مركز سيتا

يجزم الكثير من المحللين بأنّ الاقتراع في الانتخابات التشريعية سيوجّه ضربة قوية لموسكو الراغبة في إبقاء مولدوفيا ضمن دائرة نفوذها. ويعرب سيرغي غيراسيمتشوك، الخبير في الشؤون المولدافية في مركز دراسات “المنظور الأوكراني” في كييف، عن قناعته بأنّ “الغالبية البرلمانية ستكون موالية لأوروبا والتأثير الروسي سيضعف”.

تشهد مولدافيا، الدولة الصغيرة المحصورة بين أوكرانيا ورومانيا، منذ استقلالها، العام 1991، أزمات سياسية متكررة، إضافة إلى صراع مجمّد في منطقة ترانسدنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا، وسكان البلاد البالغ عددهم 2.6 مليون نسمة منقسمون تاريخياً بين من يفضلون علاقات وثيقة مع روسيا ومن يميلون إلى الاتحاد الأوروبي.

منافسة شديدة

تقدم ما يقرب 3.3 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية المبكرة لاختيار برلمان جديد في البلاد، مع الإشارة إلى أن 20 حزباً وكتلتين انتخابيتين يتنافسون على101 مقعد برلماني لولاية من 4 أعوام، كما ويتطلب دخول البرلمان حيازة 5% و7% من الأصوات على التوالي.

وبعد فرز 99.95% من الأصوات، حصل حزب العمل والتضامن (يمين الوسط) بقيادة الرئيسة مايا ساندو على نحو 52.7% من الأصوات، مقابل 27.2% من الأصوات نالتها كتلة الاشتراكيين والشيوعيين بزعامة الرئيس السابق الموالي لروسيا، إيغور دودون، في وقت حصل فيه حزب رئيس البلدية السابق المشكّك في الاتحاد الأوروبي، رجل الأعمال إيلان شور على 5%، وهي العتبة التي تسمح له بدخول البرلمان.

فوز حزب ساندو، المؤيد لأوروبا، في الانتخابات التشريعية المبكرة سيسمح بإجراء الاصلاحات في هذا البلد، الذي يعد أحد أفقر الدول الأوروبية، حيث قالت ساندو – في منشور عبر موقع “فايسبوك” – “آمل أن يكون اليوم نهاية حقبة صعبة لمولدافيا. آمل أن يكون اليوم نهاية عهد اللصوص في مولدافيا”، مضيفة في رسالتها أن “التحديات كبيرة، والناس بحاجة إلى نتائج” و”يجب أن يشعروا بفوائد وجود برلمان نظيف” و”حكومة نزيهة ومختصة”، داعية إلى “استخدام طاقة التصويت اليوم من أجل تغيير مولدافيا”.

الشتات يحسم النتيجة

من خلال المعلومات، تم تحقيق النتيجة بشكل خاص بفضل الشتات المولدافي الذي منح الحزب الحاكم أكثر من 86% من أصواته، كما أنه من المقرر أن يقدم مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقريراً عن التصويت.

ويجزم العديد من المولدافيين أن الرئيسة مايا ساندو، الخبيرة الاقتصادية سابقاً في البنك الدولي، تمثل “رمزاً للتغيير والنزاهة”، وهي ميزة نادرة في نظام سياسي ينهشه الفساد، وفق المحلل السياسي أليكسي تولبور.

مهمة صعبة

تشهد مولدافيا، الدولة الصغيرة أزمات سياسية متكررة منذ استقلالها، إضافة إلى صراع مجمّد في منطقة ترانسدنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا، بالإضافة إلى المشاكل الداخلية لا سيما مسألة اختفاء مليار دولار، أي ما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، من خزائن 3 بنوك في العام 2015.

وبعد فوزها الساحق في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 خلفاً لإيغور دودون المقرّب من موسكو، لم تتمكن الرئيسة ساندو من تطبيق السياسة التي تعهّدت بها بسبب سيطرة حزب منافسها على البرلمان، الذي تم حله في إبريل/نيسان 2021 وتمت الدعوة إلى اجراء انتخابات مبكرة، لكنها اليوم أصبح بإمكانها التصرف بحرية وتطبيق سياساتها ورؤيتها المستقبلية للبلاد من دون معارضة تذكر.

لكن الحصول على الأغلبية البرلمانية الموالية يعني “عدم إجراء مفاوضات أو مشاورات صعبة ولا إضاعة الوقت” عند تشكيل حكومة جديدة، وحتى مع وجود أغلبية برلمانية، لن يكون من السهل بالنسبة لها تنفيذ مشاريعها الضخمة من أجل تغيير جذري للدولة”.

علاوة على ذلك، يضم المجتمع العديد من المواطنين المؤيدين لروسيا، وغالباً ما يشعرون بالحنين إلى زمن الاتحاد السوفياتي، خاصة فئة كبار السن، ويرى الكثير من المحللين بأنّ الاقتراع سجل تراجعاً واضحاً لتأثير موسكو السياسي على كيشيناو، كما وسبق لساندو أن اثارت غضب الكرملين بدعوتها إلى مغادرة القوات الروسية لمنطقة ترانسنيستريا الخارجة عن السيطرة المولدافية منذ حوالى 30 عاماً. ودعت إلى انتشار مراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مكانهم.

من هنا، اختار المولدافيون المنقسمون حيال التوجه الذي ستتخذه بلادهم، بعد إجراء انتخابات مبكرة دعت إليها الرئيسة الجديدة مايا ساندو المؤيدة لأوروبا، رغبةً منها في تعزيز موقعها في مواجهة منافسيها الذين يدورون في فلك موسكو، إذ تحتاج ساندو إلى السيطرة على البرلمان من أجل تطبيق السياسة التي تعهدت بها، والمتمثلة بالتصدي للفساد المستشري في هذه الدولة الصغيرة، إلا أنّ مساعي الخبيرة الاقتصادية سابقاً في البنك الدولي، تعرقلها سيطرة حزب ايغور دودون على البرلمان، لكن بالنسبة لعدد من المواطنين “تحوّلت (رئيسة مولدافيا) إلى رمز للتغيير.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: يورو نيوز – البيان.