خاص سيتا

علوان أمين الدين*

قد يبدو العنوان مضخماً نوعاً ما كوننا نسمع عن الشركات “الأمنية”، غير أن المتفحِّص في عملها ودورها، يرى بأن عملها لا يقتصر على الأعمال الأمنية بل العسكرية بامتياز لا سيما وأنها، بالإضافة إلى عمليات الحراسة والأمن التي تقوم بها، تقوم بأعمال قتالية حقيقية، لا تقتصر فقط على الدفاعية منها بل الهجومية أيضاً.

أبان حربي افغانستان (2001) والعراق (2003)، سمع الكثيرون عن “بلاك ووتر”. هذه الشركة، التي تعاقدت معها الإدارة الأمريكية، تمتلك “آلاف من الجنود ينتشرون في تسع دول من بينها الولايات المتحدة، وأسطول خاص من المروحيات والمدفعية، ووحدة طائرات تجسس.”(1)

اتهمت هذه الشركة، تحديداً، في القيام بأعمال القتل والتعذيب، الأمر الذي استدعى الحكومة العراقية إلى إنهاء ترخيص عملها بعد تأكدها من أنها قتلت مواطنين عراقيين.(2)

 

فيما يخص روسيا، اعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن هذه الشركات تمثل “وسيلة لتحقيق المصالح الوطنية بدون المشاركة المباشرة من الدولة”، كما أكد نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري رازوجين، بأن فكرة دعم الشركات العسكرية الخاصة “فكرة تستحق النظر”.(3)

الدوما.. و”قوننة” الشركات العسكرية

في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلن فاليري غيراسيموف، رئيس الأركان العامة الروسية، اعتزام موسكو “سحب بعض قواتها من سوريا بنهاية العام نفسه، مع انخفاض توتر الاشتباكات المسلحة واتجاه المفاوضات نحو حل مشكلة الحرب. ولتجنب الخسائر أو تراجع الأمن، ستستعين روسيا بمصادر خارجية مثل الشركات العسكرية الخاصة، ذات القدرات التكتيكية الحربية التي تعادل الجيوش الحديثة.”(4)

من هنا، يناقش مجلس النواب الروسي “الدوما” مشروع قانون الشركات العسكرية الخاصة، حيث تشير المعلومات بأن القانون سيحدد “مهام الشركات العسكرية الخاصة وأنواع الخدمات التي تقدمها. وسيفرض القانون حظراً على تغيير حدود الدول والإطاحة بالحكومات الشرعية وممارسة العمل التخريبي وتصميم أسلحة الدمار الشامل وشرائها وتخزينها. كما سيقدم القانون ضمانات اجتماعية للمواطنين الروس الذين يعملون في تلك الشركات.”(5)  وفي هذا الخصوص، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على ضرورة ضمان حقوق أفراد هذه الشركات.(6)

أما عن أسلوب عملها، يقول ميخائيل يميليانوف، النائب الأول للجنة مجلس الدوما لشؤون بناء الدولة والتشريع، إن القانون سيسمح لهذه الشركات المشاركة في “العمليات المضادة للإرهاب خارج روسيا والدفاع عن سيادة الدول الحليفة من العدوان الخارجي، وكذلك حماية المنشآت المختلفة، بما فيها حقول النفط والغاز والسكك الحديدية”(7)  الأمر الذي يؤكد ما سبق وأوردناه بأن عمل هذه الشركات، عموماً، لا يقف عند حدود الحماية بل يتعداها إلى أعمال عسكرية هجومية، إذا لزم الأمر.

من هنا، يقول يفغيني بيرسينيف، رئيس تحرير موقع “تشي.في.كا إنفو” المتخصص في شؤون الشركات العسكرية الخاصة، إن “مشروع القانون هذا هام جداً، وازدادت النقاشات حوله بعد تصريحات لافروف. إلا أن كل المبادرات السابقة من هذا النوع فشلت بسبب وجود قطاعات رافضة لتشريع عمل الشركات العسكرية حتى داخل كتلة حزب روسيا الموحدة الحاكم، ناهيك عن مواقف اللجان المعنية في البرلمان والتي يترأسها مسؤولون سابقون في وزارة الدفاع.”(8)

في المقابل، يرى العديد من الخبراء بأن هذا القانون يتعارض مع نص المادة 359 من القانون الجنائي الروسي التي “تحظر تجنيد المرتزقة ومشاركتهم في النزاعات المسلحة”(9) ، إضافة إلى أن البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، والملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 في الفقرة 1 من المادة 47، ينص على أنه “لا يحق للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب”(10) ، إلا أن ذلك لا يمنعهم من الاستفادة من نص المادة 75 من البروتوكول نفسه لجهة شمولهم بحماية “الضمانات الأساسية” مثل المعاملة الإنسانية والحق في الحماية من القتل والتعذيب.(11)

