يارا انبيعة
التأمين البحري في مفهومه الضيق يعني التأمين على البضائع المنقولة بحراً، لكنها تمتد لتشمل نقل البضائع براً وجواً وبالطرود البريدية إضافة إلى النقل البحري، ويعرف القانون الإنكليزي عن التأمين البحري، في المادة 1/1906، على أنه العقد الذي يتعهد فيه المؤمن بتعويض المؤمن له بالطريق والمدى المتفق عليهما من الخسائر البحرية التي تتعرض لها المخاطرة البحرية ويمكن توسيع عقد التأمين البحري بمقتضى شروط صريحة منصوص عليها فيه وبمقتضى العرف التجاري بحيث يغطي الخسائر في المياه الداخلية أو الأخطار البرية المصاحبة.
القرض البحري
أشارت الدراسات إلى أن التأمين البحري هو أقدم أنواع التأمينات على الإطلاق حيث أثبتت مثل لك الدراسات تعامل أصحاب الحضارات القديمة بهذا النوع من التأمين، كالحضارة الآشورية والفينيقية؛ كما أن الدراسات أثبتت أن قانون رودس الخاص بالعوارية “الخسارة الجزئية العامة” تعود إلى عام 2500 ق.م، وهذا يعني أن التأمين البحري قد عرفته الأمم منذ قديم الزمان.
أما في شكله المعاصر، فإن الأم التي أنجبت التأمين البحري الحالي هي فكرة “القرض البحري”، والتي ظهرت في ميناء لندن، على نهر التايمز، في مقهى يدعى مقهى “لويدز” حيث كان رواده من أصحاب السفن ورباناتها والأشخاص المهتمون بالملاحة البحرية والتجارة حيث كانوا يتداولون أخبار المخاطر التي تتعرض لها سفنهم خلال رحلاتها في أعالي البحار، إلى أن جاء شخص واقترح فكرة “القرض البحري” ومفادها إعطاء صاحب السفينة وصاحب البضاعة المنقولة عليها قرضاً من المال يساوي قيمة السفينة والبضاعة وفي مقابل فائدة قانونية ولتكن 10% فإن هلكت السفينة وما عليها من بضائع فإن المقترض يرد أصل القرض إلى المقرض.
وفكرة “القرض البحري” التي نتحدث عنها شبيهة إلى حد كبير في التأمين البحري المعاصر حيث أن شركة التأمين حالياً تتعهد بدفع مبلغ التعويض في حال تحقق أحد أو بعض المخاطر التي يشملها العقد وذلك في مقابل قسط التأمين. فإن تحققت تلك المخاطر أو بعض منها، قامت بدفع التعويض وإن لم يتحقق أي خطر فإنها لا تدفع أي تعويض للمؤمن له.
أنواع المخاطر
حينما نقول المخاطر البحرية فهذا لا يعني أن صفة تلك المخاطر ومكان تحققها بالكامل هو البحر، ولكن المقصود من التسمية هي المخاطر التي تتحقق في البحر وعلى اليابسة حيث أن الرحلة غالباً ما تكون من جزئين، جزء بحري وجزء بري. وتبعاً لذلك، فإن المخاطر قد تحققت في الجزء البحري وقد تتحقق أثناء وجود البضاعة على اليابسة. ولهذا السبب، فإن تصنيفنا للمخاطر سيكون على النحو التالي:
الأول: المخاطر البحرية Sea Perils ومن التسمية فإن المقصود بها المخاطر ذات الصفة الطبيعية في البحر، كهياج البحر والأنواء البحرية العواصف الصواعق في البحر أي أنها ذات مصدر ومنشأ طبيعيين.
الثاني: مخاطر في البحر Perils in sea ومن تسميتها فإن مصدرها ومنشأها ليس طبيعياً ومن أمثلتها التصادم البحري، لصوص البحر، القراصنة، الحرب، وغيرها من المخاطر التي ليس مصدرها طبيعياً.
