إعداد: مركز سيتا

قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بعد لقائه مع نظيريه الروسي والقطري “إن تركيا وروسيا وقطر تبذل محاولة مشتركة للدعوة إلى حل سياسي للصراع السوري المستمر منذ عشر سنوات”.

ومع مرور 10 سنوات على الحرب السورية، أُطلق في الدوحة مسار آخر يتوازى أو يتقاطع مع مسارات أخرى هي حاصل تراكمات سنوات طويلة من المحاولات والفشل ومن الحرب والاقتتال والمعاناة.

عملية متأخرة لكن مثمرة

في الدوحة – قطر، تم إطلاق عملية تشاور ثلاثية جديدة الهدف منها هو مناقشة كيف يمكننا المساهمة في الجهود الرامية إلى حل سياسي دائم في سوريا، حيث أكد المجتمعون على أن الحل الوحيد للصراع الذي راح ضحيته مئات الآلاف وتشرد بسببه الملايين هو تسوية سياسية تتماشى مع قرارات الأمم المتحدة. في هذا السياق، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف “إن الدول الثلاث لا تسعى لطرح بديل للجهود التي تبذلها تركيا وروسيا وإيران منذ العام 2017 للحد من القتال في سوريا ومناقشة حل سياسي”، مضيفاً “لا يسعني إلا أن أرحب برغبة قطر في الإسهام في تهيئة الظروف للتغلب على الوضع المأساوي الحالي في سوريا”.

هذه الأوضاع المفاجئة للشعب السوري تركت أجواءً من التفاؤل، فالأزمة السورية يمكن أن تأخذ طريقها إلى الحل في المدى المنظور، حيث أن هناك دلالات كبيرة لهذا الإجتماع قد تنعكس على المشهد العام للمنطقة ككل.

السياسة.. لا العسكرة

إن وجود توافقات بين هذه الدول الفاعلة على عدة قضايا، من ضمنها استبعاد الحل العسكري للأزمة السورية، وأن الحل السياسي هو الخيار الوحيد لحل الأزمة، قال الكاتب والمحلل السياسي الروسي، يفغيني سيدروف، في هذا الصدد “إن الجديد في اللقاء الثلاثي هو أن الأطراف المشاركة لها فرص وإمكانية واسعة للضغط على طرفي الصراع في سوريا؛ فروسيا بإمكانها الضغط على النظام وجعل موقف الأخير أكثر ليونة خاصة فيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية.”

هذا الرأي، يتقابل مع الموقفين التركي والقطري لجهة الضغط على المعارضة السورية، بالإضافة إلى الأولوية القصوى لدى أنقرة لإنهاء الهجمات الإرهابية التي تأتي من الحدود السورية من قبل قوات حماية الشعب الكردي وقوات حزب العمال الكردستاني، بحسب الجانب التركي. لذا، يؤكد البيان المشترك الاتفاق على معركة مشتركة ضد الإرهاب، وأن هناك خطاً أحمر ضد كل المجموعات الانفصالية، فضلاً عن أن هذه الجهود المشتركة قد تؤثر إيجاباً على حلحلة الأزمة وكذلك وصول المساعدات الإنسانية وعودة اللاجئين الطوعية والآمنة.

هذا المسار يمكن اعتباره مبادرة مهمة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، بالتنسيق مع الجهود الأممية واستكمالاً لجهود عملية “أستانا”؛ لكن رغم ذلك، لا تلوح في الأفق بوادر حل للأزمة السورية بسبب تضارب مصالح الدول والأطراف الإقليمية والدولية التي تتمتع بنفوذ عسكري وسياسي كبير في دمشق، بعد أن باتت هذه الأطراف تتصرف نيابة عن السوريين في كثير من المسارات والقرارات.

ما هي الضمانات؟

هناك مساراً سياسياً جامداً بالملف السوري منذ سنوات، إذ لا تقدم في مسار مباحثات جنيف، منذ العام 2016، ومن ثم جاء مسار أستانا ليحل محله لكنه لم يستطع التقدم، إذ لا ضمانات بأن ينتج عن مسار الدوحة نتائج أفضل من المسارات السابقة، لكن توجد بعض الظروف المواتية وبعض الضغوط.

لكن المطمئن في هذا الأمر أن مجرد وجود الوزير الروسي في الدوحة يعني أن هناك أسباباً حقيقية تدفعه الى هذه الزيارة، فالجميع يعلم أن روسيا تمكنت من الوصول الى أهم نتيجة في النزاع السوري عبر وقف الحرب في هذا البلد، رغم أن الأمور السياسية في هذا الملف كانت تتخبط في مكانها في الآونة الأخيرة بسبب عرقلة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، للكثير من الحلول والضغط بأقصى قوة من خلال “قانون سيزر”.

هذه المحادثات ليست بالسهولة التي تبدو عليها، خاصة وأن تركيا سبق وأن تملصت في اجتماعات سابقة من التزاماتها، ولروسيا أيضاً الكثير من التجارب معها في هذا السياق، إذا ما وضعنا بعين الاعتبار العلاقة التركية – القطرية المنسجمة مع ذاتها في كثير من الملفات. إن هذا المسار الجديد يشكل محاولة للحل، لكن يمكن اعتباره حلاً نهائياً، على الأقل في المدى المنظور، إلا أنه ومن الممكن إيجاد مخرج للأزمة، من خلاله، في وقت قصير إن صدقت نوايا المجتمعين وانضم إليهم عدد آخر من الدول التي شاركتهم رؤيتهم للأزمة، كالسعودية على سبيل المثال لا الحصر، إذ ليس من السهولة حل المواضيع المطروحة خاصة بالنسبة إلى الوضع الإنساني ومسألة اللاجئين، التي استخدمت مراراً كورقة ضغط سياسية على دمشق.

أخيراً، إن هذه المبادرة أتت في وقت فيه “بلغ السيل الزبى”، فمن جهة إن ليونة السعودية لعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية هو أمر يُصرف في ميزان الحسابات السياسية، حيث تقاطع مع تصريحات وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد، بما يتعلق بالعقوبات الأمريكية على دمشق، ليكتمل المشهد باجتماع الدوحة.

فرغم أن هذه الدول تقف على النقيض من بعضها البعض، لكن من الممكن تفسير هذا الحدث بأن روسيا، وعلى الرغم من كل الملاحظات التي طالتها مؤخراً، استطاعت أن تكشف عن أوراقها الخفية التي استغرقت أعواماً من الجهود حيث أنه وعلى ما يبدو أن ثمرة الدبلوماسية الروسية ستزهر قريباً، بينما يبقى موقف دمشق الصامت متماهياً مع موقف موسكو، ويتقاطع معه ما دام يصب في مصلحة سوريا والسوريين.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصورة: روسيا اليوم.

موضوع ذا صلة: أسباب تراجع نتائج الجولة الـ 15 لـ “محادثات أستانا”