خاص “سيتا”
يان فان زيبروك*
إن زعزعة الاستقرار في أفريقيا، او “الربيع الافريقي”، ستتم بنفس الطريقة التي تم بها “الربيع العربي” حيث سنشهد الظواهر التالية؛ زعزعة الاستقرار في أفريقيا من خلال شبكات معينة يتم نسجها على شكل هرمي، حيث ستتبع هذه الشبكات في عملها، وللتواصل مع بعضها بعضاً، على الحاسوب والإنترنت، مما سيعطي هؤلاء “المرتزقة” وسيلة للتواصل في مختلف بلدان.
1. المعارضة “الزائفة”
ندوتان سيتم خلالهما اعداد وتدريب “أعضاء المعارضة الزائفة” من المجتمعات المدنية، بحيث ستنظم الندوة الاولى في جزيرة غوريه السنغالية، اما الندوة الثانية فستعقد في مدينة اكرا الغانية. هاتان الندوتان ستكونان اساساً للحديث عن الحكم الرشيد، وحقوق الإنسان، والانتقال الديمقراطي، وما إلى ذلك. وستنظم كلتا الحلقتين مؤسسة “فريدريك إيبرت ستيفتنغ”، احدى المنظمات الالمانية غير الحكومية، ومؤسسة روبرت شومان الأوروبية.
بالتزامن مع هاتين الندوتين، سيتم تحريك الشارع عبر مجموعات من الشباب من اجل خلق احداث دموية يتحججون من خلالها بقمع رجال الشرطة لهم، بينما تقوم المجموعات المتظاهرة نفسها بإستخدام الاسلحة ضد قوات الامن، كما سبق وحدث في ليبيا وسوريا ومصر واوكرانيا وفنزويلا. وما هو متوقع ايضاً، ان تقوم تلك المجموعات نفسها بقتل بعضة اشخاص ينتمون اليها، اضافة الى بعض رجال الامن، من اجل تحريك الرأي العام.
في هذا الخصوص، يمككنا الاشارة هنا الى مدرسة أوتبور/كانفاس ذات الأصل الصربي. هذه المنظمة الحاضرة في العديد من البلدان لتعليم الشبان والإشراف عليهم ولقد تواجدت في العديد من الدول بخاصة مصر، وليبيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، بحيث تكمن مهمتها اعداد خلايا من الشباب للقيام بإحتجاجات مناهضة للنظام الحاكم المعادي للغرب.
بعد قيام المظاهرات، ستتولى القيادة مجموعة من المعارضة “النائية” او “البعيدة” حيث سيسقط عدد من المدنيين خلال الاشتباك مع الشرطة. في هذا الوقت، ستقوم العديد من المنظمات غير الحكومية (NGO’s) بإصدار التقارير الزائفة عن انتهاكات لحقوق الانسان خلال المظاهرات، بحيث ستقوم “عصابات” مدربة بإستهداف قوات الامن الامر الذي يجعل الاخيرة ترد بالقوة النارية. وقد تستخدم تلك العصابات عدداً من القناصة كما حدث في اوكرانيا، من اجل خلق ثورات “ملونة” جديدة، وهو ما حدث في تشاد وغينيا الجديدة.
تعتبر أية فرصة من هذا النوع جيدة من اجل استيلاء أعضاء المجتمع المدني على الوضع، فضلاً عن المجموعة الاكثر خطورة المتمثلة في المعارضة الوطنية التي ستدفع بالمرتزقة الى القيام بأعمال دموية. في الغابون، على سبيل المثال، خلال إعادة انتخاب علي بونغو، قام منافسه جان بينغ بمساعدة من الولايات المتحدة وفرنسا، بالدعوة الى أعمال شغب وفوضى، مما ادى إلى حرق البرلمان في ليبرفيل من خلال مليشيات منظمة.
اما بوروندي، فقد تم استهدافها، بعدما فشلت الشارع في تحقيق اي انجاز يذكر، من قبل عدد من المجموعات الارهابية التي ارسلت من رواندا بهدف اذكاء الصراع بين قبيلتي الهوتو والتوتسي، مع العلم أن الرئيس بيير نكورونزيزا لديه في فريق عمل يضم عدداً كبيراً من الهوتو والتوتسي. وقد يمكن السبب في ان بوروندي لها اكتفاء ذاتي من الغذاء وتستطيع ان تكفي سكانها منه، مما يجعل قرارها مستقل وغير مهيئة للخضوع للاملاءات خارجية.
