أدى اكتشاف مجموعات لليمين المتطرف بين العاملين بالأجهزة الأمنية في ألمانيا إلى فتح نقاشاً سياسياً ومجتمعياً حول ماهية الأزمة، ومدى التورط الأمني في قضايا التعدي على الأقليات وحقوقهم، ولكن تبقى الحلول مرهونة بجدية الإرادة السياسية لمعرفة أرقام المتطرفين بالداخلية والاستخبارات.
أن إقرار الحكومة الألمانية مؤخراً بضرورة إجراء دراسة علمية حول اليمين المتطرف في الشرطة يعد خطوة مهمة لحل الملف، بيد أن الضغوط التي مارسها المختصين والبرلمانيين لتحقيق هذا الإجراء أفقدته الثقة في إذا ما كان يدل على رغبة حقيقية لمعالجة الأطر التي تقود رجال الشرطة نحو التطرف أم أنه مجرد استجابة لموجة ضغط شديد.
ونتجت تلك الموجة عقب القضايا المكتشفة، 16 سبتمبر/أيلول 2020، حول تورط بعض عناصر الشرطة ورجال الاستخبارات في ولاية شمال الراين – ويستفاليا في مشاركة صور لأدولف هتلر، وتعذيب المهاجرين بغاز الأعصاب عبر مجموعات دردشة أُطلقت لهذا الغرض.
أولا”: الشرطة وحوادث اليمين المتطرف
أن اكتشاف حوالي 29 شخصاً من عناصر الشرطة في ولاية شمال الراين إلى جانب عدد من العاملين بالاستخبارات بذات الولاية، سبتمبر/أيلول 2020، متورطين في التفاعل على مجموعات الدردشة المتطرفة لم يكن العامل الوحيد في سلسلة انتهاكات الشرطة في هذا الإطار ولكنه فتح الباب أمام تسليط الضوء على هذه الحوادث.
1. رسائل التهديد النازية
أن قضية رسائل التهديدات النازية، التي أُثيرت في يوليو/تموز 2020، كانت متغيراً هاماً في قضية ارتباط الشرطة وبعض العاملين فيها بتيار اليمين المتطرف، إذ أرسل متطرف يميني ينتمي إلى مجموعة “النازيون الجدد” رسائل إلكترونية موقعة بإسم ضابط يعمل بوحدة الأمن النازية – إس.إس، وهي جهاز عمل في فترة أدولف هتلر إلى بعض الشخصيات الشهيرة في مجالات السياسة والفن والعمل الإنساني.
واشتكت الفنانة الكوميدية الألمانية، إيديل بايدر، من عدم اهتمام الأجهزة الأمنية بتلقيها رسائل تهديد بالقتل من جانب النازيين الجدد لاهتمامها بقضايا العنف والعنصرية ضد المهاجرين والأقليات، كما لم تتصل بها الشرطة لإبلاغها بدراسة الأمر أو محاولة تأمينها.
وتعتمد الخطورة في قضية رسائل النازيين الجدد على أن عمليات التجسس والوصول للبيانات الشخصية للمتلقين لهذه الرسائل جاء عن طريق إختراق لأجهزة الحاسوب الخاصة بشرطة ولاية هيسن بوسط البلاد، وهي عملية استمرت بين عامي 2018 و2020، حيث استطاعت مجموعة “النازيون الجدد” عبر اختراق حاسبات ولاية هيسن من تهديد بعض الشخصيات في ألمانيا.
وتسببت هذه الواقعة وما نتج عنها من اتهامات، بوجود علاقة بين عناصر الشرطة في الولاية وجماعات اليمين المتطرف التي تهدد أمن البلاد وأصبحت أخطر التيارات العنيفة في المنطقة في استقالة قائد شرطة الولاية أودو مونش، 14 يوليو/تموز 2020.
وسلطت قضية الرسائل الضوء على تغلغل تيار اليمين المتطرف في جهاز الشرطة الألماني واحتمالية تسببه في تصعيد العنف في البلاد ضد المهاجرين واللاجئين وغير المتبنين للفكر نفسه، وذلك وفقاً لتقرير نشرته شبكة الأخبار الألمانية، 16 سبتمبر/أيلول 2020، بعنوان “خطر اليمين الذي تشكله الشرطة”.
