كاثرين شاير/ ع.ج

يُعرف لبنان منذ عقود بإسم “سويسرا الشرق الأوسط” بسبب قوانينه الصارمة المتعلقة بالسرية المصرفية. ولكن مع تعمق الأزمة الاقتصادية والديون في البلاد، فإن البنوك التي كانت في وقت من الأوقات تجذب الكثير من رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلاد تعاني من المشاكل أيضاً.

ويقدر خبراء الاقتصاد المحليون أن البنوك اللبنانية مدينة بأكثر من 90 مليار دولار، ويقولون إنها، منذ أواخر العام 2019، فرضت قيوداً شديدة على عمليات السحب والتحويلات بالعملة الأجنبية، لا سيما بالدولار الأمريكي.

كانت هناك قصص كثيرة عن الضرر المالي الذي لحق باللبنانيين العاديين من جراء هذه التحركات مع دخول عملتهم في دوامة التضخم وفقدان القيمة. حيث فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 85% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء.

ولكن هل يمكن للمصارف اللبنانية المفلسة أن تزيد من مخاطر الانهيار الاقتصادي وتلعب دوراً سلبياً في الأزمة المالية كما حدث مع أزمة اليونان خلال الأزمة المالية العام 2008؟

المليارات المفقودة

في أواخر العام 2020، ألقى الرئيس السوري، بشار الأسد، باللائمة في المشاكل الاقتصادية المستمرة التي تعاني منها بلاده على حقيقة أن ما بين 20 مليار دولار وحتى 42 مليار دولار تعود إلى مودعين سوريين فرضت عليها قيود في لبنان. ولطالما استخدم رجال الأعمال السوريون البنوك اللبنانية لتجنب العقوبات الدولية وغيرها من القيود.

وفي وقت سابق من العام 2020، أشارت أبحاث أجراها مركز الأبحاث اليمني “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، إلى أن ما يصل إلى 20% من احتياطيات اليمن من العملات الأجنبية، والتي تقدر بنحو 240 مليون دولار، كانت عالقة في البنوك اللبنانية.

وفي إقليم كردستان في شمال العراق، يقول السياسيون إن ما يصل إلى مليار دولار من الأموال من مبيعات النفط تخضع لقيود في مصارف لبنان.

لبنان لا يستطيع تسديد تلك الديون

من الواضح بالفعل أن مليارات الدولارات قد لا يتم استردادها أبداً لأن البنوك اللبنانية ببساطة لا تملك الأموال اللازمة لدفعها للمودعين.

في أغسطس/آب 2020، قال البنك المركزي في البلاد إن أمام البنوك المحلية 6 أشهر لرفع حجم رأس المال الذي تحتفظ به إلى 20%. ويشمل رأس المال هذا الأصول النقدية والأسهم التي يملكها البنك والتي يمكن أن يستخدمها لتحمل أية أزمة. وعلى سبيل المقارنة، استطاعت البنوك، التي يشرف عليها البنك المركزي الأوروبي، تحقيق نسبة رأس مال تبلغ نحو 15% العام 2019.

وقال محافظ البنوك المركزية اللبنانية إنه إذا لم تجمع البنوك المحلية الأموال النقدية، فإن الحكومة ستتولى إدارة هذه الأموال أو تجبرها على الخروج من السوق. واستجابة لذلك، باعت بعض المصارف اللبنانية شركات تابعة لها في بلدان أخرى، بما في ذلك في مصر والأردن، كما تم انهاء عقود موظفين في القطاع المصرفي اللبناني الذي يعمل فيه نحو 25 ألف شخص.

ومع ذلك، فإن الموعد النهائي المقرر، فبراير/شباط 2021، قد انقضى ولم تحدث الزيادة المطلوبة في رأس المال – الذي تقدر قيمته بـ 4.1 مليار دولار – ولم تتم عمليات تصفية المصارف. ما يعنب أن الأزمة المصرفية اللبنانية مستمرة، والوضع الاقتصادي هناك يشبه مشاهدة “تحطم قطار في حركة بطيئة”، كما كتب هذا الشهر دان عزي، المحلل المالي والاقتصادي اللبناني.

أموال جديدة للديون القديمة

تودع الحكومات والشركات في الشرق الأوسط أموالها في المصارف اللبنانية لعدة أسباب، من بينها قوانين السرية المصرفية الصارمة في البلد والإعفاءات الضريبية، وحقيقة أن البنوك المحلية كانت تعرض لأعوام أسعار فائدة مبالغ فيها على الودائع بالدولار الأمريكي من أجل جذب المزيد من المودعين.

