إعداد: يارا انبيعة

ما زال النفط الصخري قطاعاً شديد الديناميكية، فقد لبى النفط الصخري الأمريكي العام 2018 النمو العالمي في الطلب على النفط، كذلك تستمر التكنولوجيا في التقدم والحد من تكاليف الإنتاج التي يبلغ متوسطها أقل من 50 دولاراً للبرميل الواحد.

حالياً، يقتصر النفط الصخري على الولايات المتحدة بعد أن حظرته كل من فرنسا وألمانيا، لكن لا يجدر بنا غض النظر عن التطورات حول العالم،  فكندا وروسيا والأرجنتين بضعة أمثلة عن الدول التي تستخدم الحفر الأفقي والتصديع الهيدروليكي، من أجل استخراج موارد النفط والغاز غير التقليدية وتحقيق نجاح تجاري.

خمس سنوات مقبلة

حتى الآن، تهيمن شركات مستقلة، مثل “بايونير” و”كونتينتال ريسورسز”  و”لاريدو”، على إنتاج النفط الصخري، وهو عكس ما هو معروف من أن الشركات الكبرى، مثل “إكسون موبيل” و”بريتيش بتروليوم”  و”شيفرون”، هي دائماً صاحبة الهيمنة.

من الواضح بأن المعادلة الحالية بدأت تتغير، حيث رفعت الشركات الكبرى توقعاتها للإنتاج من مناطق النفط الصخري في حوض “البيرميان” في ولاية تكساس، الذي يعتبر أهم منطقة في أميركا الشمالية، تليه منطقة “إيغل فورد” في تكساس، ومنطقة “الباكين” في ولاية داكوتا الشمالية. كما عدلت “إكسون موبيل” أرقامها المستهدفة من النفط الصخري لتصل إلى مليون برميل يومياً بحلول العام 2024 بدلاً من الرقم السابق عند 600 ألف برميل يومياً، في حين تتوقع “شيفرون” أن يصل إنتاجها إلى 900 ألف برميل يومياً في العام 2023 بدلاً من 650 ألف برميل.

هذا التحول المفاجئ يزيد من الآمال بأن تظل الولايات المتحدة المنتج الأكبر في العالم لخمس سنوات مقبلة على الأقل، لكن هل الأمور بهذه البساطة؟ في كثير من الأحيان، ينجرف الرأي العام وراء التصريحات الرسمية من الشركات ومن الجهات الحكومية والمنظمات من دون الوضع في الحسبان، ولو بشكل بسيط، بعض المخاطر الفنية التي تواجهها الشركات العاملة في المجال النفطي العالمي.

“سوق بلا عقل”

وصف بوب دادلي، الرئيس التنفيذي لـ “بريتيش بتروليوم”، صناعة النفط الصخري بأنها “سوق بلا عقل”، وبرر ذلك بأن الشركات تنتج على أساس الإشارات السعرية للنفط وليس على أساس العرض والطلب. ولهذا، تفكير شركات النفط الصخري دائماً هو قصير الأجل ويساعدهم في ذلك طرق الإنتاج، إذ كل ما يتوجب عليهم فعله هو تحريك الحفارة إلى الموقع وبدء الحفر، أو سحبها من الموقع، إذ لم يعد هناك حاجة إلى ذلك.

هذا الأمر هو سر نجاح شركات النفط الصخري بعكس شركات النفط التقليدية، وذلك لأن إنتاج الأخير يتطلب دراسة للمكامن وبناء محطات معالجة، والكثير من الأمور الأخرى، من أجل الحفاظ على صحة المكامن. أما النفط الصخري، فيتم استخراجه بالتكسير الهيدروليكي للصخور وهذا لا يتطلب الحفاظ على المكامن وإطالة عمرها.

لكن بحسب ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” فإن الأمور بدأت في التغير، حيث جاء في تقرير لها “إن شركات النفط الصخري تعاني من مشكلات إنتاجية بسبب حفر المزيد من الآبار المتلاصقة، وذلك لأن أعمال التكسير الهيدروليكي للصخور يقلل من إنتاجية الآبار الجديدة إذا تم حفرها على مقربة من الآبار القديمة.” اما الحل، فيكمن في المباعدة بين الآبار بشكل كبير، لكن بالنسبة لصناعة تعتمد على حفر المزيد من الآبار لأن معدل إنتاج الآبار يهبط بشكل كبير في أول عام، فإن الأمر صعب لأن زيادة إنتاج النفط الصخري تعتمد على المساحة وعلى عدد الآبار.

