طرح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مبادرة الحوار الوطنى واقترن الاعلان عن هذه المبادرة بإطلاق سراح عدد من المسجونين في السجون المصرية، وهذه إشارة إلى أن الحوار الوطني سوف يكون شاملاً، ومن واجبنا أن نشجّع هذه الخطوة وأن نطورها لما فيه المصلحة الوطنية. وإلى الذين ينتقدون المبادرة – على أساس أنها في ظنهم جاءت متأخرة – أن يدركوا أن لكل شيء أواناً، وأن المجتمع المصري مر خلال هذه الأعوام بعدد من التحديات والانقسامات التي أعاقت وحدة الرأي والنظر في كثير من الأمور.
لكن ما تجدر الإشارة له هنا بأن الحوار الوطني يختلف عن الحوار المجتمعي في أمرين؛ الأمر الأول، إن موضوع الحوار المجتمعي عادة يدور حول قضية اجتماعية، مثل التعليم والصحة وغيرها. أما الحوار الوطني، فيتناول قضايا سياسية. الفرق الثاني، هو في نطاق الحوار نفسه؛ فالحوار المجتمعي يشمل المجتمع بأسره، ولكن الحوار الوطني يقتصر على القوى السياسية والشخصيات العامة ويركز على الرؤية الاستراتيجية على الوطن بأكمله. أما اطلاق سراح عدد من المسجونين فهو اشارة إلى أن اجراءات أخرى سوف تتخذ لتسهيل عملية الحوار، ولكن الحوار يتطلب عدداً من الشروط لنجاحه وألا يسير على منهج الحوار المجتمعي الذي فشل – حتى الآن – فشلاً ذريعاً بسبب عدم تنظيمه وفهم آلياته.
من خلال ما شبق، يمكن القول بأن هناك عدّة شروط يجب مراعاتها:
الشرط الأول، أن نحدد الهدف من الحوار، ولا مانع أن يكون الهدف والحوار على مراحل “حتى لا نحرث في البحر”.
إقرأ أيضاً: اندماج جنوب شرق أوروبا بمبادرة بلغاريا.. مصلحة لدول المنطقة
الشرط الثاني، هو تحديد موضوعات الحوار، ولا مانع أن تضاف موضوعات أخرى خلال عملية الحوار. وإذا كان الحوار والمبادرة قراراً، فإن الحوار نفسه عمليه يجب أن تبدأ وتكون مدرسة لتدريب الناس على أداب الحوار ولغة الحوار بدلاً من اللهجة العصبية والتشكيك في نوايا الآخر وعدم الموضوعية في تقييم سلوكه.
الشرط الثالث، أن الحوار يجب أن يركّز على الحاضر والمستقبل، وألا يتجه إلى النقد والانتقام والبحث عن ضحايا وبطولات.
الشرط الرابع، أن تتولى الحوار مجموعة من الشخصيات العامة المشهود لها بحب الوطن والموضوعية والإيمان بأن النظام هو جزء لا يتجزء من الوطن، ولكن لا أحد يملك الوطن ولا يصادر حقوق الشعب عند بلورة المصلحة العامة للوطن.
الشرط الخامس، لا بد من اتاحة الفرصة للمشاورات في مختلف قضايا الحوار قبل بدء الحوار العلني، وألا يتعرض الحوار للشكليات وأن يتولاه الإعلام فينحرف به عن غايته النبيلة، ويستحب أن يبتعد الإعلام عن الحوار حتى تنضج الفكرة وتستقر أركانها، كما يجب ألا يكون هناك حساسية من مشاركة جميع أجهزة الدولة بأقدار متفاوته فى ترتيب الحوار.
الشرط السادس، أن يتم الإيضاح بأن مخرجات الحوار ستترجم إلى سياسات تُصلح الأمور التي يراد اصلاحها؛ لذلك، يجب مراجعة ترتيبات الحوار فى كل مرحلة من مراحله، وأن تكون عملية مستمرة وليست مجرد فقعه.
وإذا جاز لنا أن نقترح موضوعات للحوار، فنوصي بمبدأ التدرج، فنبدأ بالموضوعات المتفق عليها حتى نبنى مبادئ الثقة المتبادلة، ثم ننطلق إلى المسائل المعقدة. ويجب أن يكون الهدف من الحوار المشاركة الفاعلة للقوى السياسية ومن بينها الأحزاب، التي تعطلت وظائفها لأعوام، وأن تكون مبادرة الحوار فرصه لتجديد الحياة السياسية ودفعها وتنشيطها.
أيضاً، لا مانع من أن تشمل موضوعات الحوار المجتمعي – مع الفارق بين الأثنين المجتمعي والوطني الذي أوضحناه أعلاه – ونضيف هنا بعداً آخر وهو أن الحوار الوطني تدخل فيه السلطة كطرف رئيسي، ولكن الحوار المجتمعي يقتصر فقط على المجتمع، ويترتب على ذلك أن الحوار المجتمعي يخرج بتوصيات تساعد صانع القرار في الموضوع محل الحوار، ولكن الحوار الوطني سوف يكتسب صفة أقوى لدى صانع القرار من الحوار المجتمعي، وليس معنى ذلك أن الحوار الوطني سيكون سلطة فوق السلطة، وإنما هو يساعد السلطة على اتخاذ الاحراءات الصائبة لخدمة المجتمع والدولة.
مصدر الصورة: المعهد المصري للدراسات.
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر