أهداف الحصار وخطة “السلام الاقتصادي”
النقطة الأولى: إن حصار غزة من جانب إسرائيل قرار سياسي له 3 أهداف؛ الهدف الأول: إبادة أهل قطاع غزة الذين يتصلون بالمقاومة التي أرغمت إسرائيل على الجلاء عنه، في وقت كان فيه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، معارضاً لهذا الانسحاب.
الهدف الثاني: جعل الحياة صعبة أو مستحيلة لسكان القطاع مع الإشارة إلى أن السبب هو المقاومة، وذلك حتى يثور الناس عليها.
الهدف الثالث: إن حصار غزة يعد “مجاملة” للسلطة الفلسطينية، التي ترى أن القطاع خارج عن سلطتها وأن حركة “حماس” فصله بقية فلسطين وأن هدف السلطة هو بسط سلطتها عليه؛ ولذلك، تردد أن إسرائيل تآمرت مع السلطة على غزة في كل عدوان عليها.
في العام 2010، حاولت تركيا كسر الحصار، ولكنها واجهت رداً إسرائيلياً قاسياً اضطرها للتراجع خاصة مع دعم واشنطن لإسرائيل.
النقطة الثانية: إن موجات العدوان التي تشن على غزة، منذ العام 2008، لم تغيّر أهدافها. لكن في العام 2017، اتفق كل من نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، على خطة أطلقوا عليها “صفقة القرن”، وهي تفريغ فلسطين من سكانها وممارسة السيادة الفعلية على القدس، وبدأت في تنفيذ الخطة التي أطلقتا عليها “خطة السلام”.
بعد تولي الرئيس جو بايدن، لم يتغير الخط الأمريكي حيث استمرت عمليات التهويد، كما أن كلاً من واشنطن وإسرائيل قدمتا مشروعاً أطلقت عليه “السلام الاقتصادي” بدلاً من “السلام السياسي”، بما معناه رفع المستوى المعيشي للمواطن الفلسطيني مقابل تخليه عن حلم الدولة الفلسطينية وتقرير المصير وحق العودة والتخلي عن القدس ومعظم أراضي الضفة الغربية.
من هنا، تجتهد إسرائيل في التدمير حتى يضطر المواطن إلى قبول “السلام الاقتصادي”، وهو في الواقع توفير احتياجات الحياة بشكل مؤقت مقابل تخليه عن كل شيء. وقد بدا التدمير متعمداً منذ نجاح “حماس” في انتخابات العام 2006، ثم سيطرتها على غزة العام 2007، حيث بدأت إسرائيل سلسلة حملات التدمير عامي 2008 و2009، ثم العام 2012 وبعدها العام 2014 والتي جاءت الحملة الأخيرة كـ “بالون اختبار” لموقف النظام المصري الجديد بعد نهاية حكم “الإخوان المسلمين” ووسط أزمة حادة بين هذا النظام و”حماس” حول عدد من الملفات.
ارتبطات عملية إعادة الإعمار
القضية الأولى: من أحدث الدمار الذي يتطلب التعمير؟ الواضح للعالم أن إسرائيل هي التي تعمّدت تدمير غزة ضمن خطتها العامة في إبادة الشعب الفلسطيني، ولكن هذه المرة اضيف إليها “غضب” إسرائيل من ربط القدس والتهويد بالمقاومة، فلم تكن الأخيرة تدافع عن غزة ضد عدوان مباشر من اسرائيل، ولكنها كانت تدافع عن حق الفلسطينيين في بيوتهم في القدس، وأبرزها حي الشيخ جراح، وحقهم في الصلاة بحرية في المسجد الأقصى، وحقهم في الحماية من عدوان وهمجية المستوطنين.
ولعل المقاومة نفسها فوجئت بالتداعيات والنتائج الاستراتيجية، وأهمها تعرية أعمال الإبادة الاسرائيلية، وتوّحد الفلسطينيين للدفاع عن بقائهم خاصة داخل إسرائيل نفسها (أي عرب 48)، والتئام المناطق الفلسطينية وإسقاط رهان إسرائيل على تفتيت المناطق والشعب.
وإذا كانت إسرائيل هي المسؤولة عن التدمير، فإنها تتحمل المسؤولية عن إعماره لأنها ارتكبت عملاً مخالفاً للقانون الدولي، وأحدثت ضرراً متعمداً فادحاص بالبشر والحجر.
