اعداد: يارا انبيعة

باتت النمسا، رسمياً، أول دولة في الغرب الأوروبي تقع تحت حكم اليمين القومي المحافظ واليمين المتطرف الشعبوي، مع بدء عهد رئيس حزب “الشعب” المحافظ، سيباستيان كورتز، كمستشار للبلاد من جهة، وانطلاق حقبة حزب “الحرية” اليميني المتطرف حكومياً من جهة ثانية، بعد اتفاق الحزبين على تشكيل ائتلاف حكومي موحد لمدة خمس سنوات مقبلة.

حدث يترجم الصعود اليميني الكبير الذي يشهده العالم، والقارة العجوز تحديداً في الفترة الأخيرة، ومن شأنه أن يشكل جرس إنذار لبقية دول أوروبا حيث يتعاضم فيها وزن اليمين المتطرف، خصوصاً في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا ودول أوروبا الشرقية، تحت شعارات معاداة اللاجئين والأجانب، عموماً، والإسلام، خصوصاً، ومناهضة العولمة، والتكتلات الإقليمية الاقتصادية الكبرى.

قمة براغ “حدث تاريخي”

تحت مسمى “أوروبا للأمم والحريات”، عقد مؤتمر ضم عدة أحزاب يمينية متطرفة، بدعوة من توميو أوكامورا في حزب “الحرية والديمقراطية المباشرة” والذي فاز بحوالي 11% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التشيكية التي جرت في أكتوبر 2017 وهو الحزب القائم على مناهضة الإسلام ومناهضة المهاجرين، في العاصمة التشيكية – براغ يوم السبت 16 ديسمبر/كانون الاول 2017.

حضر المؤتمر كل من مارين لوبان من فرنسا، ونائب المستشار النمساوي هاينز كريستيان ستراتش، والسياسي الهولندي جيرت فيلدرز، بالإضافة إلى قادة يمينيين آخرين من إيطاليا، بلجيكا، ألمانيا، بولندا وبريطانيا.

المداخلات في المؤتمر

قال جيرت فيلدرز، السياسي الهولندي، منتقداً الاتحاد الأوروبي “إن بروكسل تشكل تهديداً وجودياً لدولنا”، وأضاف في أنه يأمل أن “تُبقي التشيك أبوابها محكمة الإغلاق أمام الهجرة الجماعية”.

كما أعتبر فيلدرز ان الهجرة من الدول المسلمة تمثل إحدى أكبر المشاكل التي تواجهها أوروبا، وشدد على “ضرورة منع الهجرة الجماعية إلى أوروبا حتى لو اضطررنا إلى إقامة حد”، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يعد بإمكانه “إبقاء الأبواب والنوافذ مفتوحة” أمام المهاجرين من العالم الإسلامي.

من جهتها، استغلت ماري لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية المتطرفة، صعود حزب الحرية والديمقراطية المباشرة، اليميني المتطرف إلى الحكم في النمسا، من أجل الدعوة إلى تدمير الاتحاد الأوروبي، حيث أثنت على كلام فيلدرز وأضافت “نحن ليس لدينا رهاب تجاه الأجانب، ولكننا معارضون للاتحاد الأوروبي”.

كذلك، عبرت لوبان عن استيائها من منظومة الاتحاد الأوروبي بشكل عام، والتي تسعى، برأيها، إلى إغراق أوروبا بالمهاجرين وطمس الهوية الأممية الخاصة بالدول الأوروبية المختلفة. وفي كلمة لها قالت “إن الاتحاد الأوروبي في النفس الأخير، وهناك أمل في أننا سنسقط هذه المنظمة غير الصحيحة من داخلها، وعلينا أن نتصرف كما يتصرف الفاتح”، واعتبرت أن الأحزاب اليمينية قادرة على تحقيق الفوز في الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي، مشددة على أن هذه القوى تستطيع القضاء على الاتحاد الأوروبي، وأضافت “الشعوب الأوروبية عليها تحرير نفسها من أغلال الاتحاد الأوروبي تلك المؤسسة الكارثية التي تقود القارة إلى الموت.”

