ناجي ملاعب*
القسم الثاني: الإهتمام العربي بالبحث العلمي
بينما تزداد مخصصات البحث العلمي في الدول المتقدمة عامًا بعد آخر، إذ تتضاعف كل ثلاث سنوات تقريبًا، وتتجاوز نسبة مخصصات البحث العلمي في بعض الدول المتقدمة 4٪ من إجمالي الناتج القومي، يتخلف البحث العلمي في الدول العربية عامًا بعد عام، رغم زيادة معدل الإنفاق العربي على البحث العلمي في الفترة من عام 1970، وحتى عام 2005م، لكن هذا التقدم الضئيل لا تأثير له على الفجوة الكبيرة بين الأقطار العربية في هذا المجال مقارنة بالوضع العالمي المتسارع. ومما لا شك فيه أن الدول العربية البترولية بدأت في بذل لجهد والإنكباب على البحث العلمي وتشجيعه وسوف نطرق تجربة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قط الى جانب ما يختزنه لبنان من مسيرة واعدة في انشاء مراكز أبحاث رسمية الى جانب البحوث التي تعنى بها الجامعات اللبنانية العريقة.
أولاً: إهتمام حكومي مقبول ودور ضئيل للقطاع الخاص
في العديد من الدول العربية يتم الجزء الأكبر من الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير من خلال القطاع الحكومي، يليه قطاع التعليم العالي، بينما يضطلع القطاع الخاص بدور ضئيل أو لا يؤدي أي دور في المشاريع البحثية. ففي مصر، على سبيل المثال، تقدر أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية بأن القطاع الخاص ساهم بحوالي 5 % فقط من حجم الإنفاق على البحوث في مصر.
وتعتبر دولة الكويت أحد النماذج المشرفة في مجال البحث العلمي، حيث تقوم بفرض نسبة معينة من أرباح الشركات لدعم “مؤسسة الكويت للأبحاث العلمية” تقدم كمعونة من القطاع الخاص، وكمورد إضافي لحركة البحث العلمي في جامعاتها ومراكزها البحثية. وتُمثّل دول الأردن والمغرب وعُمان وقطر وتونس والإمارات العربية المتحدة استثناء من هذه القاعدة. حيث يضطلع القطاع الخاص بثلث حجم الإنفاق على البحث والتطوير في الأردن، ونسبة 30 % في المغرب (في 2010)، ونسبة 29 % في الإمارات العربية المتحدة (في 2011،) ونسبة 26 % في قطر (في 2012) ونسبة 24 % في عمان (في 2011). ويقترب الرقم إلى نسبة 20 % في تونس، طبقاً لمعهد اليونسكو لإلحصاء. كما تقوم المشروعات الربحية بتمويل %24 من الإنفاق على البحث والتطوير في قطر، ونسبة %20 في تونس.(1)
بالنظر إلى تواضع الدور الذي يؤديه القطاع الخاص في العالم العربي، ليس هناك وجه استغراب في انخفاض نسبة المنتجات عالية التقنية من بين الصادرات الصناعية، ولا سيما في دول الخليج. وتحتل المغرب موقع الصدارة في المنطقة من حيث الصادرات عالية التقنية، وتحتل المركز الثاني بعد مصر بالنسبة لعدد براءات الاختراع. ومن المثير للاهتمام أن اثنين من الاقتصادات المعتمدة على البترول حققا أعلى نسبة للمنشورات العلمية لكل مليون مواطن في العام 2014.
فإلى جانب مصر، فإن مخرجاتهم نمت بصورة أسرع مما حققته أي دولة أخرى خلال السنوات الأخيرة. كما أن قطر والمملكة العربية السعودية حققتا أعلى نسبة اقتباس عن منشوراتهما وثلثا الأبحاث التي نشرها علماء في العالم العربي في الفترة ما بين 2008 و2014 كانت بالشراكة مع شركاء دوليين. وتعد مصر والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية أقرب المتعاونين، ولكن العلماء الصينيين أصبحوا أيضاً شركاء رئيسيين للعراق وقطر والمملكة العربية السعودية. ومن الجدير بالملاحظة أن مختارات تومسون رويترز Reuters Thomson لأكثر الباحثين المقتبس عنهم لم تشمل سوى ثلاثة فقط من العلماء العرب ممن يعود ارتباطهم لعام 2014 الأول “الجامعات في العالم العربي”(2)
ثانياً: الإهتمام الحكومي في دول عربية رائدة
- المملكة العربية السعودية
لقد اقترحت خطة التنمية الخمسية لعام 2010 تخصيص مبلغ 240 مليون دولار أمريكي للمنح البحثية كل عام، جنباً إلى جنب مع خلق عدد من مراكز البحوث وحاضنات التكنولوجيا بجامعات مختلفة. وطبقاً للتصنيف الأكاديمي لجامعات العالم لعام 2014، فإن كلاً من جامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك سعود جاءتا من بين أفضل 500 جامعة على مستوى العالم. وقد نجحت الأولى في اجتذاب أكثر من 150 من أكثر الباحثين المقتبس عن أبحاثهم من أنحاء العالم كأساتذة، ونجحت الأخرى في اجتذاب 15 منهم. ومن المتوقع من الأعضاء الدوليين لهيئة التدريس القيام بإجراء البحوث في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع أعضاء هيئة التدريس السعوديين.
وقد ساعدت هذه السياسة كلتا الجامعتين على التقدم في التصنيف الدولي، كما زادت من مُخرجات البحوث بصورة عامة، وأسهمت في بناء قدرات محلية في البحث والتطوير. وتقوم مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا – KACST بلعب دور الوكالة الوطنية للعلوم، وكذلك تعمل كنقطة مركزية للمعامل الوطنية. فالمدينة تشارك في صنع السياسات وتجميع البيانات وتمويل البحوث الخارجية. كما أنها تعمل كمكتب وطني لبراءات الاختراع.
وإدارة التخطيط بمدينة الملك عبد العزيز مسؤولة عن تطوير قواعد البيانات الوطنية الخاصة بمؤشرات العلوم والتكنولوجيا والابتكار. كما تقوم المدينة بإجراء بحوث تطبيقية في عدد كبير من المجالات المتنوعة، بما في ذلك البتروكيماويات، وتكنولوجيا النانو، وعلوم الفضاء والطيران، والمواد المتقدمة، والرياضيات، والصحة، والزراعة، وتقنيات البناء. كما أنها تعمل كحاضنة تكنولوجية من خلال تقوية الروابط بين الجامعات البحثية وبين القطاعين العام والخاص لتشجيع الابتكار ونقل وتطبيق التكنولوجيا ذات الاحتمالات التجارية.(3)
- الإمارات العربية المتحدة
تم إطلاق الهيئة الوطنية للبحث العلمي في مارس/آذار العام 2008 بواسطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ويمكن للباحثين أفراداً أو كمجموعات بحثية من الجامعات والمعاهد البحثية العامة والخاصة والشركات أن تتقدم بطلبات تنافسية للحصول على منح. وللحصول على الموافقة، يجب أن تتخطى المقترحات لجنة دولية من المحكمين، وتثبت أنها تحقق فوائد اجتماعية واقتصادية. وجامعة الإمارات العربية المتحدة هي المصدر الرئيسي للبحوث العلمية في البلاد. فمن خلال مراكزها البحثية ساهمت بصورة كبيرة في تنمية الثروات المائية والبترولية والطاقة الشمسية والطاقة المتجددة والعلوم الطبية في البلاد.
ومنذ العام 2010، قامت الجامعة بتقديم 55 طلب براءة اختراع على الأقل. ومنذ يونيو/حزيران العام 2014، تم منح حوالي 20 براءة اختراع للجامعة. وقامت جامعة الإمارات العربية المتحدة بتكوين شراكات بحثية قوية في مجالات مثل البترول والغاز والمياه والرعاية الصحية والإنتاجية الزراعية والحماية البيئية والأمان المروري وإعادة تأهيل الأبنية الخرسانية. وتشمل مركز زايد بن سلطان آل نهيان للعلوم الصحية، المركز القومي للمياه، مركز بحوث النقل البري والأمان المروري، مركز السياسة العام والقيادة، مركز خليفة للهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية، ومركز بحوث الطاقة والبيئة. كما أنها أسست شبكة بحوث نشطة من الشركاء في دول منها: أستراليا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، جمهورية كوريا، عمان، قطر، سنغافورة، السودان، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
وتتبوأ تونس والمملكة العربية السعودية حالياً موقع الصدارة في العالم العربي في مجال الإلكترونيات. وتقوم الإمارات العربية المتحدة بالاستثمار بصورة مكثفة في تقنيات الفضاء. وفي مجال الطاقة المتجددة، تحتل المغرب موقع الصدارة في الطاقة المائية.. كما أن الجزائر والأردن والمغرب وتونس تُطوّر الطاقة الشمسية. وتمتلك مصر والمغرب وتونس خبرة في مجال طاقة الرياح يمكن أن تنتفع بها الدول الأخرى الراغبة في الاستثمار في هذا المجال، بما في ذلك دول الأردن وليبيا والمملكة العربية السعودية والسودان والإمارات العربية المتحدة. وتعتبر المغرب والسودان في الوقت الحالي هما المستخدمان الأساسيان للكتلة الحيوية – biomass.
- مصر ما بعد الثورة
تحت عنوان “الحمية الثورية” فاضت إلى البحث العلمي تَعتبر وثائق سياسات البحث العلمي الحالية في مصر العلوم والتكنولوجيا مجالاً حيوياً لمستقبل البلاد. فالدستور الذي تم تبنيه في العام 2014، يفوّض الدولة بتخصيص 1% من الناتج المحلي الإجمالي لأغراض البحث والتطوير، وينص على أن تضمن الدولة حرية البحث العلمي وتشجع مؤسساته كوسيلة نحو تحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة الذي يدعم الباحثين والمخترعين.(4)
ولعقود كان البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر مركزياً بصورة كبيرة، وتحت سيطرة القطاع العام. فأنشطة البحث والتطوير كان أغلبها يتم من خلال جامعات ومراكز بحثية تديرها الدولة من خلال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والتي انقسمت إلى وزارة التعليم العالي ووزارة البحث العلمي في العام 2014. أما مراكز البحوث المصرية فكانت متفرقة بين وزارات مختلفة، ولكن يتم حالياً تنظيمها تحت مظلة المجلس الأعلى للمراكز والمعاهد البحثية بهدف تحسين التنسيق فيما بينها.
وقد أوصى تقرير اليونسكو للعلوم لعام 2010 بأن تقوم الدول العربية بإنشاء مراصد قومية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار. فتم إطلاق المرصد المصري للعلوم والتكنولوجيا والابتكار في فبراير/شباط 2014 لتقديم النصح حول استراتيجيات صنع السياسات وتخصيص الموارد من خلال جمع البيانات وإعداد التقارير حول تطور قدرات البحث العلمي والتكنولوجيا الوطنية. والمرصد المصري تستضيفه أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية. وقد نُشرت أول مجموعة بيانات في العام 2014 ولم يقم المرصد بجمع بيانات عن مشاريع قطاع الأعمال، ولكن رغم ذلك أوضح زيادة في نسبة إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير من 43.0% إلى 68.0% من الناتج المحلي الإجمالي ما بين العامين 2009 و2013. وقد أقر المرصد أيضاً بوجود ما يعادل 22000 باحث يعمل وقتاً كاملاً في المؤسسات البحثية الحكومية، و26000 في الجامعات العامة. وأكثر بقليل من نصف جامعات مصر والبالغ عددها 42 جامعة هي مؤسسات عامة ويوجد بها ثلاثة أرباع المقيدين في الجامعات.