وتجدر الاشارة الى ان الكونغو الديمقراطية، التي تتواجد فيها خمس تشكيلات ارهابية، أُجبرت، من قبل الامم المتحدة، بشخص الرئيس كابيلا على قبول تلك المجموعات، ومنها ميليشيات الهوتو الرواندية، وميليشيا جنوب السودان، والميليشيا التى تسمى جيش الرب المقاوم الذي هزم من قبل الجيش الأوغندي. لقد ارغمت الأمم المتحدة جمهورية الكونغو الديمقراطية على فتح ممر إنساني لهؤلاء الإرهابيين. وما تجدر الاشارة اليه هنا ان بوروندي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، هي واحدة من الأهداف الحقيقية للأميركيين، فموقهما الجيو-سياسي يعتبر محوراً اساسياً، واذا ما تساقطا فستتداعى بعدهما الدول الافريقية واحدة تلو الاخرى كأحجار الدومينو. هذا الحدث، يسجعل من الولايات المتحدة قوة استعمارية جديدة. للعلم، ان سقوط جمهورية الكونغو الديمقراطية، تحديداً، سيعطي واشنطن نفوذاً يمتد من منطقة البحيرات الكبرى إلى المحيط الأطلسي.
2. المنظمات غير الحكومية
كثيراً ما يستخدم جمعيات “المدافعون عن حقوق الإنسان” الشارع، على جميع المستويات، من اجل تحقيق مآربها. من الجدير ذكره هنا انه لا توجد معلومات دقيقة حول مصادر تمويلهم بالرغم من ان لكل منظمة اهدافها الخاصة والمختلفة عن غيرها. اما ابرز هذا المنظمات فهي؛ منظمة العفو الدولية، والشفافية الدولية، وهيومان رايتس ووتش، والأزمات الدولية. هذه المنطمات تقوم بنشر تقارير ووثائق عن الدول المناهضة للسياسة الاميركية، ولهذه المنظمات نفوذ كبير داخل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وكذلك حلف الناتو. فالاطار العام لعملها يتركز على البلدان التي سيتم استهدافها من خلال اعداد تقارير وملفات تمثل اقتراحات لصنَّاع القرار لفرض العقوبات او حتى شن الحرب. غالباً ما تتبع هذه التقارير المنطق نفسه، لا سيما لجهة انتهاك حقوق الإنسان، والفساد، كي تخلص الى نتائج وحلول داخل البلدان المذكورة ثم تأتي الحلول الموصى بها، واهمها “عملية الانتقال”. وهذا ما حدث مع الرئيس السوري بشار الاسد عندما حاولوا التركيز على مدى شرعيته، والبحث عن حكومة منتخبة بطريقة شرعية تعترف بها الامم المتحدة وتكون موالية للغرب. اما المثال الناجح على ذلك، فكان في ليبيا حيث ساهم جوليان أسانج، صاحب موقع ويكيليكس، عبر وثائقه المزورة لجهة ثروات القذافي، بالاضافة الى تلك التي اعدتها المنظمات غير الحكومية والتي سمحت لحلف الناتو بتدمير ليبيا الرائدة، وهو الامر الذي زاد من اعداد اللاجئين الى أوروبا، ناهيك عن المجازر بحق المدنيين، وعمليات الرق.
أما منظمة العفو الدولية، التي كانت على رأسها مستشار الامن القومي الاميركي الراحل زبيغنيو بريجينسكي واحد صقور الادارة سوزان نوسل التي اصبحت مديرة تنفيذية لمنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2011، فقد استخدمت في تقاريرها شهادات اناس مجهولين، وأسماء مستعارة، وشهادات عبر سكايب. وما يمكن ملاحظته أن مصدر هذه الشهادات غير معلن حيث تستجوب الأشخاص بطريقة الاخفاء، كما حدث في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أو المحكمة الجنائية الدولية، مما يجعلهم غير موثوقين.