هل تستخدم روسيا المرتزقة فعلاً؟

حتى الآن، لا توجد تصريحات رسمية تشير إلى قيام موسكو باستخدام عناصر من شركات عسكرية خاصة، إلا أن بعض المراقبين يرون بأن روسيا قد قامت فعلاً بذلك مشيرين إلى استخدامها “الفيلق السلافي” في سوريا، والذي أرسلته مجموعة “توران” الأمنية وهي شركة أنشأها أعضاء سابقون في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، والتي تقع مهمته في توفير خيارات دفاعية وقائية لحماية الأصول الاقتصادية الحرجة(12)، وهي تضم عناصر معظمهم من آسيا الوسطى، يمكن التعرف عليهم من خلال العلم الأزرق والأحمر والأسود(13).  إضافة إلى “توران”، توجد مجموعة “فاغنر”، التي قيل إنها قامت بعمليات أمنية في أوكرانيا(14)، التي تعتبر واحدة من أكبر شركات الروسية العاملة في سوريا، والتي يعتبرونها مسؤولة عن استقطاب وتجنيد مئات المرتزقة الروس المقاتلين لحساب موسكو في الدولة العربية، والمزودة بدبابات (T-90).(15)

مبررات “عقائدية”

يعتبر بعض المراقبين بأن استخدام موسكو لهذه الشركات يأتي ضمن استراتيجية “معززات القوة”، وأبرزها يتمثل في “عقيدة واينبيرجر”، والتي أسس لها وزير الدفاع الروسي، كاسبر واينبرجر، بخطابه الشهر عام 1984، حيث أصبحت موسكو ترى أن القوة يجب أن تستخدم بشكل رخيص التكلفة، ويمكن التنصل منه عند الضرورة “كالمرتزقة”، وبشكل يجعل العمليات العسكرية رشيقة ودقيقة.(16)

تقييم عسكري وقانوني

هناك عدد من الأمور تترتب على الاعتراف بمثل هذه الشركات، سواء على الصعيد العسكري أم القانوني، وأبرزها يتمثّل:

  1. على الصعيد العسكري:

– لا شك بأن استخدام مثل هذه الشركات العسكرية سيكون عامل تخفف من عدد قتلى الجيش الرسمي لأي دولة، وبالتالي لن تكون القيادة السياسية في موقع حرج من مواطنيها كون أغلب أسماء عناصر هذه الشركات تبقى طي الكتمان بالرغم من تصريح ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، الذي قال بأن “المواطنين الروس الذين يقاتلون في سورية هم متطوعون، ولا علاقة لوزارة الدفاع الروسية بهم، ولكن هؤلاء، في حال قتلهم في سوريا، يحصلون على الأوسمة الرسمية أحياناً، وتطلق أسماؤهم على المدارس التي كانوا يتعلمون فيها.”(17)

– إن استخدام هذه الشركات سيوزع مفهوم القوة بينها وبين الجيوش الرسمية للدول حيث يقول يفغيني بيرسينيف “تُعرف بلادنا بثبات احتكار الدولة لاستخدام القوة، يضاف إلى ذلك عامل توزيع التمويل. لذلك، أشك في إصدار القانون في الأفق القريب، رغم وجود مثل هذه الشركات على الأرض في سوريا.”(18)

– إن استخدام هذه العناصر سيرفع عبئاً مادياً عن كاهل الدولة، كون القتلى منهم سيحصلون على تعويضات من قبل الشركات التي قامت بتوظيفهم، وبالتالي لن تتكبد الدولة أية مستحقات أخرى كتلك التي يستفيد منها عنصر الجيش النظامي في حال موته، كالتعويضات والمعاشات الشهرية والضمانات العائلية وغيرها.

– يرى البعض “أن هذه الاستراتيجية التدريجية هشة بجوهرها، لأنها تعتمد على استخدام أقل قدر ممكن من الجنود على الأرض لتحقيق الغايات السياسية. ولتحقق غايتها من الإجبار فعليها أن تستخدم قدرات عسكرية تقنية عالية وباهظة.”(19)

– من الأمور المهمة أيضاً في هذا المجال هو سرية عمل الوحدات العسكرية النظامية، إذ أن وقائع الميدان قد تتطلب خططاً عسكرية غاية في السرية لا يمكن اطلاع هذه العناصر عليها بشكل تفصيلي نظراً لحساسية الموقف.