- قطر.. دولة حاضنة للتكنولوجيا
تدعو الرؤية الوطنية لقطر 2030 إلى إيجاد توازن أمثل بين الاقتصاد الحالي القائم على البترول وبين اقتصاد المعرفة الذي يتميز بالابتكار وريادة الأعمال، والتميز في التعليم، وتقديم خدمات عامة بكفاءة. ولدعم هذا التحول نحو اقتصاد المعرفة، فإن ميزانية الحكومة للتعليم حتى العام 2019 قد تم زيادتها بحوالي 15%.
حديقة قطر الجديدة هي الحاضنة الرئيسية للتكنولوجيا في البلاد. حددت استراتيجية قطر الوطنية للبحوث (2012) أربعة مجالات ذات أولوية وهي: الطاقة، البيئة، العلوم الصحية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وعندما قامت مؤسسة قطر بتأسيس واحة (حديقة) قطر للعلوم والتكنولوجيا ركزت على تلك المجالات الأربعة. وقد أصبحت الواحة حاضنة قطر الرئيسية للتنمية التكنولوجية، ولتسويق البحوث ودعم ريادة الأعمال. ومع وقوع الواحة داخل المدينة التعليمية لمؤسسة قطر، فلدى الواحة إمكانية الوصول إلى موارد مجموعة من الجامعات البحثية الرائدة التي لها هوائيات – antennae في الواحة، بما في ذلك خمس مؤسسات أمريكية: مدرسة الفنون بجامعة فيرجينيا Virginia Commonwealth University School of the Arts وكلية ويل، كورنل، للطب College Medical Cornell Weill ، وجامعة تكساس Texas A&M University بقطر جامعة ميلون كارنيجي Carnegie Mellon ، وجامعة جورج تاون University Georgetown
- لبنان والإهتمام الرسمي بالبحث العلمي
على الرغم من وجود أكثر من 50 جامعة خاصة وجامعة أهلية واحدة في لبنان، فإن أغلب البحوث العلمية تقوم بها ثلاث مؤسسات فقط الجامعة اللبنانية، وجامعة القديس يوسف، والجامعة الأمريكية في بيروت.(5) وأحياناً تتعاون هذه المؤسسات مع إحدى المؤسسات البحثية الأربعة التي يديرها المجلس الوطني للبحوث العلمية – CNRS (المنشأ في العام 1962) و/أو مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية. ويحتسب لبنان عدداً من المنظمات غير الحكومية كمنظمات نشطة في البحث العلمي، منها الأكاديمية العربية للعلوم (المنشأة العام 2002) والجمعية اللبنانية لتقدم العلوم (المنشأة في العام 1968) كما تأسست الأكاديمية اللبنانية للعلوم بواسطة مرسوم حكومي في العام 2007. وحيث أنه لا توجد وزارة مسؤولة عن رسم السياسات القومية للعلوم والتكنولوجيا يعتبر المظلة الرئيسية للعلوم ومستشار الحكومة في هذا المجال، فإن المجلس الوطني للبحوث العلمية تحت سلطة رئيس الوزراء. ويؤدي المجلس وظيفة استشارية للحكومة حيث يرسم الإطار العام للسياسة القومية اللبنانية للعلوم، كما أنه يقوم على مباشرة وتشجيع وتنسيق المشروعات البحثية. ويدير المجلس أيضاً المركز الوطني للجيوفيزياء، والمركز الوطني لعلوم البحار، والمركز الوطني للاستشعار عن بُعد، والهيئة اللبنانية للطاقة الذرية.
في العام 2006، قام المجلس بالانتهاء من إعداد مسودة السياسة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار بدعم من اليونسكو والاسكوا.(6) وقد استحدثت تلك السياسة آليات تمويل جديدة للبحوث، وشجعت العمل المشترك على عدد من الموضوعات المهمة متداخلة المجالات. كما استحدثت برامج جديدة لدعم الابتكار وبناء القدرات، وبرامج مشتركة لرسائل الدكتوراه، وأسست قواعد المشاركة اللبنانية في المشاريع الرئيسية الأورو – متوسطية.
