللنا سياسة الرئيس الأمريكي في فلسطين من خلال تلك النقاط التي تضمنتها تصريحات إدارته.

2. يحرص الرئيس بايدن على السعودية ويريد إقامة علاقات جديدة معها؛ لذا، فهو “يروضها” تبعاً لسياساته الجديدة. ومن خلال تلك السياسة، يمكن القول بأنه قد قهرها بقرار وقف إطلاق النار في اليمن، بينما يستمر الحوثيون في إحراجها والهجوم عليها. ويعلم الرئيس بايدن أن إيران تقف خلفهم، لكنه لم يربط علاقته بطهران بموضوع اليمن. ولكي يحفظ ماء وجه الرياض، أجرى الرئيس الأمريكي اتصالاً هاتفياً بالملك سلمان بن عبد العزيز، 25 يناير/كانون الثاني 2021، بعد أن أعلنت إدارته أنها ستدافع عن السعودية ضد أي عدوان يقع عليها. في نفس الوقت، أعلنت الإدارة ذاتها أنها ستركز على مسألة حقوق الإنسان، وأن قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي تتصدر هذا الملف. من ثم، أعلن الرئيس بايدن عن نشر تقرير المخابرات المركزية الأمريكية – CIA حول هذا الحادث (نشر فعلاً بتاريخ 26 فبراير/شباط 2021) وهو ما أرعب الرياض، خاصة وأن المتحدث بإسم البيت الأبيض أكد على أن الرئيس بايدن يتواصل مع الملك بهذا الخصوص كما سأل عن دور ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، ضمن هذا الاتصال. وخلال الساعات الأخيرة من نفس اليوم، بدأت لهجة الرئيس بايدن تجاه السعودية تخف، خصوصاً وأنه أدان في إتصاله ذاك سلوك طهران، وهذا أمر يرضي الرياض تماماً.

والسؤال هنا: ماذا يريد الرئيس بايدن من الرياض؟ وما هو هدفه من خلال التقارب منها لتعويضها عن إحراجها في اليمن التي تعتبر قضية السعودية الأساسية؟ بإعتقادي، يريد الرئيس الأمريكي دفع السعودية للدخول في التجمع الذي تشرف عليه واشنطن والذي تسربت أخبار واضحة عنه، ويضم السعودية وإسرائيل والبحرين والإمارات. هذا التجمع، لا ينفصل عن تصريحات نتانياهو التي أكد فيها أنه بصرف النظر عن الجدل بين إيران وواشنطن حول الملف النووي، فإن إسرائيل ستعمل بطريقتها على حرمان إيران من الحصول على السلاح النووي مكرراً هذا التصريح مراراً، ما اضطر الإدارة الأمريكية للتأكيد عدة مرات أيضاً على أنها لن تسمح مطلقاً لطهران بحيازة سلاح نووي، وهو ما يرضي السعودية أيضاً.

من هنا، يركز الرئيس بايدن على خطين؛ الخط الأول، إخضاع إيران سياسياً. الخط الثاني، دفع السعودية لقيادة مجلس التعاون للتطبيع مع إسرائيل والدخول في الحلف العسكري الجديد كنواة لمواجهة إيران، أي توجيه جهود الرياض من صنعاء إلى طهران. في نفس الوقت، يريد الرئيس بايدن “فصم” الحوثيين عن إيران.

لكن السؤال هنا: هل يريد الرئيس الأمريكي، من خلال صفقة تطبيع السعودية مع إسرائيل، الإعتراف بنقل الحُكم إلى ولي العهد؟

أعتقد أن الرئيس بايدن أعطى الإنطباع بالتشدد في مسألة خاشقجي، وأنه لن يوافق على تولي الأمير محمد بن سلمان المُلك في السعودية، أقلها في هذا التوقيت بالذات. في المقابل، أظن أيضاً أنه ستتم تسوية قضية الصحفي السعودي بحيث أنه “لا يحرج السعودية ولا يجرحها” بطريقة لا تجعل القضية تتناقض مع مسألة إهتمامه بحقوق الإنسان، وبذلك يُرضي السعودية التي تعتبر حليفاً هاماً لبلاده.

من هنا، يمكن القول بأن التوجه الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة هو حشد الدول العربية خلف إسرائيل والتطبيع معها، بحيث تقوم السعودية بقيادة كلا الحملتين، أي التطبيع والتحالف العسكري. إن الرئيس بايدن يريد إعادة ترتيب أوراقه لتحقيق المصالح الأمريكية وأهدافها، فإما إخضاع إيران أو على الأقل ضبط سلوكها وذلك توطئة لعشرات الخطوات بما يمكّن إسرائيل في المنطقة أكثر فأكثر، هذا من جهة.

من جهة أخرى مقابلة، قد يوافق الرئيس بايدن على تولي ولي العهد الحكم وإرضاء السعودية، كما انه سيسعى في نفس الوقت إلى إدخال الرياض ضمن محادثات الملف النووي الجديدة أو في ملحقاته، كما سيعمل على إدخال إسرائيل والبحرين والإمارات في تحالف تستطيع إسرائيل عبره إقامة قواعد عسكرية لها في دول هذا التحالف الجديد.

فعلى الرغم من الوجه الدبلوماسي والسلمي للرئيس بايدن وإدارته، إلا أنه لن يترك لإيران مجالاً للنفوذ في منطقة المصالح الأمريكية. وإذا كانت طهران تدعم المقاومة وهي العقبة الأساسية لتنفيذ “صفقة القرن”، فإن خطة الرئيس بايدن في فلسطين ستصطدم أيضاً بايران، في كل من فلسطين والعراق واليمن وسوريا ولبنان.

ختاماً، إن ما يهم هنا، رغم العلاقات السرية بين إسرائيل والسعودية، هو مدى قدرة إدارة الرئيس بايدن على إقناع السعودية بتحمّل “الثمن الباهظ” للمجاهرة بالتطبيع مع إسرائيل في إطار التحالف العسكري معها ضد إيران.

مصدر الصورة: الحرة.

موضوع ذا صلة: قرار بايدن وقف الدعم الأميركي لـ “العمليات الهجومية” السعودية في اليمن: الحيثيات والدوافع

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر