أعلنت رئيسة وزراء السويد، ماغدالينا أندرسون، أن بلادها قررت التقدم بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي – الناتو، لتحذو بذلك حذو فنلندا في خطوة جديدة ستزيد التوتر مع روسيا، وقالت أندرسون إن محادثات الانضمام إلى حلف الأطلسي لن تستغرق أكثر من عام على أقل تقدير.
فرصة أم حاجة؟
إن دخول فنلندا ورغبة السويد في الانضمام لحلف الناتو، يحملان تغييراً في موازين القوى بين روسيا والحلف الذي سيصبح “أقوى من أي وقت مضى”، إضافة إلى ما تمثله الخطوة من “خسارة فادحة” لموسكو على المستوى الجيو – سياسي، وتهديد لأمنه، وبخاصة حدوده الشمالية.
فمن المعروف أن من أحد أهم أسباب الحرب الروسية على أوكرانيا، إبعاد خطر القوى الأطلسية عن الحدود الروسية، إلى جانب الأسباب الأخرى المعروفة؛ بالتالي، هناك مخاوف أمنية جادة لدى السويد وفنلندا حيال أن تتكرر أزمة اوكرانيا معهما، رغم أن هذا مستبعد، إلا أن هذا الخوف يمثل فرصة للمعسكر الغربي الأمريكي والأطلسي معاً، للتضييق على روسيا بكل السبل المتاحة.
سياسة عدم الانحياز
وعلى مدى عقود، بقي السويديون والفنلنديون بمعظمهم متمسكين بسياسة عدم الانحياز العسكري، غير أن هجوم روسيا على أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط 2022، شكل منعطفاً حاسماً، ولا سيما بالنسبة إلى فنلندا التي تتقاسم حدوداً مع روسيا يقارب طولها 1300 كلم.
وبموجب اتفاقية “صداقة” وقعت عام 1948 بضغط من موسكو، وافق القادة الفنلنديون على البقاء خارج التعاون العسكري الغربي والالتزام بنظام حياد قسري عرف بمصطلح “الفنلدة”، وإن كان البلد أفلت من ضمه إلى الاتحاد السوفياتي، إلا أن موسكو فرضت سيطرتها على سياسته الخارجية والعسكرية.
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 1995 وإلى الشراكة من أجل السلام التابعة للحلف الأطلسي، لكنها تمسكت رسمياً بسياسة عدم الانحياز العسكري.
أما السويد، فقد التزمت من جانبها، رسمياً خلال قرنين بسياسة حياد موروثة من نهاية الحروب النابوليونية، ومن الحربين العالميتين. لكنها شاركت في مهمات عسكرية في أفغانستان ومؤخراً في مالي، ولم تخض حرباً منذ نزاع مع النروج عام 1814، وخلال التسعينات، عدلت سياسة الحياد إلى سياسة عدم انحياز عسكري “بهدف السماح” بالحياد في حال نشوب حرب.
وبالرغم من بقائهما خارج الحلف، وطد البلدان الإسكندينافيان علاقاتهما بشكل متواصل مع الناتو الذي يعتبرهما أقرب دولتين غير عضوين. وساهم البلدان في مهمات للحلف في البلقان وأفغانستان والعراق، كما شاركا في الكثير من التدريبات العسكرية المشتركة، وأعلن البلدان استثمارات كبرى في القوات العسكرية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.
تزايد التوترات
إن انضمام فنلندا لحلف الناتو وبعدا قرار السويد لانتهاج نفس الخطوة، يرفع منسوب التوتر في الداخل الأوكراني لأعلى مستوى، وينذر بتهيئة المجال لصراع طويل، ربما يمتد لدول أخرى خارج أوكرانيا، وأكد أمين عام حلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك استعداد التكتل العسكري تعزيز “الضمانات الأمنية” لفنلندا والسويد قبل انضمامهما، لا سيما من خلال ترسيخ وجود الناتو في البلدين.
ومع دخول الحرب الروسية – الأوركرانية يومها الـ 77 وفي ظل التوتر المتصاعد بين الحلف الأطلسي وموسكو، العالم، أمام صراع قد يمتد، ومجابهة عالمية ترتسم ملامحها في أوكرانيا، بالتالي، وإن كان لدخول فنلندا والسويد تداعيات لإيجابية على الحلف، لكن هناك آثار سلبية على المجتمع الدولي، حيث ستزداد حالة الاستقطاب، مع ارتفاع من مخاطر الصراع الدولي.
ما يعني أن انضمام هذين البلدين إلى الناتو، سيسمح للحلف الأطلسي بوضع أسلحته المتقدمة على ما يزيد عن 1300 كم بطول الحدود مع روسيا، وخروجهما من “الحياد الايجابي”، ينذر بمخاطر على الأمن الدولي.
موقف حازم
اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أن سعي السويد وفنلندا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي رداً على الهجوم الروسي على أوكرانيا يشكل خطاً فادحاً، على حد تعبيره، ولعواقبه أبعاد هائلة، وأشار إلى أن رد روسيا “سيعتمد على النتائج العملية لانضمام” الدولتين الاسكندنافيتين إلى حلف شمال الأطلسي.
كما ذكر الكرملين أن خطوة كل من فنلندا والسويد لن تحقق مرادها، بل ستكون وبالاً على الأمن الأوروبي نفسه، وقال المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن “هذه قضية خطيرة وهي قضية تثير قلقنا، وسنتابع بعناية شديدة ما ستكون عليه نتائج انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو من الناحية العملية فيما يتعلق بأمننا الذي يجب ضمانه بطريقة غير مشروطة على الإطلاق”.
واعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن “توسع حلف الناتو يعتبر مشكلة تصطنعها الولايات المتحدة بشكل عدائي لخدمة مصلحتها الخارجية، يقومون بذلك للتأثير على أمن المنطقة”، مضيفاَ أن روسيا “ليست لديها مشاكل مع فنلندا والسويد، لكن توسع البنية التحتية لحلف الناتو سيتطلب منا ردا، وسنرى ما هي التهديدات التي ستتشكل بسبب ذلك”.
ويأتي الموقف الروسي في سياق إمداد دول الحلف المستمر للقوات الأوكرانية بكميات كبيرة من الأسلحة للتصدي للقوات الروسية في الحرب الجارية منذ حوالى 3 أشهر.
أخيراً، إن الولايات المتحدة بالتعاون مع المعسكر الأطلسي، تعمل على تغيير الوضع الجيو – سياسي على الأرض من خلال، تشديد الخناق على روسيا، مترافقاً بالتوزاي مع العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة على موسكو، ما يبين أن الهدف الأساسي لتصرفات الغرب ليس أوكرانيا بل تقويض الاتحاد الروسي، وإضعافه، بالتوازي مع البدء في التخطيط لفتح أزمة تايوان، والبدء بقصقصة أجنحة الصين، في محاولة أمريكية واضحة هدفها الاستمرار بهيمنة القطب الواحد وقيادة العالم منفردة دون إشراك قوى أخرى، التي ستكافح لتغيير هذا الواقع، لكن من المبكر جداً تحقيق هذه الغاية في ظل وحدة دول كثيرة تعمل على مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في مساعيها.
إلا أن هذه التطورات من شأنها، أن توصل الأطراف جميعاً إلى فتح حرب شاملة، إن لم تتم التهدئة وتقديم بعض التنازلات، خاصة وأن هذه الحرب ألقت بظلالها على العالم أجمع.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: أرشيف سيتا + CNN.
موضوع ذا صلة: معادلة الألاعيب الجيو – سياسية تُقلق روسيا