ويشكل حقل “البيرميان” نحو ثلث إنتاج أميركا بعد وصوله إلى ما يقارب من 4 ملايين برميل يومياً، وهذا معدل يفوق إنتاج الكويت أو الإمارات العربية المتحدة، ويقارب بشكل كبير من إنتاج حقل مثل “الغوار” السعودي والذي يضخ نحو 5 ملايين برميل يومياً. كما تتوقع شركة “ريستاد” أن الولايات المتحدة ستضيف مليون برميل يومياً من النفط الخام في صورة إنتاج جديد كل عام حتى نهاية العقد المقبل، أي خلال الأحد عشر عاماً المقبلة.

شح في التمويل

هناك مخاطر أخرى تواجه عملية استخراج  النفط الصخري وتمكن في شح التمويل لأنها صناعة قائمة على الإقتراض من المصارف. وبحسب تقرير سابق لـ “وول ستريت جورنال”، فإن شركات النفط الصخري جمعت 22 مليار دولار في صورة ملكية وديون (إصدار أسهم أو سندات أو اقتراض) في العام 2018، وهذا نصف الرقم الذي تم جمعه في العام 2016 وثلثه في العام 2012.

أيضاً، هناك تخوف من أن يؤدي هذا الأمر إلى تباطؤ في القدرات الإنتاجية لهذه الشركات، لكن الأرقام تظهر أن إنتاج أميركا ازداد في الربع الأخير من العام 2018 ووصل إلى 11.8 مليون برميل يومياً، في ديسمبر/كانون الأول 2018، و11.9 مليون برميل، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقد تكون هذه ظاهرة مؤقتة وليست دائمة.

أما العملية الربحية فقد بدأت تتحسن في بعض مناطق النفط الصخري وبخاصة منطقة “البيرميان”، إلا أن هذا لا يعني أن الوضع خارج هذا الحوض “وردي” كما هو عليه هناك، وهو ما جعل شركتي “شيفرون” و”إكسون موبيل” تركزان على هذا الحقل دون غيره.

خردة

أكد مارك ماثيوز، رئيس الأبحاث لمنطقة آسيا في بنك جوليوس باير، أن نجاح مملكة البحرين في استخراج النفط الصخري سيكون له تأثير إيجابي جداً على اقتصادها، متوقعاً انتشار تكنولوجيا استخراج النفط الصخري في المنطقة كلها على المدى البعيد. وقال الخبير الاقتصادي والإستثماري “إن من المبكر الحديث عن فرص نجاح تجربة استخراج النفط الصخري في البحرين لأن ذلك مرتبط بعدة عوامل، من أهمها؛ نسبة النفط القابلة للإستخراج، وكلفته مقارنة بأسعار النفط الحالية والمستقبلية”، مشيراً إلى أن انتقال شركات الحفر المتخصصة في هذه التكنولوجيا إلى البحرين سيكون مفيداً. كما ذهب ماثيوز إلى أن تكنولوجيا النفط الصخري سوف تستمر في التقدم والحد من تكاليف الإنتاج التي يبلغ متوسطها أقل من 50 دولاراً للبرميل الواحد.

في المقابل، رأى بعض المحللين بأنه “بغض النظر عن كل ذلك، فإن التوسع في إنتاج النفط الصخري وسوائل الغاز الطبيعي غير التقليدية والغاز الصخري، تثير اليوم قلق المجتمع الدولي بسبب اعتماد الإنتاج على التكسير الهيدروليكي، الذي له العديد من التأثيرات السلبية على الأراضي والموارد المائية، والهواء وكذلك المجتمعات السكانية وملاك الأراضي، وقد دفعت هذه المضار البيئية بعدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا، إلى حظر إنتاج النفط الصخري، فيما يأتي الخطر الأكبر من تشجع النشاط الزلزالي في المناطق التي يستخرج منها النفط الصخري. بالإضافة إلى تزايد انبعاثات غازات الإحتباس الحراري وزيادة تلوث المصادر المائية وانبعاث الغازات الضارة بالبيئة.”

لذلك، لا يبدو أن إعلان البحرين عن هذا الإكتشاف ستكون له إنعكاسات إيجابية على اقتصاد البلاد المتهاوي وعلى تصنيفها الإئتماني الذي تتفق شركات التصنيف الإئتماني العالمي على أنه “خردة”، ويبدو أن هذا الإكتشاف هو الآخر “خردة”، وما هو إلا محاولة يائسة من سلطات البحرين لكسب ثقة المستثمرين الدوليين الذين لن تنطلي عليهم مثل هذه “الإكتشافات” المزعومة ما لم يتم التحقق من مصداقيتها ومن جدواها الإقتصادية.

إزاحة السعودية؟!

توشك الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت لاحق خلال من العام 2019، على انتزاع عرش أكبر مصدر للنفط في العالم من المملكة العربية السعودية، التي تتصدر دول العالم كأكبر مصدرة للطاقة. شركة أبحاث الطاقة “ريستاد إنرجي” قالت “إن الولايات المتحدة الأمريكية ستتجاوز المملكة العربية السعودية، في العام 2019، فيما يتعلق بصادرات النفط وسوائل الغاز الطبيعي والمنتجات النفطية مثل البنزين.”

وأوضحت الشركة، في تقرير لها، أن تفوق الولايات المتحدة على السعودية في صادرات النفط، لم يحدث مطلقا منذ بدأت السعودية في إنتاج النفط وتصديره للخارج في الخمسينات من القرن الماضي، موضحة أن طفرة النفط الصخري، ستجعل الولايات المتحدة أكبر مصدر للنفط والسوائل في العالم. وقال الخبير الاستراتيجي في مجال الطاقة لدى “رابوبنك”، ريان فيتزموريس، أنه “قبل عشر سنوات، لم يعتقد أحد أنه يمكن أن يحدث، إن الطفرة الصخرية أدت إلى زيادات هائلة في الإنتاج، إنتاج الولايات المتحدة حالياً خارج التوقعات.” وقد زاد إنتاج النفط الأمريكي، الذي يقوده الصخر الزيتي، أكثر من الضعف خلال العقد الماضي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، وتضخ الولايات المتحدة الآن نفطا أكثر من أي بلد آخر، بما في ذلك روسيا والمملكة العربية السعودية.

وتنتج المملكة العربية السعودية حاليا ما بين 7 ملايين برميل من النفط الخام يومياً، إضافة إلى مليوني برميل من سوائل الغاز الطبيعي والمنتجات النفطية، وفقا لـ “ريستاد”، مقارنة مع صادارت أمريكية تبلغ حوالي 3 ملايين برميل يومياً من النفط الخام و5 ملايين برميل يوميا من سوائل الغاز الطبيعي والمنتجات النفطية. وتتوقع “ريستاد”، أن تتلاشى الفجوة هذا العام (2019)، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية ستحظى بقيادة مريحة كأكبر مصدر للنفط الخام في العالم.

الجيولوجيا لا التقنية

لقد تجاوز نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة جميع التوقعات مرة أخرى في العام 2018، على الرغم من أن الاختناقات في البنية التحتية من المتوقع أن تشكل ضغطاً كبيراً على نمو الإنتاج. فقد أظهرت شركات النفط الصخري قدرتها على التغلب على معظم  العقبات، من انهيار أسعار النفط، إلى تكاليف الإنتاج المرتفعة، إلى القيود في الخدمات الهندسية، ولكن نظراً إلى المدة الزمنية اللازمة لبناء البنية التحتية الجديدة، فإن أداء هذا القطاع في العام 2018 أربك توقعات جميع المحللين، والسؤال الآن هو عما إذا كان من الممكن حدوث إخفاقات في التنبؤ مشابهة في العام 2019؟

لكن يجب علينا تذكر أمر مهم جداً، وهو أن مصادر النفط الصخري القابلة للاستخراج ليست مستدامة مثل المصادر التقليدية، وسقف الإنتاج تحدده الجيولوجيا وليس التقنية، كما هو الحال عليه في الحقول التقليدية، التي تحددها التقنية وليس الجيولوجيا. وفيما تصبح صناعة النفط الصخري أكثر مرونة وتحملاً للأزمات، فإن هذا يجعل أميركا متصدرة عالمياً، ليس في النفط ولكن في استقلالية الطاقة، وهو الهدف الذي كانت تسعى له جميع الإدارات الحكومية السابقة ولم يتحقق سوى في السنوات الخمس الأخيرة على يد أخطاء ارتكبتها “أوبك”، التي كانت وما زالت تفتقر إلى النظرة المستقبلية الاستراتيجية العميقة التي لدى مؤسسات وحكومات ومنظمات الإقتصادات المتقدمة.

في المحصلة، هناك إنتاج كبير وثورة كبيرة في الولايات المتحدة، ولا يمكن أن يعتمد العالم في مستقبله الطاقوي على “سوق بلا عقل”، وهذا ما يجعل دور منظمة البلدان المصدرة للبترول – “أوبك” مهماً، شرط أن توحد المنظمة مواقفها وتخطط للمستقبل بشكل أفضل.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن التخيل كيف سيكون مستقبل المنطقة مع كل هذه التطورات في مجال إنتاج الطاقة، التي توازيها تطورات لا تقل أهمية في إنتاج الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وغيرها من البدائل التي تسعى لتقويض هيمنة النفط، وليفكر كل من يقرأ في استراتيجية جديدة لمستقبلنا.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: CULTURITE – سيزبيزسي – وول ستريت جورنال.