انتهت أعمال الجولة الـ 15 من “محادثات أستانا” حول سوريا، والتي عُقِدت خلال يومي 16 و17 فبراير/شباط 2021 في مدينة سوتشي الروسية، بمشاركة كل من إيران وروسيا وتركيا وبحضور المبعوث الأممي لسوريا، غير بيدرسون، وممثلي الحكومة السورية والمعارضة، ومندوبين عن العراق ولبنان والأردن وكازاخستان بصفة مراقب، دون تحقيق اختراق فعلي في سبيل حل الأزمة السورية، على نحو لا يمكن فصله عن متغيرات عديدة يأتي في مقدمتها الخلافات المتصاعدة بين الدول الضامنة وغياب دعم الدول الغربية لما تنتهي إليه تلك المحادثات.

تفاهمات شكلية

لم يسفر اللقاء الأخير بشأن سوريا في سوتشي إلا عن مجموعة من التفاهمات الشكلية، وهو ما يبدو جلياً في مؤشرين رئيسيين هما:

1. إصدار بيان عام: اُختتمت الجولة الـ 15 من محادثات مسار أستانا ببيان فضفاض لم يختلف كثيراً عن البيانات التي سبقته في الاجتماعات الماضية، ومنذ بدء هذا المسار في يناير/كانون الثاني 2017، وخاصة تلك البنود التي تتعلق بسيادة سوريا واستقلالها، والأخرى المرتبطة بديمومة اتفاق وقف إطلاق النار في مناطق شمال غرب البلاد. ومن المقرر بحسب بيان الدول الضامنة للمسار، وهي تركيا وروسيا وإيران، أن تُعقد الجولة الـ 16 من المحادثات في منتصف العام الجاري (2021)، أى عقب الانتخابات الرئاسية السورية المقرر تنظيمها في أبريل/نيسان المقبل.

2. غياب الدعم الحقيقي لعمل اللجنة الدستورية: لم يُعط البيان الختامي لاجتماع أستانا دفعة حقيقية للمسار الأممي واجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، حيث اكتفى بالتأكيد على أهمية دور اللجنة الدستورية في جنيف، وأشار إلى دعم الدول الضامنة لعمل اللجنة من خلال التفاعل المستمر مع أعضاء اللجنة الدستورية والمبعوث الأممي غير بيدرسون، باعتباره شخصية مساهمة في ضمان عملها المستدام والفعال. 

كما شدد البيان على أهمية الالتزام بالاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية حتى تتمكن اللجنة من تنفيذ ولايتها المتمثلة في إعداد وصياغة إصلاح دستوري يستوجب موافقة الشعب وإحراز تقدم في عملها. وأعرب البيان كذلك عن وجود قناعة بضرورة أن تسترشد اللجنة في عملها بالرغبة في الوصول إلى حلول وسط والتفاعل البناء دون تدخل أجنبي وفرض مواعيد نهائية من الخارج بغرض التوصل إلى اتفاق عام بين أعضائها.

تحركات متوازية

رغم تواضع مخرجات اجتماع الأستانة الأخير، إلا أن المبعوث الأممي والمعارضة حاولا استثمار أية فرصة يمكن البناء عليها بعد الاجتماع. إذ كان لافتاً حرص بيدرسون على النظر لاجتماع الجولة الأخيرة على أنه “بارقة أمل يمكن أن تُنعش مسار الحل السياسي”، بعد الفشل الذريع للجولة الخامسة لاجتماعات اللجنة الدستورية، التي عُقدت مؤخراً في جنيف، ويتضح ذلك من خلال المشاورات المكثفة التي أجراها المبعوث الأممي في موسكو ودمشق بشأن كيفية دعم عمل اللجنة الدستورية في المرحلة المقبلة وإنقاذ مسار جنيف من الفشل التام. 

