اهتز البرلمان الأوروبي بواحدة من أكبر الفضائح – في إطار تحقيق دولي، حيث ألقي القبض على أربعة أشخاص بتهمة “المشاركة في منظمة إجرامية وغسيل الأموال والفساد”، بمن فيهم نائب الرئيس اليوناني إيفا كايلي، والمعتقلون متهمون بمحاولة تحسين صورة قطر كدولة مضيفة لكأس العالم مقابل مكافأة سخية من الدوحة، كان رد فعل بروكسل الأول على الفضيحة هو إلغاء التصويت على دخول القطريين بدون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي ورفض وفد برلماني السفر إلى الإمارة، ومع ذلك، كان الضحية الرئيسية هو الاتحاد الأوروبي وليس الدوحة.

بالتالي، فيما يتعلق بتحقيقات الفساد حول مونديال 2022 في البرلمان الأوروبي، لم يستدع الاتحاد الأوروبي السفير القطري ولم يطلب إيضاحات رسمية من هذا البلد، لتفسير هذه المزاعم، بل يعمل على إقرار ما يريده من وجهة نظر واحدة، تصب في تجريم الجانب القطري فيما يتعلق بدفع رشى، الأمر الذي يُراد منه، تشويه سمعة قطر لاحتضانها مونديال كأس العالم، كأول دولة عربية وإسلامية.

يتذرع الجانب الأوروبي بأن التحقيقات لا تزال جارية، من قبل السلطات البلجيكية، ويبقى انتظار النتائج، وعند الحصول عليها، سيكون الغرب قادراً على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وفق روايته.

القصة المنتشرة

فضيحة فساد رفيعة المستوى في البرلمان الأوروبي في 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عندما نفذت الشرطة البلجيكية عملية كبيرة، وعشرات عمليات البحث في بروكسل واعتقلت أربعة أشخاص، من بينهم رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي، قال مكتب المدعي العام البلجيكي إن جميع المتهمين في هذا التحقيق “مشتبه بهم في دفع مبالغ كبيرة من المال أو تقديم هدايا كبيرة لأطراف أخرى ذات موقع سياسي/ أو استراتيجي يسمح لهم بالتأثير على قرارات البرلمان الأوروبي”.

كل هذا النشاط، بحسب مكتب المدعي العام البلجيكي، تم تنفيذه من أجل تحسين صورة قطر في الاتحاد الأوروبي في الفترة التي تسبق مونديال 2022، وعدد من المنظمات غير الحكومية وتحديداً منظمات حقوق الإنسان، المشاركة في “حماية دولة قطر”، وجميعنا يذكر موقف ألمانيا المعادي لقيام المونديال في قطر، تلك الأخيرة نفسها التي كانت تتفاوض مع الجانب الألماني لمده بالغاز الطبيعي المُسال، لكن يبدو أن الغرب، يرى مصلحته الخاصة فقط على حساب المصالح الأخرى، متذرعاً بمسألة حقوق الإنسان وما يعانيه في الدول العربية، على اعتبار أن الإنسان الغربي يعيش في جنات النعيم في بلادهم، المقال لا يتسع لسرد وذكر آلاف الأمثلة عن معاملة الإنسان أياً كان لونه أو عرقه طالما يعارض سياستهم فيجب التخلص منه، مع الإشارة إلى أن هذا الحديث يتزامن مع ذكرى المجاعة الكبرى التي حدثت في أوروبا، والسؤال هنا، لماذا لم يتطرق إليها الغرب؟ ولماذا لم يخصص الإعلام الغربي منابره للخوض فيها، ببساطة لأنهم لا يريدون ابتزاز بعضهم، بل يُراد ابتزاز قطر التي نجحت في نقل صورة مشرفة عن العالم العربي عموماً، ودول الخليج على وجه الخصوص.

في الأيام التالية، استمرت عمليات البحث في بروكسل، بما في ذلك في مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل، بالتوازي مع إغلاق الشرطة الفرنسية لعدد من المكاتب في مقر ستراسبورغ في البرلمان الأوروبي، ووفقاً لوسائل الإعلام البلجيكية، خلال عمليات التفتيش، تم العثور على حوالي مليوني يورو نقداً وتمت مصادرتها، وذكر مصدر قضائي أن كايلي وثلاثة آخرين اعتقلوا الأحد في بلجيكا في إطار تحقيق في الفساد المتعلق بقطر، حيث تم تفتيش منزل كايلي في بروكسل، حيث أنها لم تتمكن من ممارسة حصانتها البرلمانية حيث تم اعتقالها “في مسرح الجريمة”.

الآن، عاد الغرب وفتح مسألة قضية لوكربي عام 1988، حول اتهام ليبيا بتفجير طائرة الركاب في لوكربي، وأزمة رشى قطر، والسؤال هنا، لماذا لم يحقق الغرب عما أشيع حول شراء ستيفاني ويليامز، المبعوثة الأممية الأخيرة إلى ليبيا، حول شرائها قصراً في إحدى الدول الأوروبية، من جيوب الليبيين، لكن هنا يبدو أن دورها يتماهى مع ما يريده الغرب منها في ليبيا، لذلك تم التعتيم حولها.

بالمحصلة، إن الغرب لا يوفر جهداً لتشويه سمعة العالمين العربي والإسلامي، ودائماً ما يدخل في ذريعة حقوق الإنسان، لم ننسَ عندما استغل هذه الذريعة مع المملكة العربية السعودية، فيما يتعلق بذريعة مقتل الصحفي جمال خاشجقي، واليوم يتدخل بقطر بذات الحجة حول مسألة العمالة التي نفذت مشروع الملاعب والفنادق لهذا الحدث الضخم، لكن بطبيعة الحال، لم يتحرك هذا الغرب لمسائلة الكيان الصهيوني حول مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، فيما يبدو أن الغرب امتعض عندما رفعت قناة الجزيرة دعوى على الكيان الصهيوني لتجريمه في مقتل أبو عاقلة، وهذا كما أشرت غيض من فيض يحتاج إلى إفراد الكثير من المساحة للخوض فيه.

بالتالي، كان طريق قطر للفوز بحق استضافة كأس العالم المرموقة والاستعدادات اللاحقة لها شائكاً منذ البداية، حيث اتُهمت الدوحة كثيراً برشوة كبار المديرين الرياضيين للموافقة على عرض الدوحة، ثم ظهرت انتقادات للظروف اللاإنسانية التي أجبر فيها القطريون العمال المهاجرين على بناء بنية تحتية لحدث دولي، ومع انطلاق البطولة في نوفمبر، لم تهدأ الانتقادات على الإطلاق، وبدلاً من حملة العلاقات العامة الجميلة التي كانت الدولة المضيفة تعول عليها، تبين أن أهم حدث رياضي دولي كان سبباً جديداً للهجوم على الدولة الإسلامية المحافظة.

الخلاصة، أقيم كأس العالم، واعترفت الغالبية بهذا الحدث على أنه نجاح – وهذا هو الشيء الرئيسي لقطر.

مصدر الصور: جلوبال تايمز.

إقرأ أيضاً: قطر واستراتيجية “تصحيح الأخطاء”

عبد العزيز بدر القطان

كاتب ومفكر – الكويت