بدأت فكرة كتاب “السور الأحمر العظيم” بسؤال ربما ليس من محض الصدفة العام 2014. فأحد سفراء الصين في دولة إفريقية، سأله أحد الحاضرين في جلسة: “سعادة السفير ماذا تفعلون هناك، ولماذا هذا الاهتمام الكبير منكم بإفريقيا؟”، فأجابه السفير بسرعة المتيقن: “نحن نسعى لنؤمن استمرارية مصادر طعامنا، اليوم وغداً.. لا مكان في العالم اليوم أغنى من إفريقيا”.
هذا الكلام تلمسه بالأرقام والتفصيل والبحث العلمي د. علوان أمين الدين في كتابه “السور الأحمر العظيم: نظرية “فصل إفريقيا”، وكانت البداية من فصل جنوب السودان عن السودان، كمقدمة لتقسيم إفريقيا.
السور الأحمر العظيم
الكتاب الصادر عن مركز سيتا للدراسات الإستراتيجية – لبنان ويقع في 512 صفحة مقسمة على فصول عدة.
هذا الكتاب هو عبارة عن نظرية جيو – بوليتيكية تم العمل عليها على مدار ثمانية أعوام، ويتضمن دراسة تفصيّلية بالوقائع والأرقام والمستندات والخرائط لمنطقة الساحل الإفريقي، الغارق في الصراعات المتعددة عرقية وقبلية وأثنية، مما سيكون له الأثر الكبير على مستقبل القارّة وصراع القوى الكبرى فيها وعليها.
يتناول الكاتب علاقة الدول الأوروبية والصراع فيما بينها والتنافس على “القارة السمراء”، لأسباب عدة أبرزها القرب الجغرافي، والإرث التاريخي – الاستعماري، والتداعيات التي قد تولّدها الصراعات الإفريقية على دول “القارة العجوز”، هذا من جهة، وكيفية التدخل الأوروبي في منطقة الساحل والصحراء، على وجه الخصوص، من أجل تحقيق مصالحها الإقتصادية من جهة أخرى، وهو ما يتقاطع اليوم مع مصالح دول بعيدة عنها نسبياً، مثل الصين، التي تشكل مركز اهتمام مستجد، وروسيا والسعودية وتركيا و”إسرائيل” وإيران، والتي تفتش عن موطئ قدم لها فيها من أجل تحقيق أهداف متعددة أهمها على الإطلاق الأبعاد الإقتصادية، وأخرى سياسية ودينية وغيرها. وثمّة من يرى برأي المؤلف، أن الغرب “قسّم إفريقيا إلى إفريقيا شمال الصحراء، وإفريقيا جنوب الصحراء، وإفريقيا العربية وإفريقيا الإفريقية، وخلق تناقضاً بين العروبة والأفرقة، وبين الإسلام والأفرقة، بالإضافة إلى التقسيم الأخير بين الجماعات الإسلامية وبين الدول سواء إسلامية كانت أم غير إسلامية”.
السودان البداية
إن تقسيم السودان، في العام 2011، قد يكون المثال الأبرز على مسألة فصل إفريقيا، دينو-غرافية. وبالحديث عن أسباب الانفصال، اختلف العديد من الساسة والباحثين حول تحديد الأسباب الحقيقية “فمنهم من يعتقد، بأن هذه الأسباب تتمثل في التالي: اضطهاد الشمال للجنوب، واعتبار الجنوبي مواطناً من الدرجة الثانية، فرض الثقافة العربية الإسلامية على الأفارقة المسيحيين والوثنيين، وإهمال مشاريع التنمية في الجنوب وقصرها على أهل الشمال والوسط”، إضافة إلى أسباب عدة ليس أقلها مسألة غنى الجنوب بالنفط ورغبة العديد من الدول الصناعية بالحصول عليه.
إن قرار الانفصال جاء بضغط أميركي، بغية “تقليص الدور المصري والفصل بين شمال إفريقيا والبلدان الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى، وكانت الخطوة التالية هي فصل دارفور الغني بالنفط عن السودان على أن تليه منطقة شرق السودان التي تشكل امتداداً للمنطقة الجنوبية الشرقية من مصر”.
ويشير المؤلف إلى مسألة مهمة تربط ما بين كل من السودان ونيجيريا، وهي قضية إقليم دارفور وإمكانية انفصالها عن الخرطوم. فعلى الرغم من عدم وجود حدود (برية مشتركة) بين السودان ونيجيريا، إلا أن الأخيرة حرصت على لعب دور فعال في أزمة دارفور، ثم إن نيجيريا عرفت على غرار السودان الحرب الأهلية والتمرد والانقلابات العسكرية، ولها خبرة في القضاء على محاولة انفصال إقليم بيافرا بقوة السلاح عام 1967 من القرن الماضي.
وفي مسألة إمكانية تقسيم نيجيريا إلى قسمين، يستبعد أمين الدين التقسيم (شمالي مسلم – وجنوبي مسيحي)، بسبب صعوبة تحقيق هذا الأمر خصوصاً لأن “سياسة أبوجا ذات توجهات غربية بشكل كبير، فهي أول شريك اقتصادي إفريقي للولايات المتحدة، لا سيما في قطاع النفط، كما أن الأخيرة سعت إلى إدخالها في مجموعة العشرين، وطرحت اسمها كعضو دائم في مجلس الأمن، عندما تصاعد الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة في أواخر القرن الماضي، ومع انجذاب جنوب إفريقيا إلى الشرق، ودخولها ضمن منظومة البريكس، باتت واشنطن أكثر إصراراً على تقويتها اقتصادياً من أجل أن تكون المنافس والبديل لكايب تاون”.
تشاد.. شرخ حضاري
وعند النظر إلى خريطة تشاد، نرى بوضوح كيف أن الحزام الساحلي يمر في وسط البلاد بحيث يقسّمها إلى شطرين: شمالي وجنوبي؛ وتالياً تقسّميها إلى: جزء شمالي، وثاني صحراوي ساحلي في الوسط، وثالث وأخير جنوبي.
إقرأ أيضاً: السور الأحمر العظيم: نظرية “فصل إفريقيا”
وعند النظر إلى مسألة الديموغرافيا، يتبين أن المسلمين يشكلون ما نسبته نحو 52%، بینما يشكل المسيحيون ما نسبته 44% تتوزع بين البروتستانت (24%) والروم الكاثوليك (%)، أما النسبة المتبقية فهي لبعض المذاهب المسيحية الأخرى والأقليات.
ومع ربط الديموغرافيا بالجغرافيا، يتبين لنا وجود المسلمين في مناطق الشمال والوسط، الواسعة، والمسيحيين في مناطق الجنوب، قليلة المساحة. من هنا، يشير المؤلف إلى وجود تشابه كبير مع ما هو موجود في السودان، الجارة الشرقية، وبين تشاد من حيث التركيبتين الديموغرافية والاجتماعية.
لكن المطران التشادي، إدموند دجيتانغار، أشار إلى مسألة الخوف على التعايش المسيحي – الإسلامي المشترك في منطقة الساحل عموماً، وتشاد خصوصاً، مع حملات الأسلمة، التي تقوم بها بعض الدول، حيث أشار إلى أن “سفير المملكة السعودية يعتبر أن التأثير الديني يدخل في مهامه كدبلوماسي. حيث كشف عند انتهاء ولايته: لقد قمت ببناء 100 مسجد في البلاد، ما يعتبره نجاحاً لمهمته”.
صراع المذاهب
لا يغفل الكاتب عن الصراع المذهبي في القارة، ويشير الى ان رقعة التوتر أمتدت بين إيران والسعودية جغرافياً إلى إفريقيا، حيث تعتبر الرياض المد الإيراني، “تهديداً لأمنها القومي” ومصالحها فيها والتي يمكن أن تطيح بها إيران بعد خروجها من عزلتها الاقتصادية والسياسية، ويشير المؤلف الى ( أن السعودية وظفت كل ثقلها الدبلوماسي والاقتصادي لعزل إيران دبلوماسياً في القارة)، حيث عملت على إقناع “أصدقائها” في إفريقيا بقطع علاقاتهم الدبلوماسية مع طهران بعد رد الفعل على إعدام المملكة الشيخ نمر باقر النمر، إذ لم تتردد بعض تلك الدول في الإنحياز إليها، ومن بينها السودان وجيبوتي والصومال، وقد لعبت العوامل الاقتصادية والجغرافية “دوراً كبيراً في تشكيل خارطة نفوذ البلدين في إفريقيا التي دانت في جزئها الشرقي للمملكة، بينما ينحصر النفوذ الإيراني في دول إفريقيا جنوب الصحراء”.
من هنا، يرى أمين الدين، أن الرياض حاولت الاستثمار في الفراغ الديني قس غرب إفريقيا ودول الساحل على امتداد الصحراء الكبرى، إذ يحصل العلماء والدعاة “الشناقطة” (نسبة الى مدينة شنقيط في موريتانيا التي اشتهرت بكثرة علمائها ومدارسها الدينية) على دعم مالي كبير في نشر الدعوة السلفية على مقاس “الإسلام السعودي”، السلفي الوهابي.
لذا يمكن تلخيص الفكرة – النظرية بالنقاط التالية:
– تشكل إفريقيا نحو 60% من الأراضي الخصبة في العالم، ما يثير رغبة الدول الكبرى بالحصول على قطعة من هذه الجبنة الدسمة بعد تراجع الموارد في معظم الدول.
– قرب القارة من أوروبا مما يشكل نقطة احتكاك متفجر، بالقارة العجوز التي تشكو من الغزو الإفريقي لها بالهجرة غير الشرعية وعصابات الارهاب والتهريب والمخدرات وغيرها، وهذا ما يخيف الأوروبيين، لذا يسعون لإقامة حاجز ديمغرافي يمنع مثل هذه الظواهر عنهم، هذا القطع أو الفصل، يعني فيما يعنيه وقف تمدد الديمغرافيا الاسلامية، وأكثريتها في الشمال، وبين الديمغرافيا المسيحية المقيمة بغالبيتها في الجنوب، ما يعني إقامة سد بوجه العنف المتولد من الاحتكاكات المتقابلة ويحول من الوصول اليهم.
– إقامة الجدار الأخضر سيرافقه مجموعة من المشاريع منها القطار الضخم الذي سيربط بين شطور القارّة ولكن ذلك أيضاً سيرافقه تنظيم عملية وضع اليد من قبل الاستعمار على مراكز الثروة والمواد الأولية.
الدخول الصيني إلى إفريقيا
أولاً، إن الدخول الصيني على خط تمويل شبكات الطرق قد يكون من أهم الأسباب التي قد تقضي على هذه المشاريع، أو تجعل من الدول التي لها نفوذ تاريخي في القارة، كفرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة مجدداً، تعرقل سيرها ما لم تصب ضمن خانة مصالحها. على صعيد بكين، فهي مهتمة جداً ببناء شبكة مواصلات، وكذلك حال منظمة التعاون الإسلامي التي ترى بضرورة إشراك الصين لا سيما في مشروع طريق داکار – جيبوتي، TAH5 وTAH6، لكونه ينسجم مع مبادرة “حزام واحد.. طريق واحد”.
ثانياً، أطلق العديد من المراقبين تسمية “طريق الحرير لمنطقة الساحل – الصحراء”، على سكة الحديد إلى بورتسودان بسبب الاهتمام والتمويل الصينيين للمشروع في حين تمثل نيجيريا “المنعطف الحاسم” الذي لا غنى عنه للطريق، فهي لا تزال تشكل عقدة مهمة للغاية على “طريق الحرير” الجديد حتى من دون روابطها المتنوعة مع بقية مناطق غرب أو شرق إفريقيا، خصوصاً مع “ممرات الحرير” الثلاث فيها لاغوس – کالابار، لاغوس – کانو، بورت هارکورت – مایدوجوري، هذا إذا ما تم الجمع بينها كحزمة بنيوية أساسية متكاملة ستكسب المشروع الموحد أهمية أكبر بكثير، خصوصاً عندما يتم ربطها بالمشاريع الأخرى، كحلقة السكك الحديدية في غرب إفريقيا والطريق السريع عبر إفريقيا/السكك الحديدية THA5.
ثالثاً، خلال أولى زياراته الإفريقية في مايو/أيار 2014، أكد رئيس مجلس الدولة الصيني، لي که تشيانغ، على أهمية السكك الحديدية السريعة لدبلوماسية بكين، عارضاً خطته لتوصيل المدن الإفريقية الكبرى عبر شبكة سكك حديد عالية السرعة، هذا المشروع يقع في قلب رؤيته لشراكة صينية – إفريقية، حددها في كلمته أمام الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا.
وقد أعلنت شركتان صينيتان خططاً لبناء خط سكة حديد لربط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مع جيبوتي، کما وقعت الصين عقداً لتطوير ربط سكة الحديد، بين مومباسا، أكبر موانئ کینیا، مع العاصمة نيروبي حيث أن أي اتصال بين الشرق والغرب عبر خط عرض إفريقيا سيكون بمثابة امتداد فعلي لمبادرة “الحزام والطريق” إلى المحيط الأطلسي، ومثل هذا الارتباط من شأنه أن يزيد الوجود الصيني بشكل كبير ضمن القارة.
إن الدخول الصيني إلى القارة السمراء غير مرحب به من قبل الدول الاستعمارية وخاصة اميركا، هناك أيضاً تخوف من الدخول (الروسي) خصوصاً بعد إعلان موسكو رغبتها المشاركة في بناء ممرات سكك حديد على الخط نفسه، مؤكدة جاهزيتها للمشاركة إلى جانب المؤسسات الوطنية المهتمة بالمشروع، شريطة الحصول على تأكيدات رسمية من جانب الدول ذات العلاقة بتقديم نماذج مالية وتنظيمية وقانونية مفصلة له.
في هذا الخصوص، يعتقد الباحث جمال واكيم أن “الاستراتيجية الأميركية توجب محاصرة القوى الأوراسية ومنعها من الوصول إلى طرق الملاحة البحرية؛ وأن الصعود الصيني في إفريقيا سيجعل من القارة ساحة أساسية للصراع، لذلك، ستمنع الولايات المتحدة أية قوة أوروبية أو أرواسية، بالتحديد، من الوصول إلى إفريقيا عبر محاولات احتوائها ومحاصرتها ومنعها من الوصول إلى طرق الملاحة”.
ورغم ذلك يأتي الدخول الصيني إلى دول إفريقيا، حيث أن القارة الإفريقية بحاجة، في لحظة من اللحظات، إلى إدخال شرکاء جدد إليها بالتزامن مع كونها باتت تشكل “قُبلة” للأقطاب الدوليين، بالإضافة إلى أنها كانت بحاجة ماسة إلى شريك اقتصادي يتفهم الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية لهذه القارة، والدخول على مسار إنتاج النفط، الذي بدأ مع انعقاد القمة الرئاسية الصينية – السودانية في بكين، خريف العام 1995، حيت انطلقت بداية التعاون النفطي بين البلدين، وكانت بمثابة الخطوة الأولى لتوجه الشركات الصينية إلى القارة. كما أن بكين بارعة “بالسياسة الانسيابية” حيث إنها تدخل على خط الاقتصاد من دون إحداث تغيير في البيئات والمجتمعات، بل تحرص على عدم المساس بها، وينبع ذلك من قاعدتين؛ القاعدة الأولى، مبدأ عقائدي متجذر في طقوسها، أما القاعدة الثانية، فهي منطلق سیاسي يقضي بعدم التدخل في شؤون الآخرين كي لا يتدخل أحد في شؤونها، هذه العوامل، جعلت من الصين عنصراً “غير مستفز” للدول، ناهيك عن الكتلة النقدية الضخمة التي تمتلكها.
مخاوف أوروبية من الهجرة
يمكن الإشارة هنا إلى عدد منها، أبرزها:
أولاً، تسلل الإرهابيين: إلى جانب الموضوع الاقتصادي، يمكن الخوف أوروبا من وصول الإرهابيين إليها، خصوصاً من جهة البلقان، وهذا يعد من أكبر المخاوف التي تساور الأوروبين، حيث تعتمد هذه التنظيمات على تجارة الممنوعات، من أجل توفير المال اللازم لتمويل نشاطاتها.