الثالث: المخاطر المختلطة Mixed Perils وهي من التسمية تشمل النوعين المذكورين أعلاه إضافة إلى المخاطر التي قد تتعرض لها البضاعة على اليابسة سواء في موانيء التحميل أو التفريغ أو خلال الجزء البري الكامل للرحلة كخطر السرقة وتدهور الشاحنة أو احتراقها أو انهيار الجسور التي تمر من فوقها أو تصادمها أو سرقة البضائع أو أي خطر قد يتحقق أثناء ذلك الجزء البري المكمل للرحلة.
إرتفاع التكاليف
بعد هذا العرض البسيط، كشفت شركات التأمين البحري عن ارتفاع تكاليف التأمين على السفن التي تمر عبر الشرق الأوسط بنسبة 10% على الأقل بعد الهجوم الذي استهدف ناقلتي نفط في خليج عمان. وأفادت الشركات بأن هناك احتمالات لمزيد من الزيادة في التكاليف إذا تصاعدت التوترات في المنطقة. وتسببت الهجمات في تأجيج المخاوف بشأن انخفاض تدفقات النفط الخام في مضيق هرمز، أحد أهم ممرات الملاحة البحرية في العالم والذي يمر فيه نحو 20% من النفط المستهلك عالمياً، أكبر مصدر للخام في العالم، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بما يصل إلى 4.5%.
كما واقتربت أسعار الشحن بإستخدام الناقلات العملاقة التي تنقل النفط من الخليج إلى آسيا لأعلى مستوياتها في شهرين، عند 13 ألف دولار يومياً تقريباً، ارتفاعاً من نحو 2000 دولار. هذا وتحتاج كل سفينة إلى أشكال متنوعة من التأمين، بما في ذلك تغطية سنوية ضد مخاطر الحرب، بالإضافة إلى تأمين إضافي عند الدخول في مناطق عالية الخطورة.
وتشير شركات التأمين على السفن إلى أن أضخم السفن التي تمر عبر منطقة الخليج تواجه تكاليف إضافية تصل إلى 200 ألف دولار للرحلة الواحدة التي تبلغ مدتها 7 أيام، وهو ما يقارب ضعفي التكلفة التي كانت عليها في وقت سابق من الأسبوع نفسه، حيث قالت إحدى شركات التأمين “لقد تغيرت الحقائق الموجودة على الأرض، إذا غرقت إحدى هذه الناقلات، فسترى زيادة شاملة في قيمة التأمين ضد مخاطر الحرب”، وأضافت “هذه ليست الحادثة الأولى، وما نراه في ظل ارتفاع الأسعار يعكس الوضع المتدهور في المنطقة.”
إلى ذلك، وسعت لجنة الحرب المشتركة لسوق لندن للتأمين، في 17 مايو/أيار 2019، قائمة المياه التي تعتبرها عالية المخاطر، لتشمل سلطنة عُمان ودولة الإمارات والخليج، بعد هجمات تعرضت لها 4 سفن قبالة الفجيرة، وألقت واشنطن باللوم فيها على إيران.
صراع جيو – سياسي
يقول ماركوس بيكر، من شركة “مارش” لوساطة التأمين، إن تكاليف التأمين ضد مخاطر الحرب ارتفعت بالفعل منذ قرار لجنة الحرب المشتركة توسعة نطاق المنطقة العالية المخاطر، وهي الآن في خانة العشرات.
من جهته، نوه جوناثان موس، رئيس قسم النقل والشحن في شركة “دي دبليو إف” للإستشارات القانونية، بأن المنطقة لم تشهد اضطرابات جيو – سياسية بهذا الحجم منذ الحرب التي شنتها الولايات المتحدة، في العراق في العام 2003، عندما لجأت الشركات إلى رفع تكاليف التأمين بسبب مخاوف من مطالبات ناتجة عن حوادث تصادم أو جنوح أو هجمات على سفن أو منشآت.
