قضت سوريا مساء الأمس، مساءاً ساخناً من خلال هجمات صاروخية “إسرائيلية” على مدينة مصياف، التابعة لمدينة حماة، وكما ذكرت المعلومات ان الدفاعات الجوية السورية صدت معظمها.

ربما اعتاد السوريون على مثل هذه الأحداث، المتكررة من الجانب الصهيوني، فمن يستبيح أراضي الغير دون محاسبة ودون قيد أو شرط، لا شك بأن جرائمه في ازدياد، ربما سوريا كانت تراعي الاتفاقيات مع الجانب الروسي، لكن وسط المعلومات التي تتحدث عن انسحاب القوات الروسية من بعض المواقع أحدث حالة من الإرباك في الداخل السوري، وهو ما يفسر الآن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى إيران، التي هي ربما للتنسيق مع الإيراني بعد الانسحاب الروسي، فأراد الكيان الصهيوني إرسال رسالة سريعة للإيرانيين، بأن ما من شيء سيتغير بل على العكس، ومن هنا سنعمل على تفنيد هذه التفاصيل من زاوية قانونية وبنفس الوقت من زاوية سياسية.

لكن الأكيد أيضاً، أن الكيان الصهيوني في حالة هلع، لأن إيران كذلك الأمر، كانت تغض النظر عن الاعتداءات المتكررة على قواتها وحلفائها في سوريا، ربما بالتنسيق مع الجانب الروسي، ومع أفول الأخير، يبدو أن سيناريو الاشتباك سيتغير، وقد تشهد الساحة السورية عودة للإرهاب في المناطق الساخنة، فقد سمعنا بالأمس أيضاً عن استهداف حافلة مبيت تقل جنوداً سوريين، قضوا في ياستهداف حافلتهم بإحدى مناطق ريف حلب، ومن المفيد بمكانٍ ما ذكر أن الانسحاب الروسي جاء على خلفية الحرب الأوكرانية، ففي الحالة التي تعيشها روسيا أصبحت بحاجة إلى قطعاتها العسكرية خاصة المتواجدين في سوريا، نظراً للخبرات التي اكتسبوها في التعامل مع المعارك المختلفة عن أية معارك في أي حروب كانت، وهذا من جهة.

من جهةٍ أخرى، الكيان الصهيوني يتدخل في الحرب الروسية – الأوكرانية، لصالح الأخيرة، وربما روسيا تريد سحب الصهاينة إلى صفها في هذا الحرب في ظل العزلة الدولية الخانقة التي أغرقت نفسها بها، بالتالي، تحاول روسيا استمالة هذا الكيان لقدرته “إن أراد” من الممكن أن يؤثر لصالحها في تغيير أو تخفيف التغير الغربي خاصة على الصعيد الاقتصادي، دون أن تقدم تنازلات، مع الإشارة إلى أن الكثير من اليهود ومن داخل (الكيان الصهيوني) كانوا قد اشتروا أراضٍ واسعة في أوكرانيا خاصة الخصبة منها، بالتالي، أوكرانيا مهمة للعمق الصهيوني على المستوى العالمي.

بالعودة إلى المسرح السوري، علمنا أن الجانب الروسي يجري عمليات إعادة تموضع قوات واسعة النطاق في سوريا، وفقاً للمعطيات الميدانية، وزعمت أن إيران حلّت فصائل تابعة لها في العديد من المواقع التي أخلتها وحدات روسية أخيراً، للمشاركة في الحرب الأوكرانية، وسط معلومات توقعت طول أمد الحرب هناك، لكن للمهللين بالانسحاب الروسي، لا بد من قول حقيقة صادمة لهم، مفادها، إن روسيا لن تنسحب من سوريا بشكل كامل بعدما سنحت لها الفرصة بالوجود العسكري في المنطقة، وهذا كان هدفاً روسياً بعيداً، فهل يُعقل أن تخلي الساحة والمياه الدافئة على البحر الأبيض المتوسط للولايات المتحدة الأمريكية، قطعاً هذا لن يحدث، فلدى القوات الروسية قواعد عسكرية منشترة في العديد من المناطق السورية، ولن تغامر بخسارتها بقعة جغرافية مهمة لها تحت أي أسباب، فالأجدر التركيز على أن هذا الانسحاب هو انسحاب جزئي اقتضته المرحلة، على أن يتغير الوضع بانقضاء أهداف العملية العسكرية الروسية التي تسير وفق بيانات الكرملين وفق المخطط الموضوع لها.

من الناحية القانونية، إن الاعتداء على دولة ذات سيادة لا يجوز قانوناً، بالتالي، يخالف الكيان الصهيوني الأعراف والقوانين الدولية منذ أن تم زرعه في منطقتنا العربية، فقد نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يحمل رقم (/2131/(A/RES 31 في ديسمبر/ كانون الأول 1965، بفقرته الأولى أنه ليس لأية دولة حق التدخل بصورة مباشرة، أوغيرمباشرة، ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية، أوالخارجية لأية دولة، كما شجبت كل تدخل مسلح، أوغيرمسلح ، أو تهديد، يستهدف شخصية الدول، أوعناصرها السياسية، والثقافية، والإقتصادية، كما أشارت الفقرة أيضاً إلى عدم جوازاستخدام أي تدبيرلإكراه دولة أخرى على النزول عن ممارسة حقوقها السيادية، بالتالي، إن الكيان الصهيوني انتهك 12 اتفاقية وقراراً ونصاً قانونياً صادراً عن أعلى هيئات أممية عالمية ووقعت عليه أكثر من 170 دولة، ومارس الكيان أكثر من 30 فعلاً يرتقي في غالبيته إلى جرائم حرب ضدَّ الفلسطينيين وحقِّهم في أرضهم ومقدساتهم في فلسطين المحتلة، كذلك بممارساته ضد لبنان وسوريا وكل مكان له أذرع فيه، ولعل هجوم قواته على نعش الإعلامية الفلسطينية “شيرين أبو عاقلة” أحدث مشهد يبين مدى جرائمه، وبالأمس غاراته الكثيفة على سوريا، وأنا أكتب هذا الموضوع، كنت قد قرأت خبر استشهاد طفلة سورية بغارات الكيان الصهيوني لتضاف ضحية جديدة لجرائمه المستمرة دون رقيب أو حسيب، ودون تحرك عربي أو دولي يجرّم هذا الكيان المارق على زعزعته لأمن وأمان المنطقة فعلاً إنه “مرض خبيث” يجب استئصاله.

بالعودة إلى الشق السياسي من هذا الموضوع، وبالتركيز قليلاً على جزئية الانسحاب الروسي من سوريا، الذي أفاد بالمقدمة إيران لا سوريا، لأن الوجود الروسي أساساً كان يحدم الكيان الصهيوني المقام الأول، من مسألة التمدد الإيراني في المنطقة، الأمر الذي أثار مخاوف لدى كيان الاحتلال، حيث يمكن لإيران إرسال وحداتها إلى سوريا بسهولة، وسيكون لديها سيطرة أكبر في البلاد، إذ أن إحدى النظريات التي حاولت فهم القرار وصلت إلى أن الانسحاب جاء نتيجة اتفاق روسي – أميركي حول الطريق الذي ينبغي على عملية التفاوض في جنيف أن تنتهجه؛ بل وحول مستقبل سوريا كذلك. لكن ليس هناك من دليل على الإطلاق على أن واشنطن كانت على دراية بالقرار الروسي قبل الإعلان عنه، أو أن القيادة الروسية شاركت أيّاً من الأطراف الأخرى المعنية بالمسألة السورية في اتخاذه، بالتالي وكما ذكرنا آنفاً هذا الانسحاب يعني، سحب الكتلة الأكبر من الطائرات والمعدات والجنود والضباط الروس من قاعدة حميميم، وليس جميعهم. ثمة عدد من الطائرات والطيارين والجنود سيبقى في القاعدة، إضافة إلى بطاريات إس 400 المضادة للطائرات، التي نشرها الروس في الشمال السوري بعد أسابيع قليلة من بدء عملياتهم الجوية.

بالمحصلة، بالرغم من أجواء التفاؤل التي أشاعتها خطوة الانسحاب الجزئي الروسية، حظوظ نجاح عملية التفاوض وفشلها، وفي حال أخفق المتفاوضون في التوصل إلى صيغة تسوية، ستعود الحرب، ربما بصورة أشد وأثقل وطأة، وربما سيزيد الكيان الصهيوني من اعتداءاته، في ضوء إذا ما قررت إيران إرسال المزيد من قواتها إلى سوريا، ما يعني أن المنطقة مقبلة على سيناريوهات مفتوحة، الحرب الواسعة من ضمنها، والمحرك هي أطراف الصراع نفسها، لكن ساحة القتال هي سوريا، التي نأمل أن تنتهي محنتها ويهنأ شعبها الذي فعلاً هو حي لكنه على قيد الموت، ولتكون سوريا فعلاً بين فكي كماشة ذريعة كيان الاحتلال بالتمدد الإيراني لتبرير اعتداءاته المستمرة، والاقتصاد السوري المتردي الذي ألقى بظلاله على كل بيت سوري.

مصدر الصور: الخليج أونلاين – تويتر.

موضوع ذا صلة: دوافع طهران لتعزيز حضورها العسكري في شمال شرق سوريا

عبد العزيز بدر القطان

كاتب ومفكر – الكويت