– يستلزم بعض المعارك الحربية أنواعاً حساسة من الأسلحة الفتاكة الحساسة التي لا يمكن تسليمها إلى هذه المجموعات، مما يتطلب التدخل الجيش المباشر، وبالتالي لن يكون لهذه الوحدات الخاصة أية قيمة.

  1. على الصعيد القانوني:

– من خلال مشروع القانون هذا، يحرص المشرع الروسي وضع ضمانات قانونية لعمل هذه الشركات غير أن ما يثير التساؤل هنا هو على آلية ضبط عملها، وعدم تفلتها من المسؤوليات والالتزامات التي يفرضها عليها مثل هذا القانون.

– يرى بعض المحللين بأن التعاقد مع هذه الشركات “لا يعفي السلطات من المسؤولية عن مصير القتلى والأسرى من المقاتلين الروس (حالة روسيا) التابعين للشركات العسكرية الخاصة على الأراضي الخارجية، بصفتهم مواطنين روس”(20)، وبالتالي قد يتم مساءلتها عن أعمال هذه الوحدات العسكرية حال تجاوزها لقواعد القانون الدولي بصفتها شركات روسية إضافة إلى أنها متعاقدة معها ولصالحها.

– تسعى روسيا دوماً إلى تطبيق القانون الدولي وقواعده، خصوصاً لجهة سيادة ووحدة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما يعطيها دفعاً وزخماً لا سيما مع الدول التي تتعارض سياساتها مع سياسات الولايات المتحدة، الأمر الذي يوفر لها فرصة حقيقية لتكون حليفاً جدياً. من هنا، إن إقرار مثل هذا القانون قد “يقلق” تلك الدول من سياسات موسكو المستقبلية ويجعلها حذرة في التعامل معها.

*مؤسس ومدير موقع “سيتا”

المراجع:

(1) بدر محمد بدر. 27/9/2007. بلاك ووتر.. المرتزقة قادمون. الجزيرة. على الرابط التالي:

http://bit.ly/2n60OFh

(2) عهد بلاك ووتر ينتهي في العراق. 30/1/2009. السومرية. على الرابط التالي:

http://bit.ly/2DDXsTZ

(3) عبيدة عامر. 15/9/2017. “الحرب الهجينة”.. كيف تسيّر روسيا عملياتها في سوريا؟ الجزيرة. على الرابط التالي:

http://bit.ly/2yeh37Q

(4) ميتين غوركان. 4/12/2017. الشركات العسكرية الخاصة.. جيش موسكو الآخر في سوريا .المونيتور. نقلا عن: الخليج الجديد. على الرابط التالي:

http://bit.ly/2naFBLh

(5) يفغيني دياكونوف. 18/1/2018. روسيا تدرس تشريع الشركات العسكرية الخاصة. روسيا اليوم. على الرابط التالي:

http://bit.ly/2DyRQLy

(6) رامي القليوبي. 3/8/2017. مرتزقة “فاغنر”…نموذج روسي في سورية على غرار “بلاك ووتر” الأميركية. العربي الجديد. على الرابط التالي:

http://bit.ly/2BpZqT5

(7) يفغيني دياكونوف. روسيا تدرس تشريع الشركات العسكرية الخاصة. مرجع سبق ذكره.

(8) رامي القليوبي. مرتزقة “فاغنر”. مرجع سبق ذكره.

(9) المرجع السابق نفسه.

(10) كاثرين فلاح. يونيو/حزيران 2006. الشركات الفاعلة: الوضع القانون للمرتزقة في النزاعات المسلحة. مختارات من المجلة الدولية للصليب الاحمر. المجلد 88. العدد: 863. ص: 164. على الرابط التالي:

http://bit.ly/2GcvYDJ

(11) المرجع السابق نفسه. ص: 166.

(12) ميتين غوركان. الشركات العسكرية الخاصة. مرجع سبق ذكره.

(13) المرجع السابق نفسه.

(14) المرجع السابق نفسه.

(15) عبيدة عامر. مرجع سبق ذكره.

(16) المرجع السابق نفسه.

(17) مشعل العدوي. 5/8/2017. مؤسسات القتل.. “فاغنر على طريق بلاك ووتر”. جيرون. على الرابط التالي:

http://bit.ly/2DGq1jW

(18) رامي القليوبي. مرتزقة “فاغنر”. مرجع سبق ذكره.

(19) عبيدة عامر. مرجع سبق ذكره.

(20) رامي القليوبي. مرتزقة “فاغنر”. مرجع سبق ذكره.

مصدر الصور: نون  بوست – موقع أهل مصر – سبوتنيك.