منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية والعالم يترقب مسارها وارتداداتها، وهناك خشية فعلية من امتدادها إلى دول الجوار في ظل التصعيد المتزايد من قبل الأطراف المتحاربة والداعمة لهما.

هنا، أود أن أشير إلى أننا دعاة حوار ونبذ للعنف والاقتتال والحروب والدمار، ودعاة إلى حلّ النزاعات بطريقة سلمية؛ لأن نتائج الحرب ستكون مدمرة وكارثية بغض النظر عن الفائز العسكري فيها.

أما اللافت فيها، فهو ما برز إلى العلن من حجم العنف والقتل والكراهية واستعمال أسلحة محرمة دولياً، وهذا يدعونا إلى التأمل والتفكير ملياً بكل العناوين البرّاقة التي كان الغرب يتكرم علينا بها ويعطينا الدروس حولها وعنها.

لقد سعت وكالات ومنظمات ودول – منذ عقود زمنية – إلى تشويه صورة الشرق، لا سيما عالمنا العربي والإسلامي، وصرفت أموال هائلة على تلك الدعاية وتسببت في تأجيج الصراعات الطائفية والدينية؛ للأسف، حققت هذه المساعي الكثير من أهدافها وها نحن نتخبط في مشاكلنا، ولم تجد الأعمال الساعية إلى التوحد والتلاقي – سواء الاقتصادية أو العلمية أو العسكرية – مبتغاها بعد. كما بات الإرهاب والقتل والعنف صفات ملاصقة لنا، ونحن نرفض ذلك بكل تأكيد.

يتباهون أمامنا بحرية الرأي والتعبير، وكل دولة تفرض نوعاً مختلفاً من الرقابة على إعلامها يتم التهجم عليها، وكأنها قمعية دكتاتورية؛ أما هم، فيحق لهم منع قنوات روسية من البث في دولهم وإغلاق مواقع التواصل عندهم، الا يعتبر ذلك خرقاً لحرية الرأي والتعبير؟

كانت مواقع التواصل لدينا تضج بصور الحدود بين الدول الأوروبية، وتوضح أن الفاصل بينها خط أبيض أو ملون فقط، ويترافق ذلك بعبارات الإدانة والإساءة للحدود بين دولنا؛ أما اليوم، فالحدود عندهم شبه مقفلة، وكل هذا الرقي ذهب على وقع صوت المدافع. في المقابل، يحق لهم فعل ذلك دفاعاً عن دولتهم وحدودها وشعبهم؛ أما نحن، فهذا التصرف يعتبر أحد مصادر التخلف والرجعية والإرهاب.

كم هو مرعب التصفية والقتل على أساس القومية والعرقية والهوية! وكم هي هائلة كمية الكره والحقد التي تمظهرت بعد أعوام طويلة من العيش الرغيد! ظننا أنهم تعلموا من حروبهم وأصبحوا في دول العالم الأول، ولكن وبكل حرقة، ضاعت كل تلك الجهود مع أزيز الرصاص.

كل العالم – تقريباً – استنكر هذا الغزو على دولة آمنة، ولكن أن تستباح فلسطين منذ أكثر من 70 عاماً ويهجّر شعبها وينشأ كيان محتل على أرضها، فعلى الشعب الفلسطيني أن يتقبل ذلك؛ وإذا قاوم، يكون إرهابياً ومجرماً. لا عجب، فبعض المراسلين تأسفوا على الطفولة والأطفال لأنهم ذوو عيون زرقاء وبشرة شقراء، وهم يقضّون مضاجعنا بعدم التمييز على أساس اللون أو العرق! تأسفوا على الدمار وكأنهم في العراق أو أفغانستان أو ليبيا، فالدمار هنا جائز وممتع ومرحب به!

عندما يمتنع لاعب عربي – أو من أي جنسية أخرى أو من أي دين أو غير متدين – عن منازلة لاعب اسرائيلي لأنه يمثل دولة محتلة، ويؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها يصبح وكأنه إرهابي ضد السامية. أما طرد روسيا واللاعبين الروس من كل الألعاب الرياضية، فهو عمل عظيم ودعم للحق في وجه الباطل!

الأسوأ من كل ذلك عندما يتم التفريق بين اللاجئين وتقسيمهم بين متحضر ومتعلم وآخر جاهل، من قبل مسؤولين في دول العالم الأول على زعمهم؛ لا بل يتم قبول لجوء هذا اللاجئ وتكريمه، والآخر – ولأنه من قومية مختلفة أو لون بشرته داكنة – يبقى لأيام وليالٍ على الحدود بدون رحمة ولا شفقة ولا احترام لحقوق الإنسان.

عذراً على هذه المقارنة، ولكن أردت أن أقول أولاً لأبناء جلدتنا: “نحن شعب متحضّر أكثر بكثير من غيرنا، ولدينا منظومة جميلة جداً من القيم والأخلاق، ولكن علينا تطبيقها بصدق”. وأقول ثانياً لكل العالم: “الإرهاب والقتل والتمييز العنصري والطائفي والقومي لا دين له ولا انتماء له، إلا الجهل والكره والحقد”.

كل ما نريده هو الكيل بمكيال واحد مع عدم اقتناعي بهذا النداء، لأن الدول الكبرى لا تعرف إلا مصالحها للسيطرة وإخضاع الشعوب، حيث “الغاية تبرر الوسيلة” لديها؛ وإذا تمت معاملة فلسطين وحقها في أرضها كما أوكرانيا، عندها نؤمن بتلك الشعارات التي يرفعونها.

كل ذلك لا يعني أن ليس هناك أناس بين الشعبين لا يتمتعون بطيبة ومودة واحترام بعضهم لبعض، وما معاملة بعض الأسرى من قبل بعض المدنيين من الطرفين إلا دليل على ذلك كما يحصل عندنا أيضاً. وكما نقدر تصريحات بعض المسؤولين وعدد من أصحاب الفكر والقلم، الداعية إلى المعاملة المتساوية بين الشرق والغرب وهذا ما يمثله منذ أيام كلام النائب الإيرلندي، ريتشارد بويد، حيث قال “العالم رأى أن 5 أيام كانت كافية لفرض العقوبات على روسيا و(فلاديمير) بوتين، بينما إسرائيل لم يفرض عليها أية عقوبات رغم أكثر من 70 سنة على احتلالها لفلسطين”. فلو يُترك للشعوب وعامة الناس خيارها الصحيح – بعيداً عن التعبئة الموجهة – لاختارت بالأعم الأغلب المساواة والاحترام والعيش الآمن.

نرجو ان تنتهي هذه الحرب بأسرع وقت ممكن وألا تتطور وتكبر أكثر ويذهب ضحيتها عشرات الملايين من القتلى والمعوقين، ودمار العديد من الدول والمدن كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثّانية من أجل نشوة نصر زائف قائم على جثث الأبرياء ودموع الأمهات وتشوهات الأطفال.

مصدر الصورة: إن.بي.سي نيوز.

موضوع ذا صلة: الأمم المتحدة ودورها في قضايا حقوق الإنسان

الشيخ كامل العريضي

كاتب – لبنان