في المقابل، تدفع إسرائيل بأن صواريخ المقاومة هي “الفعل الذي استوجب رد الفعل العنيف” منها، لكن هذا الاتجاه يغفل قمعها لسكان حي الشيخ جراح وارغامهم على ترك منازلهم لصالح المستوطنين، كما يغفل تصدي إسرائيل بالقوة للمصلين وقهر المرابطين والترتيب لهجوم المستوطنين على الأقصى وهدمه.
القضية الثانية: الربط بين رفع الحصار وبين المقاومة وإعادة الإعمار، فقد اشترطت إسرائيل لرفع الحصار عن غزة وإعادة إعمارها تفكيك المقاومة وتسليم سلاحها، وكأن الأخيرة نشأت خصيصاً من أجل رفع الحصار وإعادة إعمار القطاع؛ فالمقاومة سابقة على هذه القضايا، بل إن استمرار الحصار مرتبط بمناهضة المقاومة، كما أن العدوان الإسرائيلي الذي دمّر غزة كان يستهدف بالأساس المقاومة بشكل مباشر أو سلطتها في غزة.
القضية الثالثة: الربط بين إعادة الإعمار مقابل إطلاق “حماس” سراح الأسرى الإسرائيليين خلال العدوان، عسكريين ومدنيين، حيث رفضت الحركة هذا الربط الإسرائيلي؛ فإعادة الإعمار، هو تصحيح لما أسفر عنه العدوان، ولقد أصرت “حماس” على أن تبادل الأسرى الفلسطينيين مع الإسرائيليين حيث توسّطت مصر في هذه القضايا، ولا تزال الوساطة مستمرة ولم يتم حسم هذه المسائل بعد.
القضية الرابعة: الربط بين إعادة الإعمار وبتر العلاقة بين كل من “حماس” والمقاومة وبين إيران، وقد يبدو هذا الشرط مستحيلاً.
القضية الخامسة: رفع الحصار وإعادة الإعمار مقابل التخلي عن المقاومة، لكن هذه القضية تربط بين ملفات مختلفة؛ فإعادة الإعمار، حق لغزة ما دامت إسرائيل هي التي تسببت في الدمار بمباركة امريكية وغربية. كما أن الحصار بحد ذاته يعد “جريمة حرب” يجب وقفها بلا قيد ولا شرط، هذا من ناخية. من ناحية أخرى، إن حق الشعب في مقاومة الاحتلال لكل الأراضي الفلسطينية ثابت في القانون الدولي لكون الاحتلال يشكّل عدواناً مستمراً، ثم أنه احتلال طويل الاجل يضمر معه فكرة الاسترداد والاستيلاء على كل فلسطين.
من جهتخا، رفضت “حماس” هذا الربط أيضاً، وأصرت على أن العلاقة محصورة بين عدوان إسرائيلي سبب دماراً كاملاً لغزة، وبين مقاومة هذا العدوان؛ فالعدوان جريمة في القانون الدولي، بينما المقاومة حق محاط بكل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية والقانونية.
أما بالنسبة إلى الموقف الأمريكي من هذه القضايا، فقد اتسم بالعمل – وبشكل وثيق – كي تقفز إسرائيل على الواقع الجديد وتعيد الكرة ما دامت لم تجد ردعاً. من هنا، تدفع إسرائيل – ومعها واشنطن وبعض العرب – بأن المقاومة هي السبب في شقاء الشعب الفلسطيني، وأنها مستعدة للتفاوض مع السلطة بعد تصفية المقاومة؛ لذلك، قررت واشنطن التعامل مع السلطة الفلسطينية – التي تعتبرها الممثل للشعب الفلسطيني – وعزل “حماس” من خلال بشروط وضعتها واشنطن.
ختاماً، يلاحظ أنه في كل مرة يتم فيها إعادة الإعمار، تقوم إسرائيل بتدمير غزة واغتيال بعض قيادات المقاومة. وإذا كانت دول أوروبية قد أسهمت في إعادة الإعمار، فإن هذه الدول كان يجب أن تتصدى لعدوان إسرائيل، ولكنها – على العكس – حافظت على المواقف الاسرائيلية.
مصدر الصور: العربي الجديد – يورو نيوز.
موضوع ذا صلة: ملاحظات على الموقف الدولي من خطة الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر