حوار: سمر رضوان
تعتبر جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أفريقيا مهمة في دلالاتها وتوقيتها ومفاعيلها، إذ تأتي في وقت تمر به دول منطقة الشرق الأوسط، ودول أفريقيا أيضاَ، بفترة “مخاض” نتيجة الأحداث التي مرت بها حيث يترقب الجميع ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل.
حول هذه الجولة ومجرياتها، يرى الدكتور محمد نور الدين، الباحث والخبير في الشأن التركي، لمركز “سيتا“، أن “تركيا، وبعد انهيار مشروعها في المنطقة سواء في سوريا والعراق أو في مصر وليبيا واليمن، وبعد الخلافات العميقة مع دول الخليج كالسعودية والإمارات العربية وحتى بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في تونس، تحاول أن تجني بعض المكاسب من زاوية “القليل خير من الحرمان”. من هذه الزاوية، تسعى تركيا بأن تظهر على أنها لا تزال قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة من خلال القيام بخطوات وتحركات تدل على أنها تستطيع اللعب في ساحة الآخرين، كون الزيارة شملت عدداً من الدول الافريقية المهمة مثل السودان وتشاد ثم تونس، بحيث شكلت هذه الجولة رسالة إلى مصر، والسعودية، خاصة، ودول الخليج، عامة.”
وعن مواقفه المتناقضة مع تونس، يقول الدكتور نور الدين “توجد ثلاثة أسباب جعلت الرئيس أردوغان يطلق هذه المواقف الحادة من تونس منصة الانطلاق لجولته؛ السبب الأول، هو مكانة تونس كمركز أساسي لحركة الإخوان المسلمين، عبر حركة النهضة، وبالتالي هذه رسالة إلى الداخل التونسي هدفها تقديم الدعم، ونوع من إعادة تعويم وإحياء الحالة الإسلامية الإخوانية مجدداً بعدما خرجت من السلطة. اما السبب الثاني، فهو وجود مواجهة داخلية لأردوغان لا سيما الاعتراض الواسع على إصدار مرسوم له قوة القانون بموجب حالة الطوارئ يعفي أي فرد مدني كان له دور في مقاومة الانقلاب العسكري من أية مسؤولية جزائية أو مالية أو إدارية، بمعنى أنه يشرع التمرد المدني الداخلي ضد أي قوة عسكرية ولا سيما الجيش. برأيي، حاول الرئيس أردوغان، بتصريحاته، حرف الانظار عن هذا الامر من خلال اللهجة العالية ضد الرئيس السوري بشار الأسد. اما السبب الثالث، وعشية مسارات جنيف وأستانا، اعتقد ان هناك نوع من التباين والخلاف مع روسيا وإيران، وبطبيعة الحال مع دمشق، حول بعض الأولويات الميدانية في الساحة السورية. وبالتالي، الكلام ضد الرئيس الأسد هو محاولة للضغط على الأطراف الأخرى، روسيا وإيران، لتليين مواقفهما.”
في هذا الخصوص، يشير الدكتور نور الدين الى موضوع مهم جداً اذ يعتبر “كلام أردوغان عن الرئيس الأسد، وهذا ما قلته وإن لم أكن الوحيد فكنت من القلائل، يشير الى أن تركيا لن تغير سياستها تجاه الأزمة السورية، فهي لا تزال تعتمد على “التكتيك” كي تظهر بصورة منفتحة واكثر مرونة بينما الحقيقة تكمن في ان انقرة تقوم بكل ما يصب ويحقق “المصالح العثمانية الجديدة”، خصوصاً وانها تعتبر جزءاً من العالم الغربي، والاطلسي تحديداً.”
