جاءت التصريحات الأخيرة للسفير التركي في موزمبيق والتي أعرب فيها عن استعداد بلاده لتقديم كافة أشكال التعاون في مواجهة موجات الإرهاب التي تتعرض لها موزمبيق لتعكس – من جانب – رغبة تركيا في تعزيز حضورها في هذا البلد، ومن جانب آخر المساحة التي بات يلعبها ملف “مكافحة الإرهاب” كإحدى الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها المقاربة التركية في تعزيز مساحات الحضور والفاعلية.
وقد طرحت هذه التحركات العديد من التساؤلات التي تحاول الوقوف على السياق الذي تأتي في ظله بما يمثل محاولة تركية للاستثمار في الأزمة التي تعيشها موزمبيق، وكذلك الدوافع الرئيسية التي تقف خلف هذه المساعي التركية.
سياق مضطرب
تأتي التحركات والمساعي التركية لتعزيز مساحات الحضور والفاعلية في موزمبيق، في ظل سياق مضطرب، وذلك في ضوء الأزمات المختلفة التي تعاني البلاد من وطأتها وعلى رأسها الإرهاب، خصوصاً مع مساعي تنظيمات الإرهاب المعولم وعلى رأسها تنظيم “داعش” التوطن في موزمبيق، وإعادة استنساخ تجربة “الموصل” في العراق؛ فمع التحول في قبلة الإرهاب المعولم إزاء القارة الإفريقية، احتلت دولة موزمبيق مرتبة متقدمة فيما يتعلق بمؤشرات الإرهاب في القارة، حيث تربعت على رأس أولويات تنظيمات كـ “داعش”، وقد بدأت مساعي التنظيم الحضور في موزمبيق منذ العام 2017، وذلك مع الهجوم الذي حدث على مركز للشرطة في مقاطعة كابو ديلجادو، وتبناه آنذاك ما يُعرف بحركة “الشباب الإسلامية” (الصومالية) التي بايعت “داعش” بعد ذلك، وصولاً إلى التحركات المكثفة الأخيرة منذ بداية العام الجاري (2021) والتي بلغت ذروتها في الهجمات التي شنها التنظيم على مدينة “بالما” الاستراتيجية، واستهدف من خلالها إعلان خلافة جديدة من هذه المدينة في جنوب شرق إفريقيا، قبل أن تُعلن السلطات، 7 أبريل/نيسان 2021، عن طرد “الجهاديين” من المدينة دون إعلان النصر.
وفي إطار التفاعل مع التطورات المتسارعة المرتبطة بتحركات “داعش” في موزمبيق، أعلن السفير التركي في موزمبيق عوني أقصوي، في حوار له مع وكالة “الأناضول”، عن استعداد أنقرة للقيام بكل أشكال التعاون اللازم لدعم موزمبيق في مكافحة الإرهاب. وأشار أقصوي إلى أن هنالك دولاً وأطرافاً خارجية لا ترغب في نمو وقوة موزمبيق، وأن هذه الهجمات تأتي في إطار تحريض هذه الأطراف الخارجية، التي تستهدف حسب قوله “مواصلة الاستعمار الذي كان موجوداً في الماضي في إفريقيا”، خصوصاً مع الثروات الضخمة الموجودة في بلد كموزمبيق، وهو ما يحفز مساعي هذه الأطراف للاستفادة من هذه الثروات واستغلالها .
وفي سياق حديثه عن الرغبة التركية في الوقوف بجانب موزمبيق أشار أقصوي إلى أنه جنباً إلى جنب مع مساعي تركيا المشاركة في الحرب على الإرهاب في موزمبيق، أكد أن الهلال الأحمر التركي، وإدارة الكوارث والطوارئ التركية – آفاد، بالإضافة لوكالة التعاون والتنسيق – تيكا، تدرس حالياً احتياجات موزمبيق الإنسانية، ومستعدة لتقديم الدعم اللازم في ضوء الإمكانات المتاحة متى طلب الجانب الموزمبيقي ذلك.
