مركز سيتا

اختتم قادة دول مجموعة “السبع الكبار” قمّتهم المنعقدة في بريطانيا، حيث إتفقوا على العديد من الأمور المهمة، سواء على الصعيد السياسي أو الصحي – لا سيما في ضل استمرار أزمة تفشي فيروس “كورونا” المستجد – أو التغيير المناخي.

فرصة مواتية

اعتبرت صحيفة “تايمز” البريطانية أن قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبار، التي يحتضن فعالياتها منتجع كورنوال جنوب غربي المملكة المتحدة، هي “فرصة مواتية” أمام زعماء كبرى الديمقراطيات في العالم، من أجل إيجاد قيادة عالمية لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحاً، إذ رأت الصحيفة أن التوقعات المنتظرة من هذه القمة عالية لأن فرصة هذه الدول – الأغنى في العالم – لبلورة هذا النوع من القيادة نادراً ما كانت أكبر مما هي عليه الآن، كما أن عواقب الإخفاق في بلوغ هذا المسعى لم تكن أبداً أكثر وضوحاً من الآن.

ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، بدا أن الاجتماع السنوي لزعماء الدول السبع الكبار طغت عليه “مجموعة العشرين”، وهي مجموعة أكبر تضم دولاً صاعدة قوية اقتصادياً، في مقدمتها الصين. وخلال قمة العام 2018، بدا وكأن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد وجه الضربة القاضية لعمل المجموعة حينما انسحب من قمة كندا في وقت مبكر، رافضاً التوقيع على البيان الختامي، ومعتبراً أن المنتدى قد “عفا عليه الزمن”.

لكن خليفته، جو بايدن، حضر إلى القمة وكله تصميم على إظهار أن “الولايات المتحدة عادت، وأن ديمقراطيات العالم تقف معاً لمواجهة أصعب التحديات والقضايا الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبلنا”، حسب قوله، إذ بدت ظرفية القمة الحالية مواتية لتحقيق نجاح ما، خاصة مع رئيس أميركي استطاع خلال الأشهر الخمسة الأولى له في البيت الأبيض أن يغيّر تصورات العالم عن الولايات المتحدة.

تلميع للصورة

أشارت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث – Pew Research Center في واشنطن، أن الثقة في القيادة الأميركية ارتفعت مجدداً في أوساط حلفاء الولايات المتحدة المقربين، كما ارتفعت أيضاً الثقة في قدرة الرئيس بايدن “على فعل الشيء الصحيح” بين 12 من الحلفاء الرئيسيين لواشنطن في أوروبا وآسيا، لتصل النسبة إلى 75% مقابل 17% في عهد سلفه ترامب.

ايضاً، إن الرئيس بايدن سيجد شركاء راغبين من بين قادة مجموعة السبع الآخرين على غرار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بصفته مضيفاً للقمة، حيث يمكن إعتبار هذا الاجتماع أول فرصة له منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – بعد “البريكست” – لإظهار مكانة “بريطانيا العالمية” على المسرح الدولي.

أما بالنسبة للزعماء الأوروبيين ورئيسي وزراء كل من كندا واليابان، فإن القمة تعد أيضاً فرصة لإعادة الاستقرار، والقدرة على التنبؤ في إطار علاقاتهم مع الولايات المتحدة، بعد 4 أعوام متقلبة عوملوا خلالها أحياناً كخصوم أكثر من كونهم حلفاء.

الحد من تداعيات “كورونا”

من الأمور المهمة، تقديم دول المجموعة مليار جرعة من لقاحات فيروس “كورونا” خلال العام المقبل (2022)، والعمل مع القطاع الخاص و”مجموعة العشرين” ودول أخرى من أجل زيادة المساهمة على مدى الأشهر المقبلة، حيث قال الرئيس جونسون، خلال مؤتمر صحفي في ختام القمة، “طالبت نظرائي بالمساعدة في تحضير الجرعات اللازمة وتوفيرها من أجل تلقيح العالم بحلول نهاية العام 2022″، مضيفاً أن قادة الدول السبع تعهدوا بتوفير أكثر من مليار جرعة عبر التمويل أو آلية “كوفاكس”.

بدوره، قال رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، في رسالة مصورة بثها على “تويتر”، إن “الأولوية هي لضمان قدرتنا على تلبية الطلب على اللقاحات، وهنا يتولى الاتحاد الأوروبي زمام القيادة. وانضم لنا شركاء الآن لتسريع إنتاج اللقاحات وتوزيعها في أنحاء العالم”.

