ديفيد ماكوفسكي**

تتجه إسرائيل نحو انتخاباتها الرابعة خلال عامين لأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، بيني غانتس، أثبتا عدم قدرتهما على الحفاظ على التماسك الكبير لإئتلافهما. وبموجب القانون، فإن الحكومة التي لا تستطيع وضع ميزانية بحلول نهاية السنة التقويمية تتجه تلقائياً إلى الإنتخابات بعد تسعين يوماً، 23 مارس/آذار، في هذه الحالة. وقد هُزِم التصويت في الكنيست لتأجيل هذه الآلية بفارق ضئيل في جلسة للبرلمان الإسرائيلي (التي) عُقدت في وقت متأخر من ليل 21 كانون الأول/ديسمبر، مما يمثل إنتكاسة لنتنياهو والتفكك المحتمل للحزب الوسطي أزرق – أبيض، برئاسة غانتس.

ما الذي أدى إلى الانهيار؟

دخل غانتس إلى الحكومة، أيار/مايو، في ظل ظروف وطنية ملحة، من بينها ثلاث جولات غير حاسمة من الإنتخابات والوباء المستشري. ومع ذلك، أدت التدابير التي إتخذها لتوحيد الجهود مع نتنياهو إلى إنقسام إئتلاف “أزرق أبيض”، الذي إستند تشكيله في العام 2019 على الإطاحة برئيس الوزراء العالق في المأزق.

علاوة على ذلك، أثبت الإئتلاف الكبير الناتج عن ذلك أنه أحد أكثر الإئتلافات إنقساماً في التاريخ الحديث، مع إنزعاج نتنياهو الواضح من مشاركة السلطة مع غانتس في رئاسة الوزراء الدورية. وبالنظر إلى التفاوت التشريعي بين معسكره (حزب الليكود بالإضافة إلى الأحزاب الأرثودكسية المتطرفة الموالية له، بإجمالي 52 مقعداً في الكنيست) ومعسكر غانتس (إئتلاف أزرق – أبيض بالإضافة إلى أحزاب وسطية صغيرة متنوعة، بإجمالي 19 مقعداً)، لم يتخل نتنياهو قط عن إحتمال إنقاذ نفسه من إتفاق التناوب وفرض عزل برلماني عن محاكامته المتعلقة بالفساد.

ومن المفارقات أن الإمتناع عن إقرار الميزانية من أجل الحث على إجراء انتخابات، كانت تحديداً إستراتيجية نتنياهو حتى الشهر الحالي. وتغيرت هذه الحسابات على ما يبدو قبل أسبوعين عندما إنشق عضو الكنيست جدعون ساعر، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، عن حزب الليكود ليبدأ حزباً جديداً ويتحدى نتنياهو، مما أدى إلى إنخفاض في أرقام الإستطلاعات لرئيس الوزراء.

ولكن بدلاً من تغيير المسار وتقديم الميزانية، ضاعف نتنياهو أساليب الضغط التي يمارسها. فبعد رؤيته أرقام الإستطلاعات المتدنية لغانتس، إعتقد على ما يبدو أن بإمكانه إنتزاع تنازلات من شريكه في الإئتلاف لتجنب الإنتخابات التي قد تعرض كلا الساسيين للخطر. ومع ذلك، بالغ نتنياهو قليلاً، وحاول تقييد صلاحيات وزير العدل (آفي نيسنكورن، المسؤول من قبل ائتلاف أزرق – أبيض) وإحتكار الترشيحات القانونية والقضائية المستقبلية. وقد وضع ذلك غانتس في موقف صعب للغاية بالنظر إلى إلتزام حزبه بإستقلال القضاء. كما نشر نتنياهو كلمة مفادها أن غانتس سيتنازل عن هذا المبدأ من أجل ضمان تناوبه على رئاسة الوزراء، في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل 2021، كما تم الإتفاق عليه مسبقاً، مما دفع ثلاثة أعضاء متأرجحين من إئتلاف أزرق – أبيض إلى إختيار إنتخابات جديدة بدلاً من ذلك.

ويرجع الضعف المستمر لمكانة غانتس، منذ أيار/مايو، في جزء كبير منه إلى نتنياهو، الذي أبقى شريكه في الإئتلاف على هامش الإنجازات الشعبية، مثل “إتفاقات أبراهام” ولقاح “كوفيد – 19”. ونتيجة لذلك، كان غانتس ضعيفاً جداً من الناحية السياسية لكي يتفادى الإنهيار حتى داخل حزبه، فقد لا يتمكن هو ووزير الخارجية غابي أشكنازي من الحفاظ على تماسك إئتلاف أزرق – أبيض في الحملة الإنتخابية في آذار/مارس. وبعد فوزه بأكثر من 30 مقعداً في الإنتخابات السابقة، تعكس إستفتاءات الرأي العام حالياً على حصول الحزب ما بين 5 – 9 مقاعد، ويتطلع بعض نواب الحزب للإنضمام إلى قوائم إنتخابية أخرى.