دوافع اهتمام أنقرة
توجد مجموعة من الدوافع الحاكمة للتحركات التركية إزاء موزمبيق، تتراوح بين الاقتصادية والسياسية على النحو التالي:
1. أبعاد اقتصادية: يجد المتابع للعلاقات التركية – الموزمبيقية، خلال الأعوام الأخيرة، أن الجانب الاقتصادي كان حاضراً بقوة في التوجه التركي نحو موزمبيق، وهو ما تم التعبير عنه عبر “منتدى الأعمال التركي – الموزمبيقي”، الذي عُقد العام 2017 بمشاركة 700 رجل أعمال ، وانبثق عنه العديد من الاتفاقات الاقتصادية، واستهدف حسبما أُعلن تعزيز التعاون بين الجانبين، وزيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين ليصل إلى مليار دولار (كان حجم التبادل قد بلغ 115 مليون دولار العام 2016)، خصوصاً مع كون موزمبيق دولة غنية بالثروات الطاقوية، حيث تمتلك ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في إفريقيا، بالإضافة إلى 28 مليار طن من الفحم، فضلاً عن أنها فرصة جيدة لفتح أسواق جديدة أمام المنتجات التركية.
جدير بالذكر أن المُحدِّد الاقتصادي يُعتبر دافعاً رئيسياً حاكماً للتحركات التركية إزاء القارة الإفريقية بشكل عام، إذ تبحث تركيا على المدى المتوسط والبعيد عن أسواق بديلة لتلك التي انهارت في الشرق الأوسط في دول كسوريا والعراق ولبنان.
2. المعارضة التركية: ترتبط مساعي الحضور التركي في موزمبيق بهدف آخر يتمثل في التضييق على المعارضة في الخارج، وهو ما عبر عنه الرئيس التركي في زيارته لموزمبيق، العام 2017، عندما شدد على ضرورة التعاون بين الجانبين من أجل مكافحة أنشطة وتحركات جماعة فتح الله غولن. في هذا السياق، سلطت تقارير الضوء – العام 2020 – على وثيقة سرية لوزارة الخارجية التركية، وهي الوثيقة التي أشارت إلى ما قامت به أول سفيرة لتركيا في موزمبيق، من إرسال برقية لأنقرة تضمنت معلومات تم جمعها بشكل غير قانوني من قبل السفارة التركية عن أسماء وهويات وأنشطة شخصيات تركية عاملة في موزمبيق وتنتمي لاتجاهات معارضة لأردوغان وبالتحديد حركة فتح الله غولن.
وتضمنت الوثيقة، المؤرخة في 16 سبتمبر/أيلول 2016،، أسماء 32 فرداً، بالإضافة لمدرسة “ويلو الدولية المحدودة”، التي تدير واحدة من أفضل المدارس من حيث الأداء في موزمبيق، والعديد من الشركات التي يديرها الأتراك، وهي الخطوة التي يمكن توظيفها من قبل النظام التركي للضغط عليهم عبر إلغاء جوازات سفرهم؛ وبالتالي، الحد من حريتهم وقدرتهم على التنقل.
جدير بالذكر أن جماعة غولن تحظى بحضور كبير في القارة الإفريقية وفي موزمبيق، ويقوم هذا الحضور بشكل رئيسي على الأدوات التعليمية والدينية والثقافية. ففي موزمبيق – على سبيل المثال – تُعتبر المدارس التي يملكها أعضاء منسوبون لجماعة غولن هي الأفضل من حيث المستوى، وذلك في ضوء كونها تقدم بديلاً معقولاً وبسعر مناسب للمدارس الفرنسية؛ وبالتالي، تجذب فئات واسعة خصوصاً من الطبقات المتوسطة.
3. التنافس مع فرنسا: تشير تقديرات إلى أن أحد الأهداف والدوافع التي تقف خلف مساعي تركيا للحضور في موزمبيق من بوابة مكافحة الإرهاب، يرتبط بالصراع والتنافس الدائر مع فرنسا على أكثر من ساحة مثل شرق المتوسط وليبيا؛ وبالتالي، تستهدف هذه التحركات نقل حالة الصراع والتنافس مع فرنسا إلى مساحة جديدة، بهدف التضييق على الاستثمارات الفرنسية في موزمبيق، خصوصاً وأن هجمات “داعش” الأخيرة ركزت على منطقة “بالما” وهي القريبة من أماكن استخراج الغاز الطبيعي ومنشآت تسييل الغاز التابعة لشركة “توتال” الفرنسية التي تُقدر قيمة الاستثمارات فيها بحوالي 23 مليار دولار.
إجمالاً يمكن القول، إن “مكافحة الإرهاب” باتت إحدى الأدوات والمداخل الرئيسية التي تعتمد عليها تركيا لخلق مساحات للحضور في الدول المأزومة والتي تعاني من وطأة الإرهاب، والتي ترتبط بالأجندة والرؤية التركية، كما هو الحال في موزمبيق.
المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.
مصدر الصور: النهار- ميدل إيست آي.
موضوع ذا صلة: تزايد النشاط التركي في أفريقيا بعد تراجعه في سوريا
محمد فوزي
باحث في العلوم السياسية