الشيخ كامل العريضي*
يشرق العام الدراسي الجديد مع بداية شهر /سبتمبرأيلول، وهو مثقل بالتحديات، وفي طليعتها وباء “كورونا”، حيث تشير إحصاءات وزارة الصحة العامة، إلى الأعداد المرتفعة كل يوم من المصابين، وهذا ما يجعل القطاع الصحي في لبنان أمام مواجهة حقيقية. وما كثرة المناشدة من المعنيين للإلتزام بالوقاية وارتداء الكمامة والتباعد الإجتماعي، إلا الدليل على عمق الأزمة لعدم قدرة المستشفيات على استيعاب المرضى سيما أن أجهزة التنفس الموجودة لا تفي لمساعدة المصابين إذا ما استمر الوضع على هذا النحو.
أما القطاع التربوي بكل مراحله، من الحضانة حتى التعليم العالي، وبجناحيه، الرسمي والخاص، فهو في عين العاصفة. ليست المشكلة التربوية بالوباء بحد ذاته، بل بالتجهيزات اللوجيستية للتعليم عن بعد، ويمكننا إيجازها بالآتي:
1. انقطاع التيار الكهربائي المستمر ولساعات طويلة.
2. ارتفاع تكلفة الإشتراك، المولِّد، مما يحمل الأهالي أعباء مالية إضافية لا يقدر كل أولياء الأمور على تحملها.
3. تردي خدمة الإنترنت وضعف شبكتها في العديد من المناطق اللبنانية.
4. عدم حيازة العديد من الأهل أجهزة كمبيوتر، أو آيباد، وغلاء ثمنها الهائل الآن بسبب إرتفاع سعر صرف الدولار مقارنة بالليرة اللبنانية.
5. وجود أكثر من ولد لدى العائلة حيث لن تستطيع إمتلاك أكثر من جهاز كمبيوتر واحد، وهذا يشكل عائقاً كبيراً لها.بالتالي، لمن ستكون الأولوية في إستعماله؟ وإن كان يمكن تسجيل شرح الدرس ومشاهدته في وقت لاحق إلا أنه يستوجب على كل تلميذ استعمال الحاسوب عدة ساعات يومياً لحل الفروض ودرس المطلوب منه على تلك الشاشة.
6. كيف يمكن لتلميذ أن يستوعب درسه في الشتاء القارس وهو جالس مع أهله في الغرفة ذاتها حيث الكثير من أولياء الأمور لا يمكنهم إشعال أكثر من نار للتدفئة أو لعدم وجود عدد كافٍ من الغرف.
7. التكلفة المرتفعة لثمن الكتب والقرطاسية التي قد تكون توازي أو تزيد عن تكلفة القسط السنوي.
8. الوضع الإقتصادي الدقيق والصعب للغاية، وتدني القدرة الشرائية للمواطنين وإنخفاض قيمة العملة الوطنية، ومن جهة ثانية الغلاء المرهق، كلها أسباب تلقي بتبعاتها على كاهل الأهل الاقتصادي.
من المؤسف أن كل هذه المعوقات تعتبر من أبسط حقوق المواطن في أية دولة يهمها راحة مواطنيها، ومن الظلم تحميل وزير التربية الحالي، د. طارق المجذوب، كل تلك الأعباء فهو يقوم بما يقدر عليه وضمن الإمكانات المتاحة. وما ظهر إلى العلن من عجز وعدم تطوير للقطاع التربوي هو نتيجة عقود من الإهمال وغياب التخطيط الإستراتيجي للنهوض بهذا القطاع (وهذا ينطبق على الأعم الأغلب من القطاعات). كيف يمكننا أن نتقدم وننهض والمنهج التعليمي الذي أقرته وزارة التربية والتعليم العالي وأعده المركز التربوي للبحوث والإنماء الصادر بمرسوم رقم 10227 تاريخ 8 مايو/أيار 1997 ولم يُعدل عليه أي شيء وكان من المقرر أن يُعاد دراسته بعد عدة سنوات؟ وهذا ما لم يحصل. ثلاثة وعشرون عاماً يا سادة. نعم، ثلاثة وعشرون عاماً بدون أي تحديث، وبعض المواضيع المطروحة أصبحت من دون فائدة، غير الملاحظات الدقيقة المقدمة من الأساتذة في كل مادة بما يجب إضافته أو حذفه أو تعديله، كل ذلك بقي لغاية الآن في الدرج ولم يبصر النور.
وبما أننا نؤمن أن الكتابة أمانة والهدف من خلالها ليس فقط تعداد الثغرات والوقوف عندها، والبكاء عليها، بل يقتضي أيضاً إقتراح الحلول والبدائل الممكنة لتسهيل العمل المؤسساتي. فنحن نرى ما يلي:
1. زيادة ساعات التغذية الكهربائية خصوصاً بعد الهبة غير المشروطة من العراق الشقيق بدعم لبنان لمدة ستة أشهر بمادة الفيول.
2. تخفيض تكلفة الإنترنت بشكل عام، أو على الأقل للمؤسسات التربوية وأولياء الأمور، ويجب إبراز شهادة تسجيل من المدرسة /معهد/جامعة عند طلب اشتراك الإنترنت الخاص. ومن كان لديه إنترنت قبل ذلك يمكنه تقديم شهادة التسجيل تلك للاستفادة من التخفيضات أيضاً.
3. تبادل الكتب بين التلاميذ في المدارس بهدف مساعدة أولياء الأمور نظراً للتكلفة المرتفعة جداً للكتب التعليميّة الجديدة.