قام المجلس بتضمين أولويات أنشطة البحث والتطوير في برامج منح البحوث لديه وبالإضافة إلى ذلك، وفي إطار متابعة سياسة العلوم والتكنولوجيا والابتكار، قام المجلس بالعمل على إنشاء المرصد اللبناني للبحوث والتطوير والابتكار – LORDI (في العام 2014) لمدخلات ومُخرجات أنشطة البحث والتطوير بدعم من الاسكوا بهدف متابعة المؤشرات الرئيسية. ويشارك لبنان في كيان يربط بين مراصد منطقة البحر المتوسط للعلوم والتكنولوجيا والابتكار. وهذا الكيان التعاوني قام بإنشائه بوابة البحر المتوسط للعلوم والسياسة والبحوث والابتكار (مشروع منتصف الربيع) في إطار البرنامج الإطاري السابع للاتحاد الأوروبي للبحوث والإبتكار 2007 – 2013.
وقام مجلس الوزراء اللبناني بتبني خطة العمل القومية لكفاءة الطاقة للأعوام 2011 – 2015. حيث قام بتطوير هذه الخطة المركز اللبناني لحفظ الطاقة، وهو بمثابة الذراع الفنية لوزارة الطاقة والمياه في مجالات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة والمباني الخضراء.
وهذه أول استراتيجية شاملة لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة لبلد يعتمد على الاستيراد للحصول على 95 % من احتياجاته من الطاقة. والخطة هي بمثابة النسخة اللبنانية من الدليل الإرشادي العربي لكفاءة الطاقة، والتي قامت الجامعة العربية بتطويرها. وتضم الخطة 14 مبادرة قومية تم تصميمها لمساعدة لبنان على الوصول لهدفه، وهو12 % من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020.(7)
ثالثاً: البحث العلمي العربي وقائع.. مقارنة .. وحلول ممكنة
- بين الجهد العربي في البحث العلمي وضخامة الإنتاج الإسرائيلي هل تجوز المقارنة؟
بما لا يدع مجالا للشك، التفوق الاسرائيلي في المجال العلمي والتكنولوجي واضح وجلي على جميع الدول العربية، فقد حظيت الجامعات الاسرائيلية بمراكز متقدمة على المستوى العالمي حسب التصنيفات الدولية، وخاصة الجامعة العبرية التي احتلت المركز 64 على مستوى العالم، وان هنالك تسعة علماء اسرائيليين حازوا على جوائز نوبل، بينما حاز العرب على 6 جوائز، ثلاثة منها بدوافع سياسية، ومنهم العالم المصري أحمد زويل الذي نال الجائزة على ابحاثه التي أجراها في الجامعات الامريكية.
وتنفق اسرائيل ما مقداره 4.7% من انتاجها القومي على البحث العلمي، وهذا يمثل أعلى نسبة إنفاق في العالم، بينما تنفق الدول العربية ما مقداره 0.2% من دخلها القومي والدول العربية في آسيا تنفق فقط 0.1% من دخلها القومي على البحث العلمي.
ويشير الدكتور الفلسطيني خالد ربايعة الى أن المؤشر الاكثر تباينا بين العرب واسرائيل، يعود لبراءات الاختراع، فقد سجلت اسرائيل ما مقداره 16805 براءة اختراع، بينما سجل العرب مجتمعين حوالي 836 براءة اختراع في كل تاريخ حياتهم، وهو يمثل 5% من عدد براءات الاختراع المسجلة في اسرائيل. وتفيد تقارير اليونسكو كذلك ان عدد براءات الاختراع التي سجلت في اسرائيل في العام 2008 والتي تبلغ 1166 تفوق ما انتجه العرب بتاريخ حياتهم وهو 836 براءة اختراع.
