مركز سيتا

في وضع دولي صعب لم يسبق له مثيل، تم تحديد الخطوط العريضة لمسار التنمية للبلد البالغ 1.4 مليار على مدى السنوات الخمس المقبلة، حددت الجلسة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في البيان الختامي، العديد من الموضوعات الرئيسية التي طرحت في المؤتمر.

أعادت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني انتخاب شي جين بينغ أميناً عاماً لولاية ثالثة، جرى التصويت في الجلسة الكاملة الأولى للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في الدورة العشرين، حيث احتفظ الرئيس الصيني شي جين بينغ بمنصبه كرئيس للدولة ورئيس اللجنة العسكرية المركزية لجمهورية الصين الشعبية.

تم اتخاذ القرار عقب نتائج الجلسة الكاملة الأولى للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني، كما تم انتخاب مكتب سياسي جديد ولجنة دائمة.

شخصية قيادية

شكلت أفكار الرئيس الصيني شي جين بينغ أساس المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وأصبحت المبدأ التوجيهي الرئيسي لتنمية جمهورية الصين الشعبية، إذ أن أفكار شي جين بينغ للاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد وضعت المبادئ التوجيهية الأساسية لتطوير الحزب الشيوعي الصيني والبلد في العصر الجديد، وأصبحت قلب المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني.

ومنذ المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، سعت قيادة جمهورية الصين الشعبية جاهدة إلى الجمع بين المبادئ الأساسية للماركسية والواقع الصيني، هذا المفهوم هو الذي وجد تجسيداً عملياً له في أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في عصر جديد.

حقبة جديدة

بعد سنوات من مراكمة الخبرات حول سياسة “دولة واحدة ونظامان”، والتي نجحت في احتواء “الممارسات الانفصالية والمُعادية للصين، الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في هونغ كونغ وماكاو”، وجّه شي، في خطابه، رسالة حازمة إلى بعض الأطراف التي لا تزال تأمل، ولو خفيةً، إنهاء هذه السياسة في أيّ وقت قريب، من خلال تشديده على ضرورة التمسّك بها على المدى الطويل وتحسينها، باعتبارها “إنجازاً عظيماً للاشتراكية ذات الخصائص الصينية”، وفي هذا الإطار، رأى الخبير في شؤون هونغ كونغ وماكاو وتايوان في “جامعة نانكاي”، لي شياوبيغ، في حديث إلى صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية، أن “تأكيد شي أن الالتزام بهذه السياسة سيكون طويل الأمد، أدّى إلى تبديد الشكوك في بعض قطاعات مجتمع هونغ كونغ، بما في ذلك لدى بعض القوى السياسية ذات الدوافع الخفيّة، التي غالباً ما تروّج لوجود موعد نهائي لهذه السياسة” كما أكد شي أن بكين ستضْمن أن تمارس الحكومة المركزية الولاية القضائية الشاملة على المنطقتَين، وأن يدير “الوطنيّون” وحدهم هونغ كونغ وماكاو.

تايوان حاضرة بقوة

تتوقع بكين أن تواصل الولايات المتحدة إثارة تصعيد التصعيد الحالي حول تايوان، ومع ذلك، تستخدم واشنطن أي تحرك حاسم من قبل سلطات البر الرئيسي كذريعة لتشكيل تحالف مناهض للصين، وهو نظير لحلف شمال الأطلسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تأخذ القيادة الصينية هذا السيناريو السلبي على محمل الجد، لذلك قررت الجلسة الكاملة “تسريع وتيرة تحديث الدفاع الوطني والقوات المسلحة”.

بالتالي، ومع وصول التوتّرات بين بكين وتايبيه إلى أعلى مستوياتها تاريخياً، إلّا أنه باستثناء احتلال المسألة موقعاً متقدّماً في الخطاب هذه المرّة، ونيْلها الحصّة الكبرى من التصفيق في “قاعة الشعب”، لم يزِد حديث شي عن الجزيرة الكثير إلى موقف الصين المتمثّل في التشديد على إعادة توحيد تايوان بالطُّرق السلمية مع البرّ الرئيسي، من دون استبعاد فرضيّة اللجوء إلى القوة و”جميع الوسائل الضرورية” لتحقيق هذا الهدف. وبالرغم من ذلك، فقد رأى مراقبون أن لهجة شي كانت “كثر حدّية”، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، ولا سيما لجهة الموقف من التدخّل الخارجي؛ إذ هدّد بأنه سيتمّ تطبيق فرضية اللجوء إلى القوّة، فقط في حال تدخُّل القوى الخارجية أو الأقلّية من الانفصاليين، مجدّداً التأكيد أن مسألة تايوان هي “شأن داخلي صيني محض، وحلّها سيكون على يد الصين وحدها”، في تهديدٍ مبطن للولايات المتّحدة والسلطات التايوانية. وعلى ما يبدو، استشعرت واشنطن خطورة لهجة شي فوراً، إذ سرعان ما أعلن المتحدّث باسم خارجيتها، أنتوني بلينكن، عقب الخطاب، أن الصين “غيّرت مقاربتها لمسألة تايوان”، وأنها لم تَعُد تَقبل بالوضع الراهن حول الجزيرة، مشيراً كذلك إلى أنها “وضعت جدولاً زمنياً أسرع بكثير للاستيلاء عليها بالقوة”.

الاستقرار الاقتصادي

كان أحد موضوعات المؤتمر المهمة، استقرار الاقتصاد الصيني، بعد أن تصاعدت أزمة خطيرة في سوق العقارات، وكان هناك اتجاه سلبي في نسبة الطلب والاستهلاك المحلي، أدى هذا، وسلسلة من عمليات الإغلاق في شنغهاي وغيرها من مراكز التصنيع والخدمات اللوجستية الرئيسية، إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، ليس للأزمة في أوكرانيا تأثير سلبي مباشر على الصين فحسب، بل لها تأثير غير مباشر أيضاً، حيث أدى الركود في أوروبا والولايات المتحدة – الشريكان التجاريان الرئيسيان للصين – إلى تحول بكين إلى انخفاض في الطلب، وانخفاض في الصادرات والنشاط الاقتصادي، كل هذا أدى إلى حقيقة أن الاقتصاد الصيني واجه أخطر المشاكل منذ بداية عام 2020، عندما واجه صدمة بداية الوباء.

بالتالي، كان المؤتمر فرصة لإعلان تدابير لتكييف السياسة الاقتصادية مع الحقائق الجديدة، لتحسين نوعية حياة السكان، واستقرار الاقتصاد.

السياسة الخارجية

تعهد الرئيس الصيني بقوله “سنعمل بلا هوادة في تعميق الإصلاح والانفتاح على جميع الجبهات، فضلاً عن السعي لتحقيق تنمية عالية الجودة وخلق المزيد من الفرص للعالم من خلال تنميتنا”، بحلول عام 2035، “ستكمل الصين بشكل أساسي تنفيذ التحديث الاشتراكي”، وبحلول منتصف القرن سوف يتحول إلى “دولة اشتراكية حديثة وقوية”.

إلا أن الطريق إلى هذا الهدف الجيد سيكون شائكاً، وهو ما اعترف به الرئيس الصيني نفسه صراحة، مشيراً إلى أن “الرياح القوية والمياه المضطربة والعواصف الخطيرة” تنتظر القيادة الجديدة، وهذه التحديات التي تواجه الصين ناتجة بشكل أساسي عن الوضع الدولي غير الودي.”

تخلى شي جين بينغ بشكل شبه كامل عن مسار دينغ شياو بينغ في السياسة الخارجية – “الجلوس في الظل وإخفاء فرصك”، في عهد شي، ركزت السياسة الخارجية منذ فترة طويلة على حقيقة أن جمهورية الصين الشعبية تقترب من منعطف دولة متقدمة ويجب أن تتصرف كقوة عظمى، والرد بقسوة إلى حد ما على جميع الهجمات، لكن المؤكد أن بكين تحتاج إلى علاقات طبيعية مع الدول المتقدمة، وإلا فسيكون من الصعب على الصين الحفاظ على تنميتها الاقتصادية.

بالنتيجة، تعي الصين جيّداً، أنه ما عاد بالإمكان تأجيل المواجهة مع الغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة، في حال أرادت حماية صعودها ومركزها على الساحة العالمية، وعلى رغم العواصف والعقبات التي سيكون على الجمهورية الشعبية التحضّر لها مستقبلاً، على حدّ تعبير شي، فقد أكّد، في المقابل، أن عجلات التاريخ تسير نحو إعادة توحيد الصين ونهضة الأمّة الصينية، وحدّد موعداً أبكر لتحقيق الهدف الثاني لمئويّتها بشكل مبدئي، والمتمثّل في بناء الصين كـ”دولة اشتراكية حديثة عظيمة” على جميع الأصعدة، وسط سعْي واشنطن إلى إيجاد حلّ لـ”الصين التي باتت مختلفة جدّاً، أخيراً، تحت قيادة شي، والتي تشكّل خطراً على المصالح الأميركية في العالم”.

مصدر الأخبار: وكالات + مركز سيتا.

مصدر الصور: رويترز.

موضوع ذا صلة: توسع النفوذ الصيني في كمبوديا.. رسالة ردع استراتيجية للولايات المتحدة