احد ابرز الامثلة على ذلك، بعد الانتخابات التي فاز بها ساسو نغيسو في الكونغو، أطلقت حركة إرهابية أطلقت في برازافيل، التي شهدت يوماً دامياً، 5 ابرايل/نيسان، حيث اندلعت اعمال العنف. حينها، اصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً اتهمت فيه قوات النظام بإطلاق النار على المحتجين، وقيام المروحيات العسكرية بقصف المدارس، ولكن تقرير منظمة العفو الدولية استبعد بعد الجولات الميدانية التي قامت بها منظمة “كاريتاس” والتي افادت بأن الاوضاع مغايرة للتقرير وان المباني التي ادعي قصفها سليمة تماماً. فلقد استندت منظمة العفو الدولية في تقريرها الى القس باستور نتومي الذي يدير مجموعة النينجا سولو الارهابية.
3. الجهات الراعية
يعتبر الملياردير الاميركي جورج سوروس احد اهم الممولين لهذه الحركات، حيث اعتبرته بعض وسائل الاعلام بأنه واحد من مجموعة عالمية تهدف الى زعزعة الاستقرار في جنوب افريقيا، بالتحديد. بالعودة الى ماضي قريب، عندما اطلق الرئيس الاميركي الراحل رونالد ريغان “العرض القانوني لوكالة المخابرات المركزية” مع العديد من المنظمات الاخرى كالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمعهد الديمقراطي الوطني صاحب الصلة بالحزب الديمقراطي، حاول سوروس اقناع، الرئيس الجنوب افريقي الراحل، نيلسون مانديلا القبول بحكم الجنرالات والصناعيين مقابل ايقاف الثورة التي كان يقوم بها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لالغاء سياسة الفصل العنصري من اجل الابقاء على مصالحه ومصالح بلاده فيها.
اضافة الى ما سبق، كان سوروي وراء “تدمير” الجنيه الاسترليني العام 1992، وايضاً وراء “تدمير” العملة التايلاندية ضمن ما عرف بـ “ازمة النمور الآسيوية” التي ضربت تايلاند وجوارها. ومن الجدير ذكره هنا، ان ثروة سوروس تقدربـ 34 مليار دولار، بينما الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب تقدر ثروته بـ 3.7 مليار بحيث يصبح الاخير “فقيراً” مقارنة بسوروس.
وفي مثال واضح عن تمويل هذه المنظمات، تلقت مجموعة الأزمات الدولية، المرتبطة مباشرة بحلف شمال الاطلسي، مبلغاً وقدره 20.3 مليون دولار في عام 2012، 49٪ منها جاءت من الدول الأوروبية، و31٪ من التكتلات الكبيرة مثل شل وشيفرون. ان كل هذه المنظمات، تعود الى جهة واحدة.
هؤلاء الراعيون من الحكومات الأمريكية، سواء كانوا أحزاب ديمقراطية أم جمهورية، هم من المدرسة ذاتها، اضافة الى معاهد ومراكز الدراسات وابرزها معهد ستراتفور الذي يدرس بدقة مسألة “القرن الأمريكي الجديد” والنفوذ الاميركي في الشرق.
ولكن هل سيطبق ما هو مخطط له؟ ليست متأكداً من ذلك.
*خبير الشؤون الافريقية في مركز “سيتا”
المصادر:
http://www.silviacattori.net/spip.php?article5348
https://en.wikipedia.org/wiki/Suzanne_Nossel
http://www.voxeurop.eu/en/content/article/523241-revolution-came-serbia
http://lavoixdelalibye.com/2017/10/13/destabilisation-du-congo-brazzaville-i-les-faits-les-hommes-les-reseaux-derriere-la-revolution-de-couleur-rampante-a-brazzaville/
https://fr.wikipedia.org/wiki/Insurrection_de_l%27Arm%C3%A9e_de_R%C3%A9sistance_du_Seigneur
http://www.rfi.fr/afrique/20160914-congo-brazzaville-regain-tension-region-pool
http://www.camer.be/50910/6:1/congo-pasteur-ntumi-sassou-a-rearme-les-rebelles-ninja-.html
http://www.jeuneafrique.com/mag/453168/politique/bien-mal-acquis-entretien-simon-mann/
https://www.crisisgroup.org/
https://www.fes.de/
http://www.institut-robert-schuman.eu/
https://www.stratfor.com/
http://africanagenda.net/george-soros-style-destabilization-of-south-africa/
مصدر الصور: نون بوست – ahdath.info – اليونسكو