حثّ مبعوث الأمم المتحدة الخاص الجديد إلى ليبيا، يان كوبيتش، القوات الأجنبية والمرتزقة على مغادرة الدولة التي مزقها الصراع امتثالاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم العام 2020، وحذر كوبيتش في كلمة أمام مجلس الأمن، من “انتكاسات” قد تعرقل أو تؤجل الانتخابات المنتظرة في ديسمبر/كانون الأول 2021، والتي تهدف لإقامة حكومة موحدة في الدولة التي تشهد انقساماً منذ سنوات.
وقال كوبيتش إن اتفاق وقف إطلاق النار مستمر في الصمود، لكن القوات الأجنبية والمرتزقة لم يغادروا ليبيا “وهناك أنباء عن تحصينات وإقامة مواقع دفاع مستمرة” بطول المحور الرئيسي في وسط ليبيا من مدينة سرت الاستراتيجية حتى الجفرة المجاورة، وأضاف أن “انسحاب القوات من ليبيا سيكون له أبلغ الأثر على إعادة الوحدة والسيادة في الدولة والتئام جروح عميقة سببتها سنوات كثيرة من الصراع الداخلي والنزاع المستمر والتدخل الأجنبي”، مشيراً إلى عناصر من تنظيم “داعش” مستمرة في النشاط في ليبيا.
حلول ولكن..
تعكس الأزمة الليبية عمق التدخل الأجنبي فيها؛ فبعد انتخاب حكومة انتقالية جديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة ومنحها الثقة من قبل مجلس النواب الليبي، بقي تنفيذ الشرطين الأهم في كل مفاصل الأزمة الليبية وهما الاستمرار بالهدنة المبرمة لوقف إطلاق النار، وإخراج القوى الأجنبية والمقاتلين الأجانب. هذان الشرطان، إن تحققا، من الممكن القول إن ليبيا قد خطت فعلاً أولى خطواتها نحو إرساء الأمن والاستقرار الذي يطمح له كل الشعب الليبي.
لكن تصريح المبعوث الأممي يتعارض مع المعلومات التي تم تداولها مؤخراً وهي انسحاب أول دفعة من المقاتلين الأجانب وعودتهم إلى سوريا، والمقدّر عددهم بحوالي 5 آلاف مقاتل، على أن يُستكمل الانسحاب الكلي في غضون أسبوعين.
هذه المعلومات، كما أشرنا، لا تتسق ومسألة بناء تحصينات جديدة للإرهابيين المتواجدين على الأراضي الليبية، إلا أن تحديد إقامة هذه التحصينات على طول المحور الرئيسي في وسط ليبيا يعني أنها تُقام في مناطق سيطرة قوات شرق ليبيا، بقيادة المشير خليفة حفتر، وهي إشارة غير مباشرة لاتهامهم بهذا الأمر، خاصة وأن القيادة الشرقية هي من المشددين والمصرّين على الانسحاب الأجنبي والمرتزقة من كل الأراضي الليبية؛ وبالتالي، يعد هذا مؤشراً على نسف الجهود بمكانٍ ما في مرحلة لاحقة لكن تحديدها الزمني سيكون حكماً قبيل ديسمبر/كانون الأول، أي قبل موعد الانتخابات المقبلة.
إلى مالي در
تقول المعلومات إن انسحاب المرتزقة السوريين من ليبيا، لا يعني عودتهم إلى سوريا، وإنما إرسالهم إلى مالي، البلد المسيطر عليه بشكل شبه كامل من قبل فرنسا. هذا الأمر، يتقاطع مع تجدد الخلافات الفرنسية – التركية مؤخراً حيال اتهام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، بنيته التدخل بانتخابات فرنسا المقبلة، لكن حقيقة الأمر أن هذا الإدّعاء ما هو إلا تعتيم عن حقيقة الأوضاع التي تبين أن توجه المرتزقة إلى مالي، ما يعني أن الاحتكاك والمعارك المقبلة ستكون مع القوات الفرنسية المتواجدة هناك، وأن باريس تعتبر مالي مستعمرة تارخية فرنسية لها؛ وبالتالي، عاد الوضع الليبي إلى التعقيد مجدداً، وعلى طرف من الأطراف أن يعمل على تخريب شروط المجموعة العسكرية 5+5 الليبية حيال خروج المرتزقة.
أخيراً، قد يكون من الخطأ الإعتقاد أنه مع انتخاب حكومة انتقالية جديدة في ليبيا أن الأوضاع تتجه نحو الاستقرار، ومخطئ كل من يعتقد أنه بتحديد موعد الانتخابات المقبلة سيتم إنقاذ البلاد مما هو مخطط لها، بل على العكس، طفت أطماع القوى الأجنبية حولها، وتعاظمت الخلافات أكثر مما هي عليه، خاصة مع الحديث عن مرحلة إعادة إعمار ليبيا، فالدور التركي فيها كبير جداً، وهذا لن يعجب الأطراف الغربية الأخرى، ليعود الوضع إلى التأزم مجدداً تحت ذرائع وعناوين متعددة منها عودة “داعش” أو خروج تنظيمات جديدة من رحم التنظيمات القديمة، لإفشال كل ما يمكن له أن يحقق الاستقرار الليبي.
مصدر الصورة: ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذا صلة: ما الخطة التي يملكها بايدن في ليبيا؟*