وحول تفاصيل زيارة الرئيس أردوغان إلى السودان لا سيما مع وجود خصومة تاريخية ما بين الحكم في السودان والاخوان المسلمين، يقول الباحث نور الدين “إن هذه الزيارة تطرح علامات استفهام كثيرة حول التحول في الموقف السوداني. فموقف الخرطوم كان منسجماً مع الموقف السعودي في اليمن، ولكن استقبال أردوغان و”منحه” جزيرة سواكن لتكون مركزاً ثقافياً تركياً ظاهرياً، ومركز عسكري تركي باطنياً، يمكن اعتباره عمل من اعمال “التشويش والمشاغبة” على الأمن القومي المصري خصوصاً أن هناك خلافات جذرية بين السودان ومصر. إن إقامة هذه القاعدة الثقافية العسكرية في سواكن، هي في حد ذاتها خطوة خطيرة ولو بدلالاتها المعنوية أو الرمزية، فهي تدل على أن هناك نوع من التنسيق التركي – السوداني، وضمناً الأثيوبي التي هي عدو لمصر من خلال سد النهضة. أن هذه الزيارة خطيرة جداً وقد لا تكون لها مفاعيل قوية على الأرض لكن لا أحد يعلم كيف من الممكن أن تتطور مستقبلاً، فهذا التغلغل التركي بالسودان هو موجه بشكلٍ مباشر ضد الأمن القومي المصري.”
وحول موقف مصر من كل ذلك، يوضح الباحث نور الدين أن مصر “ليست غافلة عما تقوم به تركيا، لكنها في وضع صعب، فالإرهاب يضرب الداخل المصري، كما انها تعاني من تهديدات تأتي من ليبيا التي تمتلك معها حدود حدود طويلة جدا وبالتالي لا يمكن للقاهرة وقف او منع التسلسل عبر الحدود. في الشرق، توجد مشكلة سيناء وقطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة حماس الاخوانية، وأيضا إسرائيل التي لها مصلحة دائمة في تخريب الاستقرار الأمني المصري. بالتالي، ان خيارات مصر ليست واسعة وقوية وتحتاج إلى استراتيجية أقوى بكثير من التي تتبعها حالياً.”
وعن زيارته الى تشاد، يقول الدكتور نور الدين “إن تشاد تقع على حدود ليبيا، وليبيا تشكل خطراً على مصر. هذه الزيارة يمكن اعتبارها رسالة الى السعودية ايضاً. ان الربط التركي ما بين العلاقات مع تشاد والتواجد في سواكن سيمنحها نفوذاً على البحر الاحمر وبالتالي ستكون قريبة من الحدود مع اليمن. قطر من الشرق والتواجد التركي في سواكن من الغرب، سيعطي اردوغان الفرصة لاظهار مكانته وقدرته على التأثير في اللعبة الإقليمية.”
وحول تزامن جولة الرئيس التركي مع الزيارات التي قام بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد لدول أفريقية، يرى الباحث نور الدين أنه بطبيعة الحال “إن تركيا، بكل المنطقة العربية والشرق أوسطية، ليس لها صديق ولا حليف إلا قطر، وبالتالي هناك تنسيق كامل فيما بينهما على صعيد السياسة الخارجية والسياسات الدفاعية والعسكرية. لذلك، إن هذا التزامن، بتقديري، غير عفوي وهو يعتبر دخولاً من البوابة الخلفية لمصر وليبيا وحتى الجزيرة العربية من البوابة الإفريقية.”
وعن اختيار الرئيس أردوغان لزيارة دول عربية، بإستثناء تشاد، والامير تميم لدول غير عربية، يلفت الدكتور نور الدين إلى أن تركيا “تضع أفريقيا ككل ضمن أولوياتها، اذ ان الهدف الأساسي لأردوغان يكمن في إحداث ضغط على القوى الأكثر معاداة له، مثل السعودية ومصر وما يحدث فيها من عمليات ارهابية. بتقديري، ان تركيا ليست بعيدة هذه العمليات، فهي تقوم بكل ما من شأنه أن يضعف النظام في مصر، وبالتالي الأولوية التركية حالياً هو الضغط على مصر ومحاولة العودة بقوة أكثر إلى الساحة الليبية. أما قطر، فهي تمارس نفوذها، في المنطقة والعالم، من خلال المال بحيث تحاول الدوحة احداث نفوذ ما لها عبر الاستثمارات. بالخلاصة، تهتم تركيا بكل ما له علاقة بالأمن القومي المصري والعربي، اما قطر فتقوم مهمتها على لعب دور مأثر من خلال الاموال التي تضخها في الاستثمارات.”
مصدر الصور: صوت الأمة – الخليج أونلاين – الوكالة العربية السورية للأنباء