2. الأسلحة لدى ضباط اليمين المتطرف
تذكر دويتشه فيليه أن ضابط شرطة في شمال ألمانيا أسس مجموعة دردشة لمتطرفين من اليمين وأعد قوائم بأسماء الاف الشخصيات العامة لقتلهم وتهديدهم باعتبارهم أعداء للتيار، وقد وجدت الشرطة بحوذته 50 الف رصاصة إلى جانب بنادق وقنابل صوتية كما أن مجموعته تضم الكثير من الضباط والعاملين بالجهاز الأمني في برلين وبراندنبوغ. وتقول دير شبيغل، 16 سبتمبر/أيلول 2020، إن شرطياً عثر معه موظفو الجمارك على 1000 قطع سلاح ومواد تحريضية أخرى تشمل رسوم وصور حول النازية في فرانكفورت، بولاية ايسن، ما زال يعمل بالجهاز حتى الآن ولم يستبعد بشكل نهائي، وتساءلت عن الإجراءات اللازم اتخاذها في حال تورط أحد الأمنيين في جرائم مشابهة.
3. الاعتداء الشُرطي على تونسي
جددت الشرطة الانتقادات، مؤخراً، حول عنصريتها ضد المهاجرين والأقليات حين اعتدت على رجل تونسي الجنسية، حيث أشارت شبكة الأخبار الألمانية، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إلى انتشار مقطع مصور يُظهر رجل شرطة في مدينة كريفيلد، بولاية شمال الراين – ويستفاليا، وهو يعتدي على شاب تونسي بالضرب لرفضه الخروج من بناية نشب بها حريق، ما اعتبره البعض حلقة في سلسلة العنف اليميني بهذه الولاية وبعض عناصر شرطتها.
4. الدعاوى والحوادث اليمينية
وفي سبتمبر/أيلول 2020، أفادت صحيفة دير شبيغل أن السنوات الخمس الماضية قد شهدت ما لا يقل عن 170 حادثة عنصرية من قبل عناصر الشرطة، وأن العاصمة برلين شهدت إقامة أكثر من 80 دعوى قضائية ضد ضباط شرطة لممارسات عنصرية منذ العام 2017.
ثانياً: سبل المعالجة ومعوقاتها
1. اقتراحات نحو الحل
قدم بعض السياسيون اقتراحات لحل إشكالية اليمين المتطرف بجهاز الشرطة وتأثيره على سير القضايا. ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2020، نقلت شبكة الأخبار الألمانية، عبر تقرير بعنوان “مناهضة العنصرية.. دورات توعية في صفوف الشرطة الألمانية”، اتجاه الشرطة لتقديم مناهج دراسية تناهض العنصرية في مراكز التدريب الأساسية لعناصر الأمن.
ويذكر الموقع الإخباري أن إحدى هذه الدورات التي قدمت لرجال الشرطة اعتمدت على التمييز ضدهم لإشعارهم بمدى الظلم الواقع على المميز ضدهم بسبب لون بشرتهم أو لون أعينهم، إذ تحاول ألمانيا مقاومة الانخراط في تيار اليمين من قبل بعض عناصر الشرطة لتأثير ذلك على الأمن بشكل عام.
ويستطرد الموقع إلى أن بعض القضايا التي أحيلت للشرطة من أجل التحقيق بها شهدت تمييزاً لصالح عناصر اليمين المتطرف والتخلي أحياناً عن توجيه التهم إليهم وتركيز الإتهامات ضد الآخرين ما يؤثر على العدالة الألمانية وينتهك الحقوق الدستورية للمواطنين.
واقترحت زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي زاسكيا إسكن، 8 يونيو/حزيران 2020، إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة عمل الشرطة والأجهزة الأمنية لأن الحفاظ على هيبة الشرطة لا يجب أن يكون على حساب حقوق المواطنين، وذلك وفقاً لما نشرته شبة الأخبار الألمانية التي نقلت عن زاسكيا تأكيدها بأن الشرطة الألمانية لديها عنصرية يمينية كامنة ويجب التعامل معها بشكل جدي.
2. معوقات يُحتمل وجودها في الملف
أن أبرز المعوقات التي تواجه حل قضية اليمين المتطرف وتوغله في الشرطة الألمانية هو إنكار بعض السياسيين في السلطة لوجوده بشكل ممنهج حتى أن وزير الداخلية، هورست زيهوفر، كان ينفي وجود تيار لليمين في الجهاز ولكنه اضطر تحت وطأة الضغط السياسي والشعبي لإجراء دراسة دقيقة للتحقق من مدى استفحاله بين رجال الأمن.
المصدر: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات. إعداد: نهى العبادي.
مصدر الصور: العرب – العربي الجديد.
موضوع ذا صلة: عدد المتطرفين يتزايد في ألمانيا