ولا يخفي المراقبون المتخصصون بالمخدرات علاقة عصابات التهريب مع التنظيمات الإرهابية في إفريقيا، حيث يلاحظ تشابك الإرهاب “التكفيري المسمى الجهادي”، بصفة خاصة، مع التنظيمات الإجرامية في العديد من البلدان، فالجهاديون ينددون بتعاطي المخدرات ولا يأنفون من المساهمة النشطة في تهريبها وتداولها.
يكاد يجمع الكثير من الباحثين على أن أحد الأسباب الرئيسة وراء نمو الإرهاب يعود إلى فشل أنظمة دول إفريقيا، لا سيما تلك الواقعة على خط الساحل، في إقامة دولة بالمعنى الحقيقي، وقد يعود ذلك، في جزء كبير منه، إلى مشكلة الحدود الجغرافية المتوارثة عن الحقبة الاستعمارية، التي لم يراع فيها التنوع الإثني والقبلي.
ويرى الباحثون أن أسباب النزوع الراديكالي العنيف في إفريقيا ترتبط بقضايا متعددة وأبرزها غياب الدولة الوطنية، وتفشي الفساد، والتهميش الاقتصادي والاجتماعي. وهذا يؤثر على جميع الخطط التي وضعتها مجموعة الساحل للمستقبل هو الفساد، حيث تشير الكثير من التقارير الدولية إلى أنه منتشر بقوة داخل دول الساحل الإفريقي، ويعيق عمل حكوماتها، مما يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل جهود تلك الدول في القضاء على الإرهاب.
كما تكشف بعض التقارير التاريخية أن القارة الإفريقية شهدت 204 إنقلابات، نجح منها 100 وفشل 104، منذ حصول أغلب دولها على الاستقلال في بداية ستينيات القرن العشرين، وبلغة الأرقام، يمكن الإشارة إلى أنه في الفترة ما بين منتصف الستينيات والسبعينيات (1966 – 1976) “سجلت أكثر من 100 محاولة عسكرية للانقلاب بين فاشلة وناجحة. وبلغت الانقلابات في بعض الدول 5 إلى 6 انقلابات مثلما حدث في كل من نيجيريا وأوغندا وغانا وبوركينا فاسو والبنين وموريتانيا. وفي المقابل، شهدت 13 دولة انقلاباً عسكرياً واحدة فقط”.
إن أحد أسباب الانقلاب الذي حصل في غينيا مثلاً على الرئيس ألفا كوندي، بقيادة العقيد مامادي دومبويا، هو “معدن البوكسيت” (الذي يعد المصدر الرئيسي في صناعة الألمنيوم حيث تحتل غينيا المركز الثالث في انتاجه عالمياً) والحديد. فيما يخص المعدن الأول، تشير المعلومات إلى أن بكين استوردت أكثر من 52 مليون طن منه، بالإضافة إلى مشاركة 14 شركة صينية – عامة وخاصة – في أعمال الألمنيوم في كوناكري.
أما بالنسبة للمعدن الثاني، تعتبر غينيا موطناً لمشروع “سیاندو” (الذي يمتلك أكبر رواسب الخام الحديد في العالم)، وقد تراكمت في المشروع احتياطيات تزيد على العشرة مليارات طن من خام الحديد عالي الجودة، وقد اتجهت الأنظار إلى الصين التي استثمرت شركاتها بكثافة في مشروع التعدين، ومن خلال كل ذلك، يطرح السؤال عن مدى الترابط ما بين وجود علاقات قوية بين العقيد دومبويا بكل من فرنسا والولايات المتحدة، من جهة، ومسألة الانقلاب بما يخص إعادة النظر في الوجود الصيني لصالح الدول الغربية.
ويؤكد أمين الدين أن فرنسا قد خسرت إفريقيا وإلى الأبد، حيث إنها تعاني الكثير في منطقة الساحل الإفريقي، لكنها تعيش مأساة ميدانية عسكرية مع العجز عن التقدم وتوالي الانتكاسات والهزائم الدبلوماسية مع امتناع الدول الأوروبية وأميركا عن الحضور عسكرياً في دول الساحل بالشكل الذي تريده باریس.
