إن الواقع المعقد الذي نراه اليوم لواقع العلاقات الدولية، وتردي العلاقات الإنسانية من جرّاء التنافر في الفكر السياسي والاقتصادي والثقافي وصراع المصالح المادية والابتعاد عن الفكر المعنوي الأخلاقي في رسم السياسات الخارجية والداخلية في الأنشطة السياسية الداخلي والخارجي عند جميع الدول، وغيرها من الأسباب، دفعت الباحثين إلى التفكير بمستقبل الأرض ومصير البشرية.
لقد أصبح التفكير في مستقبل الحياة الإنسانية يشكّل ظاهرة شرعية وتحتل المجال الأهم من تفكير واهتمامات الجهات الرسمية الحكومية والمنظمات الدولية، بالإضافة طبعاً إلى رجال الفكر والاختصاص، وباتت هذه المسألة الأكثر حضوراً وتداولاً في جميع المؤتمرات الدولية واللقاءات الدولية عند مناقشة جميع المسائل السياسية أو الاقتصادية وحتى الإيديولوجية وحتى أنها أصبحت تحتل مساحة واسعة من الوعي الفكري عند الشعوب والمجتمعات.
أما البُعد الكارثي لقيام هذه الدراسات والرؤى، فيكمن في عجزها عن تقديم حلول حتى ولو كانت خيالية لمشكلة العصر والإنسان وهي المشكلة البينية؛ وبالعودة إلى التاريخ اليوناني القديم عندما أكدت المدرسة المثالية اليونانية حتمية الحل البيني وهو أمر إلهي كما أكدته أعمال أفلاطون وسقراط وأرسطو وغيرهم من الفلاسفة عبر تاريخنا الطويل، وبالتالي إن تردي العلاقات الإنسانية في الوقت الحالي، هي سبب لانتشار التطرف الفكري والديني حول العالم، وتفاقم الأزمة البينية، وبحث البعض عن حروب قد تكون بديلة للحرب الباردة ليكون وقودها الإنسان والحضارة الإنسانية بأسرها.
وعلى الرغم من هذا المشهد المعقد لواقع الحال في المجتمع الدولي، لكن الأمل ما زال موجوداً في إمكانية القيام بتنظيم العلاقات الدولية الحكومية بشكل توافقي يشارك في إنجازه جميع أفراد الأسرة الدولية بطريقة بناء نظام شرعي دولي جديد يكون قائماً على الاعتراف بالحق السيادي لجميع الدول في المساهمة والمشاركة في رسم البرامج والخطط السياسية والاقتصادية والثقافية الدولية على قاعدة صلبة من المصالح الوطنية لكل دولة ومراعاة المصالح الوطنية للدول الأخرى؛ وبالتالي، الوصول إلى قواعد شرعية دولية توافقية تستطيع أن تسهم أكثر في عملية الحفاظ على الأمن والاستقرار الدولي.
هذا كله يقودنا إلى ضرورة الحذر من خطورة فقدان تصور واضح حول ماهية السياسة الدولية المقبلة لدى الدول والمنظمات الدولية، لأن فقدان تصور صحيح للسياسات الدولية المقبلة يجعلنا غير واثقين من مستقبل آمن للأجيال المقبلة؛ بالتالي، إن الإسراع في البدء بمعالجة المشاكل الدولية من خلال بناء نظام قانوني دولي جديد ومنح القواعد المرنة الحيّز اللازم للتأثير وضرورة مراعاة واحترام القواعد المعنوية حولنا في هذا النشاط الإبداعي الدولي، يهدف إلى جعل منظومة العلاقات الدولية أكثر تأثيراً وتنظيماً.
أما الحديث عن إمكانية استخدام القانون الدولي بتجرد، فقد أصبح يجعلنا أكثر إحباطاً لسبب وهو أن تاريخ الإنسان – قديماً وحديثاً – يُعتبر غير مشجع حول الالتزام بالقوانين والعهود الدولية؛ وبالتالي، بات من واجب كل فرد من المنظومة الدولية ووفقاً لما هو متاح، أن يرتكز بعمله ونشاطه الدولي على قاعدة معنوية كونية وأخلاقية عامة تستند على الصدق وحسن النوايا والالتزام الكامل بالعهود والمواثيق الدولية، واحترام الإنسان.
أما الصراعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وتفاقم الأزمات حول العالم، فلا حل لها إلا من خلال العودة إلى النصوص الدينية في كل الديانات لتصويب هذا الوضع القائم لإنقاذ هذه الحضارة الإنسانية والأخلاقية، خاصة بعدما أصبح واضحاً بأن جميع القوى البشرية عاجزة عن إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلنا سواء انتشار واستخدام الأسلحة النووية أو الجرثومية وغيرها، وسقوط الضحايا، لا بد من إيجاد قانون ردعي شامل يحد من هذه الأنشطة لحياة كريمة.
مصدر الصورة: مدرسة هارفرد.
موضوع ذا صلة: ما مدى أهمية القواعد الدبلوماسية في العلاقات الدولية؟
مستشار قانوني – الكويت