4. مبادرة الدولة إلى دفع المساعدة للمدارس الخاصة غير المجانية التي أقرها مجلس الوزراء، ما بين 750 ألف ليرة لبنانية و850 ألف ليرة لبنانية، على أن تحسم من رصيد أولياء الأمور الذين لم يتمكنوا من تسديد أقساطهم حتى الآن بسبب تعثرهم المالي. وتكون تلك المساعدة من نصيب الهيئة التعليميّة لدفع مستحقاتهم.
5. العمل على دعم المازوت وتأمينه في فصل الشتاء كي يتمكن التلاميذ من الدرس في غرفهم الخاصة في البيوت.
6. وضع برنامج خاص في المدارس للتلاميذ الذين لا يملكون جهاز حاسوب أو إنترنت كي لا يبقوا خارج دائرة التعليم عن بعد وبالتالي خسارة عامهم الدراسي. وهنا نتمنى أن يلقى نداء وزير التربية، د. المجذوب، آذناً صاغية في مساعدة تلاميذ لبنان عبر تأمين حواسيب لهم من جهات مانحة ومن دون شروط بكل تأكيد.
7. تفعيل التعليم عن بعد، واعتماد علامات الإمتحانات بشكل كلي على أن تعتمد طريقة إمتحان الكتاب المفتوح (open book) والأسئلة غير المباشرة لتفادي عمليات الغش في أثناء الإمتحان. واعتماد علامات على الحضور المباشر للدرس، وإذا كان من عذر عند التلميذ يُقدم للإدارة لتدرسه.
8. تتقاسم المدرسة والأهل المسؤولية على حد سواء في التعاون والتفاعل والتعاضد والتلاقي لضمان استمرار التعليم وعدم ضياع السنة الدراسية.
9. قيام الأهل بدورهم في تسديد المتوجب عليهم بعد مراعاة واقعهم المادي من قبل إدارة المؤسسة التربوية ضمن الإمكانية المتاحة بطريقة تضمن سير أعمال المؤسسة ولا ترهق كاهل الأهالي وهذا يتطلب الشفافية والمصداقية من الجهتين.
وهذه المشاكل مجتمعة لن نسمح لها أن تمنعنا من بداية عامنا الدراسي القادم، 2020 – 2021، مهما كانت الظروف لأننا، وهنا أتكلم بصفتي ولي أمر ومدير مدرسة، لن نقبل أن يبقى أولادنا بدون علم هذا العام ولن نرضَ أن تذهب سنة كاملة من حياتهم هدراً وهباء بسبب مسؤولين غير أكفاء لم يؤمنوا لنا ولأولادنا عبر عشرات السنوات أقل حقوقنا في العيش الكريم.
ومن اللافت أن نسمع أصواتاً تنادي وتنصح الأهل بخسارة سنة من تعليم أولادهم ولا يخسرونهم بهذا الوباء اللعين. أقول لهم ولكل من يفكر بذلك سواء عن حسن نية أو بنوايا معلولة، لن نقبل نهائياً بخسارة عام واحد من حياة أولادنا التعليمية، وكذلك سوف نقوم بكل اجراءات الحماية والوقاية لهم.
ونظراً للواقع المرير الذي نمر به، وتفشي البطالة في صفوف الشباب، أصبح لدى البعض قناعة مغلوطة، تفضي إلى عدم تعليم أولادهم لتراجع الفرص في سوق العمل، وحيث العديد من أصحاب الإختصاص يعملون خارج اختصاصهم. ويذهب بعضهم إلى احتساب تكلفة الدراسة الجامعية، ويقارنها بتأسيس عمل مستقل لولده فيفضلها على التخصص.
هذا الخطأ في الاستنتاج سوف يؤدي إلى مشاكل كثيرة، سوف نفرد لها مقالاً خاصا إن شاء الله، في صفوف الشباب، لأن العلم والثقافة ليسا فقط لجني الأموال وتحقيق الوظائف، وإن كان هذا يشكل بعداً اساسياً وجوهرياً، ولكن أيضاً يساهم في تطور الشعوب وزيادة نسبة الوعي والإدراك الخاص والمجتمعي، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، كأن البطالة فقط تطال الفئة المتعلمة دون سواها! وهنا يمكننا الإشارة إلى أهمية التعليم المهني والتقني في مجال المهن الحرة أو الوظائف العملية والتطبيقية. وأرجو هنا أن لا يسيء فهمي الأخوة والأخوات الذين لم يتسنَ لهم ولأسباب قاهرة استكمال تعليمهم، أنهم أقل شأناً من غيرهم لا بل هناك من لم يتعلم أو يتخصص ولديه الثقافة والأخلاق وسعة الإطلاع والوعي.
من هنا، نتوجه إلى أولياء الأمور المحترمين بالقول بأننا لا ولن نستبدل وباء “كورونا” بـ “جائحة” الجهل. فالأول يمكن معالجته بعقار أو الإحتماء منه بوقاية، أما الثاني فلا علاج له ولا حماية منه. لا ولن نوافق على هدم آخر أعمدة لبنان الأساسيّة وهو المستوى التعليمي. لذلك علينا جميعا من وزارة تربية ووزارات مساعدة ومؤسسات تعليمية وأهل وكل محبي القلم أن نبذل كل ما بوسعنا لإنجاح هذا العام الدراسي ولا نضيعه على أبنائنا.
وإذا حصل ذلك لا سمح الله، تكون مؤامرة ما بعد “كوفيد – 19” أخطر بكثير من مؤامرة الوباء ذاته إذا صحت نظرية من يعتبره مؤامرة لتدمير الشعوب والدول الفقيرة والمتوسطة.
*مدير ثانوية الإشراق – لبنان.
مصدر الصور: العربي الجديد – لبنان 24.
موضوع ذا صلة: بين “يوم مجيد” و”يوم العار”.. أين الوطن؟