ولقد اشارت لوبان الى موضوع مهم تمثل في استيلاء “اتحاد الشعوب الأوروبية” على “تركة” الاتحاد الاوروبي، وهو مشروع ينص على التعاون الطوعي بين الدول يقوم على الاحترام المتبادل ومراعاة مصالحها السياسية والاقتصادية، مبينة ان الخطوة الأولى يجب أن تتمثل في إعادة الحدود بين دول منطقة شنغين وحل المفوضية الأوروبية.

الى ذلك، تبنى المجتمعون في براغ دعوة زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي إلى تدمير الاتحاد الأوروبي، مؤكدين دعمهم لهذا المسعى.

بدوره، حذر توميو أوكامورا، البرلماني التشيكي والعضو في حزب “الحرية والديمقراطية المباشرة”، من خطر “استعمار المسلمين لأوروبا”، مطالباً بعدم التسامح مطلقاً مع الهجرة غير الشرعية والإسلام، واعتبر أن الأوروبيين “في مرمى خطر الاستعمار الإسلامي”، مشيراً إلى أن أوروبا تمر بإنحطاط القيم القومية والثقافية التقليدية. وأضاف أوكامورا أن “الاتحاد الأوروبي يتحول إلى دولة شمولية”، مشيراً الى ان مستقبل أوروبا في عدم مركزيتها سياسياً واقتصادياً. وتابع أوكامورا بالقول “نهتم بالتعاون الوثيق بين الدول الأوروبية ذات السيادة على أساس الفائدة المتبادلة ونرفض إملاء الشروط من قبل الهيئات الأوروبية الحالية التي تتطفل على وحدة الشعوب الأوروبية.”

وحظي أوكامورا بدعم الرئيس التشيكي، ميلوش زيمان، اليساري المعروف بخطابه المعادي للهجرة والمسلمين، والذي شبَّه أزمة الهجرة “بالغزو المنظم”، معتبراً المسلمين أشخاصاً “من المستحيل دمجهم” في المجتمع.

فشل المظاهرات المناهضة

تجمع حوالي 200 شخص خارج مقر المؤتمر واقفين بإنتظار قادة الأحزاب اليمينية، ورافعين اللافتات المضادة له، ورددوا شعارات مناهضة لتلك الأحزاب وقاموا بقرع الطبول، فيما استخدمت السلطات التشيكية قوات الأمن وشرطة الخيل وطائرات الهليكوبتر، لحماية المشاركين. وانتهى هذا المؤتمر دون وقوع حوادث فيما لم تحقق تلك المظاهرة اهدافها.

وقال يان سيمبر، منظم المظاهرة، “نريد أن نوضح بأن الجمهورية التشيكية ليست غير مبالية بإحتفاليات الكراهية وحملات التضليل الإعلامية التي يقودها حزب الحرية والديمقراطية المباشرة التشيكي.”

من الجدير ذكره هنا ان المفوضية الأوروبية قد أطلقت، في سبتمبر/ايلول 2017، إجراءات عقابية بسبب انتهاك التشيك والمجر وبولندا القواعد الاوروبية لجهة رفضها استقبال المهاجرين بموجب خطة تقاسم عبء اللاجئين.

كما بات من المعروف، ان اليمين الشعبوي الاوروبي، عموماً، يعارض الاتحاد الأوربي انطلاقاً من منهجية قومية عنصرية، تحصر معارضتها بحدود تمجيد الدولة القومية، في حين يدعم اليمين الشعبوي عملياً نهج الليبرالية الجديدة. في المقابل، تدعو اغلب قوى اليسار والتقدم إلى اعادة تأسيس الاتحاد الأوروبي على اسس الديمقراطية الحقيقية، وقيم التحرر والمشاركة، واقامة العدالة الاجتماعية. ويعد صعود اليمين الشعبوي التحدي الأكبر الذي يواجه قوى اليسار في القارة العجوز.

مصدر الاخبار: وكالات

مصدر الصور: دي دبليو – العرب