وكما ذكرت نشرة “انترناشونال بانكر” المتخصصة، فإن “الفترة التي أعقبت الأزمة المالية شهدت أن لبنان كان واحداً من البلدان القليلة جداً التي قدمت للمستثمرين معدلات عائد جذابة للغاية، وهذا ما جعل من هذه الدولة الشرق أوسطية الصغيرة نقطة جذب للمستثمرين الأثرياء من جميع أنحاء العالم.”

وقالت ريم عيادي، الأستاذ في كلية إدارة الأعمال – جامعة سيتي في لندن ورئيسة جمعية الاقتصاديين الأورو – متوسطية، “لقد وصف كثيرون هذا النظام بأنه مخطط بونزي (مصطلح يقصد به النصب والاحتيال في عالم الأموال) حيث توجه الأموال الجديدة المقترضة لسداد الديون القديمة”.

ونتيجة لذلك، انتهى المطاف بلبنان إلى واحدة من أعلى نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم. ويقارن هذا الرقم بين ما ينتجه بلد ما، أي الناتج المحلي الإجمالي، وقدرته على سداد ما يدين به. ويقدر في لبنان بنحو 172% للعام 2020. وبعبارة أخرى، كسبت البلاد حوالي 18 مليار دولار، العام 2020، ولكنها مدينة بنحو 93 مليار دولار. ومن بين الاقتصادات المتقدمة، لا تسجل سوى اليابان واليونان أسوأ من ذلك.

تماما مثل الأزمة المالية لعام 2008؟

بعد أن أقرضت أموال المودعين للحكومة والبنك المركزي بأشكال مختلفة، تحتفظ المصارف الخاصة بمعظم الدين العام في لبنان. فما مدى خطورة كل هذا على البلدان الأخرى في الشرق الأوسط؟

يقول خالد عبد المجيد، مدير صندوق لدى شركة “سام كابيتال بارتنرز” – مستشارة الاستثمار في المملكة المتحدة، إن الأمر لن يكون مثل اليونان والاتحاد الأوروبي، مضيفاً “أن البلدان التي أثرت عليها الأزمة في المقام الأول هي لبنان، وبدرجة أقل سوريا”، موضحاً أن “الأفراد والشركات هي التي تأثرت بهذه الكارثة في المقام الأول”.

يعمل عبد المجيد في المنطقة منذ أكثر من 27 عاماً ويعرف بشكل شخصي الكثير من الأفراد العالقة أموالهم في المصارف اللبنانية، كما يعرف أن هناك شركة، مقرها دبي، أجبرت على شطب حوالي 8 ملايين دولار، العام 2020، لأنها لم تتمكن من إخراج أموالها من لبنان.

“النظام المالي في لبنان محلي جداً في حالة تأثيره على العديد من البلدان الأخرى”، بحسب مايك عازر، المحلل المقيم في واشنطن والمحاضر السابق في الاقتصاد الدولي في كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة. ويتابع عازر “لقد كان هناك بالتأكيد تأثير على العديد من الأفراد والشركات غير اللبنانية، لكنه محدود وليس منهجياً. وبدلاً من ذلك، تمضي المنطقة قدماً من دون لبنان”.

ويؤكد المتخصص في النظم المالية أن قيام البنوك ببيع الشركات التابعة الإقليمية يعزلها أكثر من ذلك، وقال “من الواضح أن البنوك اللبنانية أصبحت محفوفة بالمخاطر بالنسبة لمثيلاتها في المنطقة والعالم، وهذا يجعلها أكثر انفصالاً عن النظام الدولي”.

انهيار وشيك

يعتقد الأستاذ عبد المجيد أن المودعين قد يحصلون في نهاية المطاف على جزء صغير من أموالهم بقرار سياسي. ومثل العديد من الآخرين داخل البلاد وخارجها، فإنه يشعر بالقلق إزاء ما سيأتي بعد ذلك، ويشير إلى أن المؤسسات التي يمكن أن تنقذ لبنان من الأزمة المالية – مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي- تقول إنها لن تفعل ذلك حتى يتم إجراء إصلاحات كبيرة.

ختاماً، قال الأستاذ عبد المجيد إن هذه الإصلاحات “قلبت بشكل أساسي هياكل السلطة القائمة”، مضيفاً “لذلك سيكون من الصعب تطبيق ذلك. تخميني هو أن الوضع سوف يستمر لبعض الوقت حتى تنهار البلاد تماماً، أو تدرك القوى أنه ما لم يتم التوصل إلى حل وسط، فإنه لن يبقى شيء لتحكمه.”

المصدر: دويتشه فيله.

مصدر الصور: العربي الجديد – نبض.

موضوع ذا صلة: إنهيار نقدي في لبنان وسوريا والجزائر.. الأسباب والأهداف