نتائج القمة

1. تقديم مليار جرعة من قبل قادة دول السبع خلال العام المقبل (2020)، والعمل مع القطاع الخاص ومجموعة العشرين ودول أخرى من أجل زيادة المساهمة على مدى الأشهر المقبلة.
2. تعهّد قادة الدول السبع – في بيانهم الختامي – بتسريع عملية التصدي للتغير المناخي، محددين لأنفسهم هدفاً بخفض انبعاثات الدول من ثاني أكسيد الكربون بمقدار النصف بحلول العام 2030، وزيادة المساعدات المالية للدول الأكثر فقراً.
3. على الصعيد السياسي، أكد الرئيس بايدن أن بلاده عادت بحضور كامل في الدبلوماسية الدولية، عبر قمة مجموعة السبع التي عكست “تعاوناً وإنتاجية استثنائيين”، حيث تعهّد بأن يكون “واضحاً جداً” مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن الخلافات المشتركة، كما شدد على أنه لا يسعى إلى “نزاع” مع الصين.

4. دعت مجموعة السبع الصين – في البيان الختامي – إلى “احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية” في كل من إقليم شينجيانغ (غرب الصين)، حيث تتهم بكين بارتكاب انتهاكات ضد الأقليات، وفي هونغ كونغ تقوم باستهداف الناشطين المدافعين عن الديمقراطية.
5. طالبت المجموعة الصين أيضاً بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية لإجراء تحقيق شفاف وعلمي في مرحلته الثانية بشأن مصدر فيروس “كوفيد – 19”.
6. دعت المجموعة روسيا “إلى إجراء تحقيق عاجل وإلى تقديم شرح ذي مصداقية وإعطاء توضيحات ذات مصداقية حول استخدام أسلحة كيميائية على أراضيها، وإلى وضع حد للقمع الممنهج للمجتمع المدني ولوسائل الإعلام المستقلة، وإلى كشف المسؤولين عن شن هجمات إلكترونية بواسطة برمجيات الفدية من داخل أراضيها”.
7. دعمت المجموعة إلى تأسيس نظام ضريبي مشترك “أكثر إنصافاً”، يفرض حداً أدنى للضرائب على الشركات ويشمل حملة مشتركة ضد التهرّب الضريبي، في إطار ما وصفتها بجهود رامية لتقليص عدم المساواة.
8. اتفق القادة على “ضمان ازدهارنا المستقبلي عبر الدفاع عن تجارة أكثر حرية وإنصافاً في إطار نظام تجاري يتم إصلاحه واقتصاد عالمي أكثر مرونة ونظام ضريبي عالمي أكثر إنصافاً”.
9. كشفت مصادر مطلعة أن خطة قادة مجموعة السبع تتضمن وقف تدهور التنوع البيولوجي بحلول العام 2030، عبر حماية 30% على الأقل من الأراضي والبحار، وأن بريطانيا ستُطلق صندوقاً بقيمة 500 مليون جنيه أسترليني (أكثر من 582 مليون يورو) لحماية المحيطات والنُظم البيئية البحرية في دول مثل غانا وإندونيسيا.

أخيراً، يبدو أن الأوروبيين سيشعرون بالارتياح لرؤية الرئيس بايدن يتواجد على أراضيهم، ولكنهم يدركون جيداً طبيعة السياسة الأميركية؛ فقد أظهرت انتخابات العام 2016 مدى السرعة التي يمكن أن تتغير بها الأمور في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأن لا أحد يعرف احتمالات عودة الرئيس ترامب (أو مرشح “ترامبي” النزعة) إلى البيت الأبيض العام 2024، حيث لا يزال الرئيس السابق يتمتع بشعبية واسعة.

يضاف إلى ذلك، وقوع حدثين إنتخابين مهمين في كل من ألمانيا (انتخابات نيابية ومستشار جديد قبل نهاية العام الحالي 2021) وفرنسا (الانتخابات الرئاسية العام 2022)، وهو ما يدفع بالأمور إلى مزيد من عدم اليقين حول مستقبل القارة الأوروبية خصوصاً وأن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لن تعود موجودة بعد ذلك سبتمبر/أيلول 2021، وهي التي كانت ماهرة في إدارة اللعبة الأوروبية.

بالإضافة إلى ذالك، يبدو بأن مستقبل حلف الناتو سيكون أكبر، إذ أن النتائج التي خرجت بها قمة الحلف (التي أعقبت قمة دول السبع) مهمة جداً في هذا الخصوص، حيث تم التوافق على إنشاء مشروع دفاعي جديد من أجل التصدي لروسيا والصين، ويتضمن العمل مع الشركات الناشئة والجامعات، فضلاً عن إنشاء صندوق جديد للابتكار داخل الحلف عن طريق الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة. كل تلك النتائج تتوقف على آلية التنفيذ وتطبيقها على أرض الواقع، وهو ما عد “التحدي الأكبر” الذي سيبين نجاح القمة من عدمه ربطاً مع جولة الرئيس الأمريكي في القارة الأوروبية، ولقائه عدداً من قادة العالم، والنتائج المترتبة من ذلك.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: سبوتنيك – روسيا اليوم.

موضوع ذا صلة: قمة السبع – 2019: إعتراف واقعي بنهاية الآحادية القطبية