اما بالنسبة للنشر الابحاث العلمية في المجلات المحكمة فقد نشر الباحثون الاسرائيليون 138,881 بحثاً محكماً، ونشر العرب حوالي 140,000 بحث محكم. على الرغم من أن عدد الابحاث متقارب، الا ان جودة ونوعية الابحاث الاسرائيلية أعلى بكثير من الابحاث العربية.(8)
- أسباب ودواعي ضعف البحث العلمي العربي
أن أحد أهم الأسباب المؤدية إلى انخفاض معدل إنتاجية البحث العلمي في الوطن العربي مقارنة بالواقع العالمي، يرجع إلى عدم وجود استراتيجية واضحة للبحث العلمي، ونقص التمويل الذي تنفق نسبة كبيرة منه على الأجور والمرتبات والمكافآت والبدلات وغيرها، وعدم تخصيص ميزانية مستقلة ومشجعة للبحوث العلمية، إضافة إلى أن الحصول على منحة بحثية يستغرق إجراءات طويلة ومعقدة مع قلة في الجهات المانحة.
فضلاُ عن افتقار أغلب المؤسسات العلمية والجامعات العربية إلى أجهزة متخصصة بتسويق الأبحاث ونتائجها وفق خطة اقتصادية إلى الجهات المستفيدة مما يدل على ضعف التنسيق بين مراكز البحوث والقطاع الخاص. كذلك غياب المؤسسات الاستشارية المختصة بتوظيف نتائج البحث العلمي وتمويله من أجل تحويل تلك النتائج إلى مشروعات اقتصادية مربحة. إضافة إلى ضعف القطاعات الاقتصادية المنتجة واعتمادها على شراء المعرفة.
من ناحية أخرى فان مراكز البحوث والجامعات العربية تعاني من مشكلات عديدة من بينها انشغال عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس في العمل الإضافي، وقلة عدد الباحثين والمختصين، وندرة تكوين فرق بحثية متكاملة، فالبحوث التي تجري بين جدرانها من جانب أساتذتها إنما هي بحوث فردية لأساتذة يحاولون الإنتاج العلمي بغية الترقي، أو النشر، وهي بحوث أضعف من أن تحل مشكلات المجتمع أو تعمل على تقدمه.
كما تعاني المراكز البحثية من الإنفصال شبه الكامل بينها وبين المجالات التطبيقية خارج أسوارها أو معاملها، وكذا انفصام الصلة بين الجامعات وحقل الإنتاج، وابتعاد الجامعات عن إجراء البحوث المساهمة في حل المشكلات الوطنية، إضافة إلى عدم مشاركة المؤسسات الكبرى والشركات والأثرياء من الأفراد في نفقات البحث العلمي.
إضافة إلى عدم وجود حرية أكاديمية كافية كتلك التي يتمتع به البحث العلمي عند الغرب، والبيروقراطية والمشكلات الإدارية والتنظيمية، والفساد المالي والإداري في مؤسسات البحث العلمي الحكومية، إلى جانب تأخر عملية نقل المعلومة التقنية من الدول المتقدمة إلى الدول العربية، وبقاء كثير من مراكز البحوث العربية تحت قيادات قديمة مترهلة، غير مدركة لأبعاد التقدم العالمي في ميادين البحث العلمي لا سيما في العلوم التكنولوجية والفيزيقية، وإهمال التدريب المستمر للباحثين، بل وصل حال كثير من مؤسسات البحث العلمي إلى تهميش الكوادر البحثية التي لا تتفق وسياسية السلطة أو إمكاناتها، ومن ثم يتم تهجير – أو هجرة – هذه العقول العربية في مختلف التخصصات واستقرارهم في الدول الغربية، لتجد هذه العقول البيئة العلمية المناسبة لها، والمعززة لمواهبها، والداعمة لأفكارها الابتكارية.