فيما سعت المعارضة للانفتاح على موسكو، وهو ما انعكس في تصريحات المتحدث بإسم وفد المعارضة لاجتماع أستانا، أيمن العاصمي، والذي أعلن خلالها عن الاستعداد للعمل مع روسيا لحل القضايا المعقدة المتعلقة بالتسوية في سوريا، مضيفاً “في اجتماعاتنا مع روسيا، اقترحنا أن نفعل كل ما في وسعنا فيما يتعلق بقضايا الهدنة واللجنة الدستورية ورأينا انفتاح روسيا على المعارضة ووُجهت دعوات لبناء علاقات مع روسيا وهذا إيجابي.” 

جدير بالذكر أن رئيس وفد المعارضة لاجتماع أستانا، أحمد طعمة، صرّح فور انتهاء الاجتماع، قائلاً “أكدنا خلال الاجتماعات أنه لا بد من منهجية عمل وخطة عمل واضحة وجدول زمني للبدء بصياغات دستورية وتجاوز المرحلة التي بقي النظام بها وهي مرحلة الإعداد التي طالت وطالت، ونرى أن هدفه المماطلة دون الوصول لأية نتيجة.”

اعتباران رئيسيان

يمكن تفسير تواضع النتائج التي خرجت بها الجولة الأخيرة من “محادثات أستانا”، في ضوء اعتبارين أساسيين: أولهما، تراجع زخم التنسيق الروسي – الإيراني- التركي في سوريا، في ظل تصاعد حدة الخلافات فيما بين الدول الثلاث، وسعى كل طرف لضمان مكاسبه في سوريا المستقبل، ولعل أبرز تلك الخلافات تباين وجهات نظر الأطراف الثلاثة بشأن كيفية التعامل مع أزمة إدلب. 

وثانيهما، استمرار عجز الدول الضامنة عن تسويق مساعيها دولياً، إذ لم تتمكن الدول الضامنة لمسار أستانا من تسويق هذا المسار على الصعيد الدولي كإطار يُمكن أن يدعم فعلياً الحل السياسي السوري؛ وبالتالي، لم يتجه المجتمع الدولي للتعامل بجدية مع المسار، على الرغم من أنه تم عقد 15 جولة منه حتى الآن. ويرتبط بذلك أن القوى الدولية ترى أن جهود كل من موسكو وأنقرة وطهران يعتريها التناقض في ضوء مسعى الأطراف الثلاثة لتأسيس مزيد من مناطق النفوذ في الساحة السورية وحديثها في المقابل عن رغبتها في تقديم حل سياسي للأزمة السورية.  

يضاف لذلك أن عزوف القوى المنخرطة بقوة في الأزمة السورية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، عن المشاركة في مسار أستانا، حتى ولو بصفة مراقب، أثر سلباً على مخرجاته؛ بالتالي، يمكن اعتبار عدم تفاعل المجتمع الدولي بشكل إيجابي مع مسار أستانا أحد أسباب تواضع نتائجه. كما أن رفض إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المشاركة في تلك المحادثات، رغم شكلية مسألة حضورها من عدمه، يعني أنها لن تقبل بشكل قاطع بأية مظلة روسية لحل الأزمة السورية، وأنها ترفض منح موسكو أية نقاط سياسية يمكن أن تحتسب لصالحها.

تناقض صارخ

يكشف البيان الختامي لمحادثات أستانا الأخيرة بشأن سوريا عن تناقض واضح في طريقة تعامل كل من موسكو وأنقرة وطهران مع الأزمة السورية، ويبرز هذا التناقض مع إعلان الأطراف الثلاثة رفض استخدام الحل العسكري في سوريا والالتزام بوحدة واستقلال الأراضي السورية وسيادتها، في حين أن الواقع الفعلي يشير إلى أن تلك الدول من أكثر الأطراف التي لا تزال تراهن على الحل العسكري في سوريا وأن تحركاتها الراهنة تقلل من فرص عودة سوريا كدولة مستقلة ذات سيادة.

المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

مصدر الصورة: التلفزيون السوري.

موضوع ذا صلة: مسعد: جولة أستانا الـ13.. الحل السياسي للشمال أو الحسم العسكري