شارك الخبر

في أوائل يوليو/تموز 2021، وقّع 16 حزباً أوروبياً – ينتمون إلى ما يسمى بـ “اليمين المتطرف” – إعلاناً مشتركاً حول مستقبل الاتحاد الأوروبي، داعيين بروكسل ومعها كل منظمات الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في رؤيتهم السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، خاصة بعد ما جرى ويجري جراء أزمة فيروس “كورونا” الذي أجج الصراعات داخل أوروبا.

إن الهدف الاساسي لتحالف أحزاب “اليمين المتطرف” داخل الاتحاد الأوروبي واضح وصريح، ويكمن في مسألة إعادة السلطة السياسية في الدول إلى مبدأ “القومية” الأوروبية، ما يعني العودة إلى مبادئ اليمين التقليدية التي كانت سائدة في الماضي، خصوصاً منذ نشأت الجمهورية الخامسة في فرنسا، على قاعدة نظرية الجنرال شارل ديغول التي تدعوا إلى إيجاد “أوروبا قومية” وليس “أوروبا الاتحاد”، كما هو عليه الأمر الأن، حيث بروكسل تحتكر القرار السياسي بالنيابة عن 27 دولة عضو فيه. 

المفهوم السياسي الحالي لـ “اليمين المتطرف” الأوروبي، الذي يتألف مع النظرة اليمنية التقليدية على غرار الفكرة “الديغولية”، يعطي الأولية للسيادة الوطنية بدلاً من فكرة تعميق التكامل الأوروبي بين البلدان حيث يوجد فيما بينها فوارق عميقة سياسية واقتصادية واجتماعية ولغوية وحتى تاريخية؛ فبحسب تصاريح رؤساء الأحزاب المذكورة نرى أيضاً تعزياً للقيم الأخلاقية التقليدية، مثل ترسيخ دور الأسرة والدين ورفض تسوية شمولية وعامة لمشكلة المهاجرين واللاجئين.

ومن بين المؤيدين للإعلان المشترك “التجمع الوطني” بقيادة مارين لوبان، وحزب “القانون والعدالة” الحاكم في بولندا بقيادة ياروسلاف كاتشينسكي، وحزب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان فيدسز، وحزب حرية، وفي النمسا الرابطة الشمالية لماتيو سالفيني.

أغلبية قادة الأحزاب المنخرطة في التحالف المذكور معروفون أنهم من أوائل المشككين في الاتحاد الأوروبي، وهم من الذين يعارضونه علناً من خلال الحملات الانتخابية الوطنية؛ لكن عدم تجاوب أغلبية الشعوب الأوروبية مع تلك الطروحات الراديكالية لقادة هذه الأحزاب، حث هؤلاء القادة على الانخراط بالعملية السياسية للإتحاد، فأغلبيتهم انتخبوا كنواب في برلمان الاتحاد الأوروبي، بهدف تغيير الاتحاد الأوروبي من الداخل على مبدأ “دعونا نصلح الاتحاد الأوروبي معاً من أجل مستقبل أوروبي أفضل.

حالياً، يعتبر مستقبل الاتحاد الأوروبي الموضوع الأهم والأكثر تعقيداً، خصوصاً مع أزمة “كورونا” التي وضعت جميع الدول الاوروبية على المحك، حتى وصل الأمر أن يتسأل المواطن الأوروبي العادي ما الفائدة من الاتحاد الأوروبي؟ 

تحالف أحزاب “اليمين المتطرف” الأوروبي جاء رداً على إطلاق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وغيره من قادة دول الاتحاد الأوروبي، في مايو/أيار 2021، مشروع “مؤتمر حول مستقبل أوروبا”، والذي دعا فيه إلى المساعدة في تحديد اتجاه التنمية في الاتحاد الأوروبي. 

هذا المؤتمر سيستمر حتى النصف الأول من العام 2022 من خلال مشاركة المواطنين الأوروبيين، عبر منصة رقمية، بحيث ستؤخذ نتائج المشاورات التي تجري بعين الاعتبار حين تتسلم فرنسا الرئاسة الدورية للإتحاد. إن طموح الرئيس الفرنسي الحالي – عند تسلمه لمنصب الرئاسة – يكمن في ادراج إصلاحات عديدة داخل الاتحاد؛ وبحسب العديد من المراقبين، إن الهدف الحقيقي من المؤتمر – الذي بدأه الزعيم الفرنسي – هو “زيادة قوة الهيئات الأوروبية”، ما يعني إضعاف اكبر لمبداء الدول القومية.

في المقابل، تصف مارين لوبان تحالف أحزاب “اليمين المتطرف” بأنه “حدث تاريخي” قد يؤدي – عملياً – إلى تدابير تصحيحية متاحة لهذه القوى السياسية داخل البرلمان الأوروبي، مع تهيئة الأرضية لدمج الهوية السياسية بطريقة ديموقراطية بين كل من المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون.

من الواضح بالفعل أن القاسم المشترك الوحيد الذي تمكنت الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة من الاتفاق عليه هو خوفها من ظهور “دولة أوروبية عظمى” ممثلة ببروكسيل. 

لكن التحالف ما بين تلك الأحزاب يُظهر بعض التناقضات ما بين أعضاء الحلف الواحد، وهو ما يفسّر أيضاً سبب امتناع الموقعين على الإعلان عن إنشاء فصيل جديد في البرلمان الأوروبي، داعين – بدلاً عن ذلك – إلى احترام دور ومعنى الأحزاب السياسية الحالية.

أيضاً، تتعلق إحدى العوائق ما بين الأحزاب المسماة بالعلاقات مع روسيا؛ فبينما يبدي كل من سالفيني ولوبان – وأحياناً أوربان – بعض التعاطف تجاه السياسة الروسية، يتبنى رئيس “القانون والعدالة” ياروسلاف كاتشينسكي موقفاً غير قابل للتغيير لجهة إدانة تصرفات الكرملين.

كذلك وعلى الرغم من الرغبة المعلنة من قبل جميع الموقعين على تعزيز التدابير التي تهدف إلى احتواء تدفق اللاجئين الوافدين إلى أوروبا، فمن المحتمل أن يظل موضوع الهجرة موضع خلاف، مما يثير مناقشات ساخنة داخل التحالف اليميني المتطرف الجديد، في حين أنه من الممكن أن يكون هناك نقاط التقاء عديدة لكنها تقع ضمن مصالح متباينة داخل التحالف الجديد ما من شأنه امكانية تقوض في النهاية فكرة وجوده. 

أخيراً، يجب أن يُنظر إلى الإعلان المشترك على أنه بيان وليس وثيقة تخلق بعداً جديداً للتعاون بين قوى “اليمين المتطرف” الأوروبية.

مصدر الصورة: Aftenposten.

موضوع ذا صلة: فُرص تاريخية.. هل يستغلها “اليمين المتطرف” الأوروبي؟

د. أنطوان شاربنتييه

محلل سياسي لبناني – فرنسي.


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •