أمجد إسماعيل الآغا*

إبان قمة هلسنكي التي جمعت الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين والأمريكي، دونالد ترامب، صرح بوتين انه وبعد “تحرير المنطقة الجنوبية في سوريا من الإرهاب، يجب العودة إلى نظام وقف إطلاق النار في منطقة الجولان، وأن الوضع هناك يجب أن يعود إلى ما كان عليه وفق اتفاقية 1974، وأنه يجب تهيئة الظروف للعودة إلى القرار 338 للتسوية بين سوريا و”إسرائيل”. بشكل عادل.”

بالتوازي، صرحت الخارجية السورية، على إثر إعلان سلطات الإحتلال الإسرائيلي إجراء ما يسمى “إنتخابات المجالس المحلية في الجولان السوري”، بأن “سوريا تجدد تأكيدها على أن الجولان العربي السوري المحتل جزء لا يتجزأ من أراضيها وستعمل على إعادته الى إلوطن الأم عاجلاً أم آجلاً بكل السبل والوسائل المتاحة.”

أيضا، كان هناك موقف لافت لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي أعلن في وقت سابق بـ “أن وضع هضبة الجولان المحتلة محدد بدقة في قرارات مجلس الأمن الدولي”، مؤكداً على أن أي تجاوز يهدف إلى تغيير هذا الوضع يعتبر “انتهاكاً للقرارات الدولية”، وجاء هذا التصريح كتعقيب على ما صرح به رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأن هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية الى الأبد.

ما يفهم من التصريحات السابقة بأن المشهد القادم من المسارات السياسية، التي فرضتها الدولة السورية، سيكون مسلطاً على عودة الجولان المحتل إلى الدولة السورية، وإذا ما تم وضع هذه التصريحات في إطارها الإستراتيجي فسنجد أن قواعد الإشتباك التي فرضها الجيش السوري ستكون، وبشكل أساسي، ورقة قوة بيد الدولة السورية لجهة عودة الجولان. فمنذ أن احتلت “إسرائيل” الهضبة في العام 1967 عملت جاهدة على ضمها، وإقناع المجتمع الدولي بالإعتراف بها كأرض إسرائيلية، لكن من دون جدوى. إن التقدم الإستراتيجي الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه، من خلال الإمساك بمختلف التطورات التي رافقت الحرب وترجمتها كواقع سياسي وميداني، تنظر إليه “إسرائيل” بقلق بالغ، حيث يتابع الكيان، بتوجس شديد، نتائج المنجزات الميدانية التي أفضت بخواتيمها إلى استعادة غالبية مناطق الجغرافية السورية، فضلاً عن تحرير الجنوب السوري الذي شكل ضربة قاصمة لمخططات الكيان وخططه الإستراتيجية بعيدة المدى، مما دفع عدد من قادته إلى المطالبة بعودة قوات الأمم المتحدة “الأندوف” إلى المنطقة، للمحافظة على اتفاق فض الإشتباك، الموقع عام 1974.

يبقى السؤال المحوري: هل سنشهد في قادم الأيام فتح جبهة الجولان السوري ضد الكيان الاسرائيلي؟ وهل سيعود الجولان إلى حضن الدولة السورية؟ لتقديم إجابات منطقية تقارب الواقع، ينبغي دراسة الظروف السياسية والعسكرية إضافة الى المتغيرات الجيو – سياسية التي فرضتها الحرب لتكون النتيجة واضحة لا لبس فيها. ففي بداية الحرب، حاول الكيان الإسرائيلي استنزاف مقومات الجيش وتدمير الدولة من الداخل عبر تقديم الدعم إلى الفصائل الإرهابية لتشكيل طوق أمان استراتيجي على الحدود، لتكون هذه الفصائل المدعومة إسرائيلياً حائلاً بين الجيش السوري وفصائل المقاومة في الجنوب، وإلغاء التهديد الوجودي الذي شكلته سوريا صاحبة الدور الإقليمي المؤثر عبر دعمها لحركات المقاومة ضد الإحتلال.

لكن الحسابات الإسرائيلية قد أصابتها ضبابية في كشف صلابة وقوة الجيش السوري، إضافة إلى الأخطاء التقديرية التي دأبت مراكز الأبحاث الإسرائيلية على صياغتها ضمن قراءتها للواقع السوري، لتكون النتائج بجزئياتها مخالفة لكافة التوقعات في مراكز القرار السياسي في دولة الكيان، فالصدمة الإسرائيلية الناجمة عن انتصار الجيش السوري دفعت بـ “أودي ديكيل”، نائب رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، إلى استخلاص النتائج التالية:

  1. إن القيادة الإسرائيلية لم تستطع تحقيق مصالح استراتيجية في سوريا بعد ثمان سنوات من الحرب، وتحديداً في الجنوب السوري.
  2. إن وضع القيادة السورية الآن أصبح أقوى من نواح عديدة أكثر مما سبق، رغم الدمار والخسارة البشرية في قواتها، وإن هذه القوة تزداد بوجود التماسك المستمر بين سوريا وحلفائها الإقليميين: إيران وحزب الله؛ والدوليين: روسيا والصين.
  3. إن التعويل على استمرار الخطة الإسرائيلية في تقديم الدعم العسكري المباشر للمجموعات المعارضة المسلحة أصبح بلا جدوى في منطقة الجنوب بعد تراجع واشنطن عن دورها فيه، وإعطاء معظم المبادرة في تهدئة تلك المنطقة لروسيا بموافقة أردنية.
  4. إن روسيا تشكل عقبة لا يمكن تجاوزها بسهولة أمام أي محاولة ابتزاز إسرائيلية للوضع السوري وتحقيق بعض المصالح الإسرائيلية فيه.

وبالتالي ووفق الرؤية الجديدة لدولة الكيان ومآلات الحرب على سوريا، ستضطر “إسرائيل” إلى تغيير كافة خططها المستقبلية وفق قواعد اللعبة التي فرضها الإنتصار السوري، فما سمي بـ “العصر الذهبي” لإسرائيل الذي بدأ مع بداية الحرب قد انتهى، ولاح في أفق “إسرائيل” عصر سوري جديد قوامه الإنتصار ومعادلات الردع الجديدة.

وبما أن سوريا تشكل العمود الفقري لمحور المقاومة، فهي لم تكن وحدها في مواجهة الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، فمنظومة المقاومة معنية أيضاً بالتصدي للمعادلات التي حاولت دولة الاحتلال فرضها، ليتم بذلك تكريس ثقافة المقاومة من أجل التصدي للمشاريع الصهيو – أمريكية في المنطقة، الأمر الذي أثار مخاوف جدية لدى الكيان المحتل من فتح جبهة الجولان بعد ما تم تحقيقه سياسياً وعسكرياً. ولعل تصريح نتنياهو، الذي عبر عن قلقه مما سماه “محاولات إيران للوصول إلى حدود “إسرائيل” والذي وصفه بأنه يمثل “أخطر التهديدات الأمنية” التي تواجهها الدولة العبرية، إلا ترجمة لمسار التطورات التي فرضتها منظومة محور المقاومة، والتي ستحمل معها بعداً عسكرياً أحد أهدافه استعادة الجولان المحتل.

من هنا وفي ظل تعاظم قوة محور المقاومة يقابله انكفاء إسرائيلي أمريكي واضح وسقوط قواعد الإشتباك التي فرضتها تل أبيب ومن خلفها واشنطن، أصبح الجولان السوري المحتل أقرب من أي وقت مضى إلى العودة لحضن الدولة، ولم يتبقَّ إلا انتظار الوقائع الجديدة التي ستلي نهاية الحرب على سوريا، ليتم بعد ذلك فتح ملف الجولان، بل وفرض عودته إلى الوطن، فهو كان وسيبقى عربياً سورياً، “فـ الأرض والسيادة هما قضية كرامة وطنية وقومية ولا يمكن، ومن غير المسموح لأحد أن يفرط بهما أو يمسهما… بشار الأسد.”

*كاتب وإعلامي سوري

مصدر الصور: سبوتنيك – الديار اللبنانية.