كما تؤشر المعطيات على أهمية الحرية الأكاديمية والبحث العلمي، باعتبار أن كل ما ضاقت الحريات العامة، وتقلصت الممارسات الديمقراطية، وكثرت تدخلات الدولة في شؤون وقضايا الجامعة مما يجعلها الجامعة بالتالي تبتعد عن المشاركة في الشأن العام، وكلما ضاقت الحرية الأكاديمية وتقلص فعلها، ضاق معها البحث العلمي وتقلص مردوده وابتعد عن مهامه ورسالته. فالحقيقة الموضوعية تؤكد إنه ما من سبب في تعثر الأبحاث العلمية وتراجعها المستمر في الوطن العربي سوى غياب التخطيط وضئالة الإمكانات. ولا أغفل هنا الإشارة إلى أن أبجدية البحث العلمي تبدأ من المدارس الابتدائية، وأن إصلاح التعليم العام، وتدريب التلاميذ من نعومة أظفارهم على رؤية ما حولهم بعيون وعقول واعية قادرة على التقاط الأشياء والحكم عليها، أو التعامل معها بفهم، يقتضي وقتاً أطول وإعداداً سليماً لجيش من المدرسين المؤهلين الذين سيوكل إليهم أمر إعداد علماء المستقبل، وما تحتاج إليه الأوطان من خطط وبرامج قابلة للتنفيذ وقادرة على العبور بهذه الأوطان من وضعها الراهن إلى المستقبل والنهضة العلمية المنشودة.
- رؤية منظمة الأونيسكو المستقبلية
يخلص تقرير منظمة الأونيسكو للعلوم للعام 2015 والذي يصدر كل خمس سنوات الى وجود حاجة لجدول أعمال مترابط وتمويل مستدام تقترح الاستراتيجية العربية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار التي تبناها مجلس وزراء التعليم العالي والبحث العلمي في العالم العربي في العام 2014 أجندة طموحة. حيث تحث الدول على الانخراط في تعاون دولي أكبر في 14 من المجالات العلمية والقطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، بما في ذلك الطاقة النووية، علوم الفضاء والتكنولوجيات التحويلية مثل المعلوماتية الحيوية والتكنولوجيا الحيوية النانوية. وتنادي الاستراتيجية بمشاركة العلماء المغتربين وتحفيز العلماء على الانخراط في الوصول إلى العامة. كما تدعو إلى استثمار أكبر في التعليم العالي والتدريب لبناء كتلة حرجة من الخبراء والصمود أمام هجرة العقول.
إلا أن الاستراتيجية تتجنب بعض المسائل الجوهرية، بما في ذلك السؤال الحساس حول مَن سيتحمل الكلفة الثقيلة لتنفيذ الاستراتيجية؟ وكيف يمكن لدول مثقلة بالديون أن تساهم في هذه المنصة؟ وما هي الآليات التي يجب وضعها لمكافحة الفقر وتوفير مساواة أكبر في الوصول إلى المعرفة والثروة على المستوى القومي؟ ومن دون إجابات لتلك الاسئلة، مع حلول ابتكارية من خارج الصندوق، لن تستطيع أي استراتيجية أن تطوّع إمكانات المنطقة بصورة فعالة. وحتى تحلق الاستراتيجية، يحتاج المجتمع العلمي بالمنطقة لجدول أعمال مترابط يشتمل على حزمة من البرامج والمشاريع العلمية الموّجهة للبحث عن حلول تخدم احتياجات المنطقة بصورة واضحة، إلى جانب مصادر محددة بوضوح للتمويل.(9)
الخاتمة
عملت إسرائيل قبل نشأتها للحصول على قوة المعرفة قبل قوة السلاح، لعلمها أن امتلاك القوة العلمية سيحقق لها كل أنواع ومجالات القوة والسيطرة، وكان التقدم العلمي والمعرفي والتكنولوجي وبناء صرح المعلومات هو الركيزة الأساسية التي ساهمت في وصول إسرائيل إلى ما وصلت إليه من تقدم ورقي وقوة اقتصادية وعسكرية.
دخل العلم والبحث العلمي والتخطيط السليم كل مؤسسات الدولة مما انعكس على صحة وسلامة المخرجات المختلفة، ولا تجد صدور أي قرار من أدنى إلى أعلى مؤسسة في الدولة دون دراسة وبحث وتأني، وكان ذلك نتاج لثقافة علمية منتشرة في المجتمع الإسرائيلي منذ نشأته، حيث حرص مؤسسوا وقادة النظام السياسي على نشرها، وتأسيس المؤسسات والمراكز العلمية المتنوعة على اعتبار أن العلم قضية امن قومي.