وأكد موس “أن العام القادم (2020) سيشهد مسعى لشركات التأمين لزيادة تكاليف التأمين تجاه مناخ عدم الإستقرار في المنطقة”، موضحاً أنه من المرجح أن تتراوح الزيادة في أسعار التأمين ضد مخاطر الحرب والتأمين على ماكينات السفن وهيكلها بين 10% و20%.
بدورها، قالت رابطة ناقلات النفط إنترتانكو “مرة أخرى تجد صناعة الشحن العالمية نفسها محاصرة وسط صراع جيو سياسي لا تملك أي سيطرة عليه.”
دوريات ثابتة
عقب استهداف 4 سفن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية الإماراتية في خليج عمان، دعا خبراء بحريون وقانونيون المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته بحماية إمدادات الطاقة في بحر عمان وبحر العرب، عبر تسيير دوريات عسكرية بالتناوب في المنطقة التي يخرج منها “شريان الطاقة إلى العالم”.
وقالت الخارجية الإماراتية إن الجهات المعنية بالدولة قامت بإتخاذ جميع الإجراءات اللازمة، ويجري التحقيق حول ظروف الحادث بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية.
كما أكد اللواء بحري محمد إبراهيم خليل، مدير الكلية البحرية المصرية الأسبق، على ضرورة تسيير دوريات عسكرية تبحر ذهاباً وإياباً في بحر عمان بين ساحلي مسقط وكراتشي في باكستان، وتتناوب تأمين وحماية السفن الناقلة لشحنات النفط التي تنطلق من مناطق إنتاجها في الخليج العربي إلى العالم، على غرار تأمين حركة الملاحة البحرية جنوب البحر الأحمر وخليج عدن حتى باب المندب لمكافحة الإرهاب والقرصنة.
وأضاف اللواء خليل أنه من الضروري اتفاق الدول الكبرى بالتنسيق مع الجانب العربي، على الإشتراك في تأمين عملية المرور البحري في المنطقة، وذلك تحت مظلة الأمم المتحدة لاحقاً في حال الوصول لهذا الاتفاق، مؤكداً على أن “الخليج العربي هو شريان حيوي لخروج النفط إلى العالم، وأي تهديد لهذا الشريان يحمل تداعيات وتأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي.” كما اعتبر خليل أن تأمين الثروة النفطية وحماية الممرات البحرية مسؤولية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأسره، وليس دول الخليج وحدها وإلى جانب دعواته لتأمين بحر عمان، داعياً دول الخليج إلى توقيع اتفاقيات بينها ترسيم الحدود البحرية، على غرار اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، واتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية.
فيما يخص الولايات المتحدة، اشار خليل إلى أنها ستسعى بكل قوة للحفاظ على استقرار إمدادات النفط من المنطقة العربية، حيث أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد بشكل أساسي على الغطاء النفطي، للحفاظ على القيمة النقدية للدولار، ومنع انخفاضها، خاصة بعد إلغاء واشنطن لغطائها الذهبي واستبداله بالنفطي. وبطبيعة الحال، فإن أي اهتزاز أو عدم استقرار لسوق النفط في منطقة الخليج العربي سوف يؤثر بشكل مباشر على الدولار.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن “حادثة استهداف وتخريب 4 سفن تجارية في المياه الإقتصادية الإماراتية أثارت قلقاً واسعاً بين الرؤساء التنفيذيين في قطاع النقل البحري”.
أخيراً، بين حرب اليمن وشفير الحرب في هرمز، وإغلاق شريان الحياة وحبس الأنفاس في الخليج، وتؤدة إيران وانتظار أمريكا، شركات التامين تسأل عن أموالها في حرب ليس فيها ناقة ولا جمل وإنما سفن ونفط ومواخر.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: العربية نت – روسيا اليوم – جريدة اللواء.