تحتفل الجزائر بالذكرى 68 لاندلاع أهم وأعظم ثورة في تاريخ التحرر من قيود الاستعمار الغاشم الذي أراد طمس الهوية الوطنية، ولتختار الجزائر هذه الذكرى الغالية والمعبرة عن تاريخ مشرف حافل بالتضحيات لتنظيم قمة عربية تعبيرا منها عن أهمية العمل العربي المشترك للم الشمل وتعزيز التعاون العربي وبعث آفاقه بما يلبي تطلعات الشعوب العربية، التي وإن اختلفت في ظروفها واحوالها الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية والأمنية إلا أنها ما زالت تتقاسم نفس المصير وبحجم كبير من المسؤولية والتحديات بالنسبة للحاضر وتجاه الاجيال القادمة، خاصة وأن العالم برمته يعرف تحولات متسارعة ومتزايدة تفرض ضغوطاً ذات تأثير قوي في مختلف الجوانب الحيوية بالنسبة لمختلف المجتمعات، خاصة العربية منها التي كانت ومازالت مركزاً للاهتمام العالمي ولها منطقة تتميز بكثرة التجاذبات الإقليمية.

هذا بالإضافة لتراكمات القضايا العربية ذات الأولوية والتي مازالت لم تجد سبيلها نحو الحل، وهي في أمس الحاجة لجهود عربية تعيد الاهتمام بجوهر النضال العربي، الذي لا يحتاج فقط للاكتفاء باستذكار كفاح أجيال قدمت تضحياتها في فلسطين وفي مختلف الربوع العربية، بل يستحق تجديد الوفاء والعهد لصالح طموحات أجيال من الشعوب العربية التي لم تختلف أبدا في حق العيش الكريم ولا تتراجع في سبيل عزتها ومجدها، وهي ملتزمة بالحق الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة ذات السيادة.

وبالنظر للتحولات التي تمليها التطورات الدولية التي أعطت للعرب افضلية استراتيجية في المنطقة وفي العالم وبأوراق سياسية واقتصادية جد مؤثرة، لتختلف حاجة العالم للعرب عما كانت عليه قبل العمليات الروسية في أوكرانيا، مما سيعطي للقرار العربي المبني على منطلق التعاون أثرا كبيرا في مختلف الهيئات الدولية والاقليمية، إذا كل هذه الادوات والوسائل المعول عليها يمكن توظيفها لصالح القضية الفلسطينية التي لا تختلف فيها الشعوب العربية.

فلماذا لا تدرج أوراق الضغط الممكنة لصالح العرب في نقاشاتهم؟ ولماذا لا تدرس إمكانية تغيير أسلوب طرح الملفات العربية بكيفية تضمن مستويات عالية من الاستجابة الدولية وفق منطق من يكسب أوراق الضغط هو صاحب الأفضلية لتحديد المقترحات والحلول العملية بما يلبي تطلعات الشعوب العربية؟

ولأجل ذلك تسعى الجزائر بالتركيز على لم الشمل وتعزيز التعاون العربي، وهي تستقبل أشقائها العرب بكل حفاوة وبكرم ضيافة هي من أصلها وفي خصال شعبها النابض بقيم ثورته التحريرية، التي الهمت الشعوب حينها ومازالت تعطي دروسا في الكفاح والنضال المشروع لصالح التحرر والاستقلال.

ولتتميز احتفالات هذه الذكرى العزيزة والغالية بمشاركة الأشقاء العرب الذين كانوا مناصرين للشعب الجزائري أيام كفاحه، ولتكون هذه القمة على قدر كبير من الأهمية لثقل المسؤولية المتعاظمة في عالم يعيش ظروفا وتحولات ستمس حتما توازناته الاقليمية والدولية، ولترمي هذه القمة بثقل قادتها ودولهم ليثبتوا للعالم بأن العالم العربي مستعد أكثر من اي وقت مضى لتوحيد صفه بنهج التوافق والتعاون المثمر، وليقول العرب كلمتهم الموحدة بتأثيرها القوي في العالم بما يتناسب ومكتسبات هذه الأمة ومقدراتها التي يضرب لها ألف حساب.

ولتكون هذه القمة ذات أهمية كبيرة لأن التحديات التي تعيشها المجتمعات العربية والمشاكل المتراكمة في المنطقة لا يمكن حلحلتها الا من خلال تطوير اليات العمل العربي المشترك تحت مظلة الجامعة العربية، وأفضل سبيل لذلك يكون من خلال تحديث منظومة هذه المؤسسة وتحفيز فضاءاتها المختلفة وتطوير تنظيمها المؤسسي باعتماد خطوات جريئة ومهمة وعميقة في أهدافها وطموحاتها، وأهمها ضرورة لم الشمل لصالح الشعوب العربية وكذلك مساندة الحلول الداخلية النابعة من المجتمعات العربية التي تحتاج لمساعدة الاشقاء العرب، وتجسيد مختلف مشاريع الاستثمار البيني المتاح بفضل ما تتمتع به اغلب الدول العربية من ثروات استراتيجية بداية من الموقع الجغرافي الهام وصولا للموارد البشرية والمادية والطبيعية الهائلة.

مصدر الصورة: بوابة الوفد.

موضوع ذا صلة: هيبة الجزائر ومكانتها الإقليمية… عنوان نجاحاتها الجليّة

د. عمار إبراهيمية

كاتب وباحث – الجزائر