وتكشف المعلومات برغبة الولايات المتحدة في تخفيف عديد قواتها، إن لم يكن الانسحاب من تحالف مكافحة الإرهاب، بعد تغيير في الاستراتيجية من تدمير تلك التنظيمات إلى احتوائها، إن خطوة سحب الجنود الأميركيين من منطقة الساحل، جزئياً، هو جزء من محور عالمي يهدف إلى إعادة تركيز المزيد من الموارد العسكرية تجاه الصين.
لا شك بأن الإرهاب في منطقة الساحل، من الشرق إلى الغرب، يعد مشكلة حقيقية تواجه الكثير من الدول، خصوصاً الأوروبية منها، فهو يساهم حقاً في مسألة “فصل إفريقيا” وهنا بعض التداعيات وأبرزها:
ثانياً، إن سيطرة التنظيمات الإرهابية على شبكة الطرق الدولية، خصوصاً مع وجودها على طول خط منتصف القارة، سيسهل عليها الحركة مما يجعلها قادرة على تنفيذ العمليات القتالية ضد الدول والجيوش، وسيكون أيضا عاملاً لاكتساب المال خصوصاً مسألة تأمين وتسهيل مرور المهربين لقاء بدل مادي يساعدها على تمويل نشاطاتها.
ينظر المؤالف إلى إفريقياعلى أنها “قارة المستقبل”، بالنسبة إلى الزراعة بالتحديد، وهي ستشكل محور الصراع على الغذاء والماء، بعد أن يحسم الصراع أو تخف حدته على النفط والغاز، لذلك، بدأت العديد من الدول الكبرى، كالصين، العمل في القطاع الزراعي ضمن القارة من أجل تأمين غذاء شعبها، كي لا تكون تحت رحمة دول أخرى منافسة، أي إعادة تجربة روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي، التي كانت تعتاش على القمح الأميركي، بعدما كانت إحدى الدول المصدرة له.
القواعد العسكرية الغربية
يمكن ملاحظة مدى أهمية شريط الساحل الإفريقي والمناطق المحاذية له، حيث تتمركز غالبية القواعد العسكرية الغربية على طوله من السنغال وصولاً إلى جيبوتي. وسنحاول، بما يتوافر لنا من معلومات، أن نضع خرائط توزع القواعد العسكرية، وتحديداً الأوروبية:
– القواعد العسكرية الفرنسية – والروسية
هناك ثلاثة عوامل أساسية ترتكز عليها فرنسا، كدولة عظمی، وهي مقعدها الدائم في مجلس الأمن، والقدرة النووية، ثم إفريقيا، حيث قامت بتوقيع عدد من المعاهدات الدفاعية والتحالفات، وصلت إلى نحو 121 اتفاقاً، مع العديد من دول إفريقيا خدمة لمصالحها وتكبيلاً للقارة وشرعنة تمركزها العسكري المباشر فيها، وبسبب تكلفة الوجود العسكري المباشر المادية والبشرية، قلّصت فرنسا عدد قواعدها العسكرية في القارة إلى 6 قواعد فقط في جيبوتي وتشاد والسنغال وساحل العاج والكاميرون والغابون، وكانت آخر قاعدة تمت تصفيتها في إفريقيا الوسطى.
إقرأ أيضاً: السور الأحمر لفصل إفريقيا: كتاب يستحق القراءة مع أزمة الغذاء العالمي
وإذا ما قمنا بتشبيك هذه القواعد الثلاث، نرى أن مناطق وجود مادة اليورانيوم تقع ضمنها، حيث يمكنها أن تحصر مناجم هذا المعدن المشع في نطاق عملها، ناهيك عن قربها من الحدود الجزائرية مع توافر معلومات عن وجود هذا المعدن في الأحواض القريبة إلى جانب النفط، وفي يونيو/ حزيران 2019، وقعت فرنسا اتفاقاً للتعاون العسكري، في حين تحاول موسكو جاهدة تقدیم بديل متوازن للهيمنة الفرنسية في منطقة النفوذ الفرانكفونية من خلال إبراز قدرتها في مجال محاربة الإرهاب. والملاحظ أن موسكو نجحت مؤخراً في إنشاء محور نفوذ إفريقي يربط بين ساحلي المحيط الأطلسي والبحر الأحمر عبر جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان. وفي ظل الخطط الأميركية المتعلقة بخفض الوجود العسكري في إفريقيا وإمكانيات إعادة تقييم فرنسا لوجودها العسكري في الساحل، ربما يحدث فراغ وبالتالي ما يعطي القوى الصاعدة الأخرى فرصة للتدخل.