وقد يكون التوجه نحو الإنتخابات أمراً سيئاً لنتنياهو أيضاً. وعلى الرغم من أن سجله الحافل في مقاومة التوقعات وإحتلاله الصدارة أمر لا يمكن إستبعاده أبداً، إلا أنه من المرجح أن تجري الإنتخابات، آذار/مارس، في وقت لا يزال فيه الإقتصاد ضعيفاً، ولم يتم بعد الشعور بفوائد التطعيم الشامل بشكل كامل، وإحتفاظ ساعر على الأقل ببعض زخمه السياسي الحالي (على سبيل المثال وفي 23 كانون الأول/ديسمبر، إنشق الوزير زئيف إلكين من حزب الليكود وإنضم إلى معسكر ساعر).

هل يشكل ساعر خطراً على نتنياهو؟

كسياسي مخضرم من حزب الليكود، عادة ما إحتل ساعر المرتبة الأولى في إستطلاعات الرأي الأولية للحزب في الإنتخابات العديدة الماضية. وبسبب قرارات نتنياهو، الذي يميل إلى إعتبار الشخصيات الشعبية الأخرى في حزب الليكود بمثابة تهديدات، إنسحب ساعر من الحياة السياسية في العام 2015. ومع ذلك، عاد إلى المسرح السياسي في العام 2019 ليشكل تحدياً أولياً ضد نتنياهو، وعلى الرغم من أنه فاز بنسبة 28% فقط من أصوات الحزب آنذاك، إلا أنه كان العضو الوحيد في حزب الليكود الذي كانت لديه الشجاعة السياسية لخوض الإنتخابات ضد رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ البلاد.

ويمثل ساعر العودة إلى حزب الليكود القديم، حين دافعت شخصيات بارزة، مثل مناحيم بيغن وموشيه آرنس ودان مريدور، عن إستقلالية المؤسسات العامة في إسرائيل. ويعرف ساعر هويته السياسية على أنه “مَمْلَخْتي”، ويُقصد بها بشكل فضفاض “دعم مؤسسات الدولة”. وفي المناخ السياسي الحالي، حيث يرى العديد من الإسرائيليين أن المعركة المركزية في البلاد هي بين المؤيدين لنتنياهو والمعارضين له، تشكل الهوية التي إختارها ساعر وسيلة للدفاع عن إستقلالية القضاء ضد جهود نتنياهو الرامية إلى ممارسة المزيد من النفوذ السياسي على النظام القضائي.

ويساعد ذلك في تفسير سبب إظهار استطلاعات الرأي المبكرة، أن ساعر، وهو سياسي يميل إلى اليمين، يحصد الأصوات على حساب حزب الليكود اليميني وإئتلاف أزرق – أبيض الوسطي. ومن المتوقع حالياً أن يفوز حزبه المُنشق “الأمل الجديد” بـ 16 مقعداً بينما إنخفض التأييد لحزب الليكود إلى 26 مقعداً، ويمكن أن تزداد عدد المقاعد التي قد يحصل عليها ساعر إذا أضاف شخصيات رئيسية إلى قائمته الإنتخابية.

ويشبه أداء حزبَين آخرين أداء ساعر في حيازة الأصوات في إستفتاءات الرأي العام، وهما حزب “يمينا” (اليمين)، برئاسة نفتالي بينيت الذي تحول من حليف مقرب لنتنياهو إلى خصمه، والحزب الوسطي “ييش عتيد” (هناك مستقبل)، برئاسة يائير لبيد. وقد إستمر كلا الرجلين في التصويب على تعامل نتنياهو مع الوباء وتداعياته الإقتصادية، ومن المتوقع الآن أن يفوز حزباهما بحوالي 15 مقعداً لكل حزب.

وفي ظل هذا المشهد المتغير، يمكن لتجمع من الأحزاب الوسطية واليمينية المتوسطة الحجم حيازة الأعداد اللازمة لإستبدال رئيس الوزراء. وفي أول مؤتمر صحفي عقده نتنياهو مع إنهيار الحكومة، إعتبر بأن أي منافسين يمينيين سيعتمدون على الوسط كسبيلهم الوحيد للوصول إلى السلطة، مما يعني أنهم سيحتاجون إلى تشكيل إئتلاف معه. وحتى الآن، إقترب ساعر فقط من القول بأنه لن يشغل أي منصب تحت قيادة نتنياهو. ونظراً لتاريخ نتنياهو ومهاراته السياسية، فيمكن للمرء أن يتوقع منه بأن يبحث عن مسائل فاصلة لتقسيم المعارضة، على سبيل المثال، أثناء تصويت الكنيست على تأجيل الإنتخابات، إستمال نتنياهو فصيل إسلامي في “القائمة المشتركة” بزعامة العرب لتأييد موقفه للمرة الأولى.

وحتى لو تكاتفت الأحزاب متوسطة الحجم مع بعضها البعض بعد الإنتخابات، فإن تراجع إئتلاف أزرق – أبيض وزواله المحتمل يعني أنه لن يكون هناك حزب وسطي كبير سيقف نداً لند مع نتنياهو خلال الحملة الإنتخابية. وبوجود نتنياهو، بالإضافة إلى بينيت وساعر من اليمين ولبيد في الوسط فقط، من المرجح أن يكون رئيس الوزراء القادم من ذوي الميول اليمينية.

ويمكن للمرء أيضاً أن يتوقع من الجمهور أن يولي إهتماماً أقل لبعض الأحزاب اليمينية المتطرفة ذات الآراء السياسية الأكثر تشدداً من مواقف حزب الليكود بشأن القضايا الفلسطينية، خاصة مع قيام نتنياهو بترويج إتفاقيات التطبيع التي أبرمتها حكومته مع أربع دول عربية. وفي الواقع، قد يسعى هو ووزرائه إلى زيارة هذه البلدان، الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، خلال موسم الحملة الإنتخابية ودعوة شخصياتها المرموقة إلى القدس. وبالمثل، تفيد بعض التقارير أن مصر تنظر فيما إذا كانت ستوجه دعوة لنتنياهو للقيام بزيارته الرسمية الأولى إلى القاهرة، وذلك جزئياً على أمل تجنب التدقيق من قبل الكونغرس الأمريكي في ظل إدارة (جو) بايدن. ومع ذلك، قد تغير الدول العربية نظرتها إلى مثل هذه الرحلات الآن حيث توشك حملة إنتخابات إسرائيلية على البدء.

ماذا يعني ذلك بالنسبة لعلاقات بايدن مع نتنياهو؟

تستمهل الإنتخابات الإسرائيلية الرابعة جهود إدارة بايدن لتصنيف سياساته المستقبلية تجاه إسرائيل. وعلى الرغم من أن هذه المهلة قد تكون مؤاتية نظراً إلى تعدد الأمور الملحة على جدول أعمال بايدن، إلا أنها قد تعقد الأمور أيضاً.

ومن جهتها، سعت الولايات المتحدة إلى إستعادة العلاقات مع الفلسطينيين منذ تعليقها في العام 2017. وإذا سرع فريق بايدن هذا المسعى، فسترغب إسرائيل في المشاركة فيه. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستؤدي الإنتخابات الإسرائيلية المقبلة إلى إبطاء سير الأمور؟

وهناك عامل آخر من المحتمل أن يزيد الأمور تعقيداً وهو ما يمثله بايدن لنتنياهو على المستوى الشخصي مقابل المستوى السياسي. وقد أشاد كلا الرئيسين علناً بصداقتهما الشخصية، وسيكون لكل منهما مصلحة في تجنب العلاقات الدبلوماسية الباردة نوعاً ما التي كانت سارية في بداية إدارة (الرئيس الأسبق باراك) أوباما في العام 2009. ولنتنياهو أيضاً مصلحة في الإظهار للناخبين أنه يستطيع العمل مع رئيس أمريكي ديمقراطي، طالما أنه يفهم أن بايدن ليس (دونالد) ترامب ولا (باراك) أوباما عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، كان تركيز نتنياهو خلال معظم الإنتخابات (السابقة) على تجنب أن يكون مطوقاً من قبل اليمين. لذلك، يتساءل المرء عما إذا كان سيدلي بتصريحات حول إيران أو ضم المستوطنات خلال الحملة الإنتخابية، أو حتى إذا كان سيوافق على النشاط الإستيطاني خارج الجدار الأمني في الضفة الغربية، والتي يمكن أن يثير أي منها رد فعل من قبل إدارة بايدن. والآن على الأقل، لا يواجه نتنياهو أي ضغط حقيقي من ساعر وبينيت بشأن هذه القضايا، من المرجح أن تركز الحملات الإنتخابية لهذين السياسيين على التعافي الإقتصادي من “كوفيد – 19” وإستقلال المؤسسات الإسرائيلية.

ومهما كانت خطط نتنياهو، من الأفضل أن يبلغ بايدن بهدوء قبل “يوم تنصيب” الرئيس الأمريكي بأنه يريد إبقاء العلاقات مع الولايات المتحدة على مستوى عالٍ. ويعني ذلك طمأنة المسؤولين الأمريكيين بأنه لن تكون هناك مفاجآت سياسية في الأسابيع المقبلة، وأن الحملة الإنتخابية لن تتسبب ببداية سيئة للعلاقات الثنائية.

*العنوان الأساسي: “إستمرار الحراك السياسي الإسرائيلي: التداعيات المترتبة على نتنياهو والسياسة الأمريكية”

**مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.

المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

مصدر الصور: ميدل إيست أونلاين.

موضوع ذا صلة: الإنتخابات الإسرائيلية – 2020: سيناريوهات متعددة