تستعين الحكومات الإسرائيلية بمراكز البحث والدراسات وخزانات الفكر بكافة أنواعها، في ترشيد قراراتها وتطوير أداءها، حيث تعتبر الأبحاث والدراسات المعمقة من أهم الركائز التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو القرارات في إسرائيل في رسم وتخطيط سياستهم، واتخاذ قراراتهم، انطلاقاً من قناعتهم بأن دراسة القضايا والمعضلات السياسية هي المحور الأول في رسم وبناء الإستراتيجيات في كافة المجالات، لما تمثله المعرفة والعلم عند متخذي القرارات.
هذا التزاوج بين المعرفة والسياسة في دولة إسرائيل والذي نتج عنه دولة قوية ومتقدمة ما كان لولا اهتمام الساسة المؤسسون والحكومات المتعاقبة بالعلم واعتباره قضية امن قومي، قضية وجود أو لا وجود. ولا يمكن للأمة العربية أن تنهض دون السير على طريق العلم والاهتمام بالبحث العلمي، ولا يكون ذلك دون حدوث تغيرات جذرية في بنية النظام السياسي والتربوي في الدول العربية، ونشر ثقافة العلم والبحث العلمي.
في الخلاصة، إن البحث العلمي من أشق وأرقى النشاطات التي يمارسها العقل البشري على الإطلاق، وهو نوع من الجهاد المقدس، من أجل صناعة الحياة وتحقيق التطور والنهوض، وهذا الجهد المنظم لا يمكن أن يجري في فراغ، حيث ينبغي توفير الحرية والدعم والأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية، وخلق الحوافز المادية والمعنوية، التي تجعل من الإنتاج الفكري عملاً يستحق المعاناة والجهد المتواصل.. إذ بالإنتاج الفكري نكون أولا نكون!(10)
*عميد متقاعد، وعضو اللجنة العلمية لمجلة الدراسات الأمنية، وباحث في مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري – “إينغما”.
المراجع:
(1) UNESCO science report: towards 2030; 2015
https://en.unesco.org/sites/default/files/usr15_the_arab_states_ar.pdf
(2) وهؤلاء هم الأستاذ الدكتور/ععلي نايفة University of Jordan and Virginia Tech جامعة الأردن وفرجينيا للتكنولوجيا، والأستاذ الدكتور/ شاهر المومني – الجامعة الأردنية وجامعة الملك عبد العزيز في المملكة العربية السعودية، والأستاذ الدكتور/ سليم مسعودي – الجزائر، وهو عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المملكة العربية السعودية. على الرابط: .http://higlycited.com/archive_june.htm .
(3) الفصل 17- الصفحة 443 من تقرير الأونيسكو على الرابط:UNESCO science report: towards 2030; 2015
(4) على الرابط التالي:
https://stiiraqdev.wordpress.com/2014/03/15/sti-constitutions-arab-countries/ نقلاً عن تقرير الأنيسكو ص:
433https://en.unesco.org/sites/default/files/usr15_the_arab_states_ar.pdf
(5) على الرابط التالي:
http://portal.unesco.org/education/en/files/55535/11998897175Lebanon.pdf/ 13 .Lebanon.pdf
(6) يوجد لليونسكو مكتب في بيروت، والاسكوا يستضيفه لبنان.
(7) UNESCO science report: towards 2030; 2015
https://en.unesco.org/sites/default/files/usr15_the_arab_states_ar.pdf. Page 435 -436
(8) خالد سعيد ربايعة، موقع “دنيا الوطن”، 14/1/2010، على الرابط:
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2010/01/14/186180.html
(9) الصفحة 448 من الفصل 17 من تقرير الأونيسكو UNESCO science report: towards 2030; 2015، على الرابط:
https://en.unesco.org/sites/default/files/usr15_the_arab_states_ar.pdf
(10) نهال قاسم، شبكة الأخبار العربية، 10/5/2010، الرابط:
http://www.anntv.tv/new/showsubject.aspx?id=5693
المصدر: Future Concepts.
مصدر الصور: الجزيرة – الجمهورية اون لاين – جامعة قطر.