وبالفعل تشارك روسيا في التعاون الأمني مع 19 دولة في إفريقيا. ويشمل ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى والكاميرون وتشاد ونيجيريا والنيجر ورواندا وغامبيا وغانا وإثيوبيا وغيرها. وليس هناك شك في أن بعض دوافع موسكو في حركتها الإفريقية يتعلق برغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إحياء مكانة بلاده كقوة عظمى. “إنها على ما يبدو ملامح حرب باردة جديدة قيد التشكل في جبهة الساحل الإفريقي بالغة التعقيد والتشابك”.
– القواعد العسكرية البريطانية والأميركية
بعد البدء بعملية خروجها من الاتحاد الأوروبي بدأت لندن بالتفتيش عن أسواق جديدة لتصريف منتجاتها وإقامة علاقات تجارية تستفيد منها بدلاً من السوق الأوروبية. من هنا، عقدت القمة المشتركة البريطانية – الإفريقية، يناير/ كانون الثاني 2020. وكانت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي قد وضعت حينها ما عرف بـ “استراتيجية إفريقيا” الجديدة للمملكة المتحدة، واعدة بشراكة جديدة مبنية على الازدهار المشترك، حيث سيجري توجیه موارد بريطانيا نحو مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا، مع انتشار لبعض الوحدات العسكرية، مع الأشارة إلى ان القواعد العسكرية، للوجود البريطاني في إفريقيا يقتصر على 250 جندياً في قاعدة غاو – مالي.
أما قواعد القوات الأميركية فهي تمتد على طول خط الساحل. فبعد أحداث 9/11، تشير المعلومات إلى أن واشنطن بدأت بضخ مئات ملايين الدولارات لتدريب وتسليح عدد من الجيوش الإفريقية، كمالي والجزائر والنيجر وتشاد وموريتانيا ونيجيريا والسنغال من أجل مواجهة الإرهاب، ناهيك عن استحداث قيادة خاصة لإفريقيا تدعي أفريكوم. وفي 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2007، أعلن وزير الدفاع الأسبق، روبرت غيتس، أمام لجنة التسليح في مجلس الشيوخ الأميركي، عن تشكيل تلك القيادة في إفريقيا – أفريكوم، وبذلك تنتقل أميركا من مرحلة التعاون العسكري مع البلدان الحليفة إلى مرحلة إنشاء قواعد واکتساب حضور عسکري مباشر في القارة الإفريقية، وهو المشروع الذي تضمن من خلاله الولايات المتحدة عدة أهداف استراتيجية منها، وضع اليد على منابع النفط الإفريقية التي تشكل 25% من المخزون العالمي، وتأمين تدفق إمدادات النفط الإفريقي الأقرب إلى السواحل الأميركية، وهي الإمدادات التي ينتظر أن يتزايد الاعتماد الأميركي عليها في السنوات المقبلة.
يؤكد الباحث أن هناك مشروعاً لفصل جنوب القارة عن شمالها عبر “السور الأخضر العظيم” وهو زراعة خط بعرض خمسة كيلومترات يشطر القارة بين شمال صحراوي وجنوب أخضر يساهم بوقف الزحف الرملي باتجاه الغطاء النباتي.
يتحدث الكاتب عن وجود نظريّة تستند إلى مبدأ إراقة الدماء على الوجهين الخضر والأحمر، لاتمام عملية الفصل، ولكنها في أحسن الظروف ستضع شعوب إفريقيا في عين العاصفة ويتعرضون لسيل من الدماء على مساحة القارة الإفريقية ولأنواعٍ شتى من القهر وسلب الحرية وخيرات الأرض، لإقامة هذا السور.
المصدر: الميادين نت.
مصدر الصور: إندبندنت عربية – العربي الجديد – Middle East Online.
كمال مساعد
كاتب وباحث مختص بالشؤون الدولية – لبنان