يعد تصريح وزير الصحة بتدهور قطاع الصحة لعقود من الزمن، يمكن القول بأن الخطاب يعبر عن مدى انهيار النظام الصحي وخطورة الفساد الذي نخر المؤسسات الصحية، إن اتخاذ أوروبا وجهة للعلاج بـ 2000 مريض سنوياً، نحو فرنسا فقط، وتوجه 150 الف مريض نحو تونس، العام 2017، للعلاج وهجرة الأطباء وتحطييم الكفاءات وإعادة إنتاج الرداءة، ما هي إلا أحد مظاهر انهيار النظام الصحي المتواصل، في حين ظلت المؤسسات الصحية تعاني من تدهور في التسيير وتعفن البيئة الداخلية للعمل في ظل اعتماد المادة القانونية كوسيلة لإدارة المستشفيات التي أثبتت فشلها الذريع وانعكاساتها السلبية على العنصر البشري.

الفساد القانوني في المؤسسة الصحية

بمعرفة التاريخ الجزائري مع المستعمر ومخلفاته على الإدارة الجزائرية كمؤسسة رسمية عموماً والمؤسسة الصحية خصوصاً، نرى جلياً صورة الإرث الاستعماري في اعتماد المادة القانونية كمرجع في تسيير المؤسسة الصحية وتقييم جودة الرعاية الصحية بمدى تطبيقه، حيث تقول الدكتورة مطهري في ماهية المؤشرات التي تساعد على تقييم وضع المؤسسة الصحية “هو قياس نوعية الخدمة التي يقدمها للمواطنين، وأيضا تقييم ما ينتجه في مجال الفكر والتطوير”. فَشكّل النص القانوني علاقة متهاكلة بين العنصر البشري ومؤسسته بفرض عقوبات وتغييب كلي في اعتماد نظام المكافئات، فبات هذا الاختلال البيّن في تقييم الأداء سبباً في قتل الابداع وروح التميز لدى الموظف والانتصار لمقاربة الترقي عن طريق الولاءات، يقول براهمية: “يعاني القطاع الصحي من تناقضات في مجال الحوكمة والتسيير وتقييم الأداء”.

ما زالت الادارة الصحية تمارس السقوط الحر بفشلها في قيادة المؤسسة الصحية نحو الجودة في تقديم الرعاية الصحية عن طريق ممارسة العقاب النفسي على العامل بإثقال كاهله بـ “خرسانة” قانونية لا طائلة منها، وتفاصيل “مجهرية” تدفعه إلى الانطفاء المهني وانتشار ثقافة سلبية في بيئة العمل.

إن المتأمل في واقع التسيير الاستشفائي لا يخفى عليه هيمنة استقراطية الأطباء والتمييز الطبقي بين فئات العمال في تسليط العقوبات، ويتضمن هذا النوع من الفساد مجموعة من الممارسات اللا أخلاقية في نظر القانون كعمل أطباء القطاع العام في القطاع الخاص كنتيجة لهروبهم من طائلة المتابعة القانونية بتحقيقهم لمآرب شخصية لمسؤولي إدارة المؤسسة، في حين يظل العامل المتميز يدفع ضريبة النزاهة والتميز قابعاً في قاعدة هرم المؤسسة.

إن كل الاختلالات الحاصلة والفشل المستمر في الرفع من جودة الرعاية الصحية، دفع مسؤولين القطاع إلى التفكير الجدي في وضع منهجيات جديدة وحلول لمشاكل المقاربة القانونية في التسيير كمحاولة محتشمة للنهوض بالنظام الصحي.

المقاربة القانونية بغلاف ديني

شكّلت العلاقة بين الدين والمؤسسة الرسمية علاقة محورية في التاريخ المؤسساتي، ولطالما طرحت إشكالية اقحام الدين في الدولة جدلاً واسعاً بين الباحثين والمفكرين والسياسيين، ولعل ما يهمنا في هذا الصدد – اتساقاً مع الموضوع – هو استخدام الخطاب الديني كوسيلة لتحريك الوازع الديني وكنوع من إضفاء الشرعية على المؤسسات الصحية باعتبار طبيعة عملها الإنساني.

إن الفشل الذي تلقته المؤسسة في التحكم في عنصرها البشري وإعادة بعث روح المسؤولية فيه، دفعها للبس عباءة الدين ومخاطبة جانب التقوى والورع في العامل في خطوة لترميم الممارسات اللا أخلاقية وإصلاح الفجوة الحاصلة بين الرؤساء والمرؤوسين والحد من تمرد الطواقم المهنية على القانون.

لا شك أن الخطاب الديني قد أظهر فاعليته في الكثير من المواقف والمجالات في إصلاح الواقع والرد على الكثير من التساؤلات سواءً على المستوى الإجتماعي، أو الإقتصادي، أو السياسي، لكن قد لا يسعف الخطاب الديني صاحبه في مجالات علمية معينة وكمثال موضوعنا هذا: الطب أو التسيير… يقول ابن خلدون: ” إن النبي إنما بعث ليعلم الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب وغيره”.

كنتاج على ما سبق، فإن نجاح المؤسسة الصحية خاصة والنظام الصحي عامة مرهون بتحديات تتجاوز استخدام الخطاب الديني كغطاء على فشل المقاربة القانونية في تسيير المؤسسة الصحية، بل لا بد من استحداث نظام جديد في تسيير المستشفيات يواكب متطلبات العصر من الحداثة والعولمة مع الرقابة المستمرة التي تسمح بالتقييم المستمر لجودة الرعاية الصحية وتقييم الأداء.

مصدر الصورة: AFP.

إقرأ أيضاً: “الجزائر الشابة”.. هل تُعيد للعرب شبابهم؟

أحمد ياسين بن سلامة

باحث ومختص في مجال الصحي – الجزائر