بعد هدوء حذر على مختلف جبهات الجغرافيا السورية، عاد التصعيد ليكون السمة الغالبة على الوضع السياسي بشكلٍ عام، مع تزايد الإعتداءات الإسرائيلية، وعودة تنظيم “داعش” إلى الميدان والبدء بعمليات “إنغماسية”، وتبادل قصف مكثف بين القوات التركية والكرد. كل ذلك ينذر بتعقيد الوضع العام من جديد.
أهداف عدوانية
إن التصعيد التركي الأخير في شمال شرق سوريا وإعتماده، منذ أكثر من شهر على القصف المدفعي والصاروخي على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية – “قسد” المدعومة أمريكياً، يبين أن هناك محاولات يمكن وصفها بـ “المستميتة”، الهدف منها تحقيق أكبر مكاسب ميدانية لتغيير خارطة الطريق قبيل تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن، وتحديد طبيعة سياسته الخارجية فيما يتعلق بالملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط. وبحسب المعلومات، يبدو أن علاقة الإدارة الأمريكية الجديدة لن تكون جيدة مع تركيا؛ وبالتالي، ستحاول أنقرة تحقيق مكاسب أكبر لتحصل على أوراق تقوي موقفها وتفيدها في أية عملية تفاوضية مستقبلية.
كذلك، تعمل “قسد” هي الأخرى على الهدف نفسه، حيث أنها تصعّد بوجه التنظيمات الإرهابية الموالية لأنقرة والعشائر العربية المتواجدة في تلك المنطقة، وسط صمت أمريكي حتى اللحظة. إلا أن التدخل الروسي هناك ومحاولات التهدئة التي يسعى إليها، لم تحقق نتائج إيجابية بعد ما يعني أن الأمر، حال إسترار التصعيد، قد ينتهي بمعركة موسعة تتداخل فيها كل الأطراف من دون التوقع الجهة التي ستحسم الصراع.
إرهاب خارجي
على الصعيد الإسرائيلي، إزدادت في الآونة الأخيرة الإعتداءات على سوريا بحجة ضرب مواقع للقوات الإيرانية, ياتي ذلك بالتزامن مع هجمات لتنظيم “داعش”، وكأن هناك إتفاق بينهما، أو تنسيق على أقل تقدير، لتوسيع دوائر الإستهداف وضرب المناطق السورية، حيث يبدو أن هناك نوع من التقسيم العملياتي واضح المعالم، إذ تركز إسرائيل على منطقة الجنوب السوري، منطلقة من الجولان المحتل، فيما يستخدم “داعش” منطقة التنف كمنطلق لشن هجماته نحو البادية وصولاً إلى الحدود العراقية، لكن كلاهما لم يحقق النتائج المرجوة، فيما يبقى الهدف الأساس هو إطالة أمد الحرب.
بالنظر إلى تلك الإعتداءات مع هجمات “داعش”، يبين أن الأخير عاد وبقوة إلى الميدان السوري، وأنه لا يزال لاعباً قائماً يجب عدم التهاون به خاصة وأنه يعتمد في هجماته على “الإنغماسيين” حيث ستشهد الفترة المقبلة هجمات إنتحارية جديدة.
من هنا، يبدو أن عملية “الصحراء البيضاء” الروسية التي نفذتها العام الماضي (2020) في منطقة البادية السورية لتطهير المنطقة من خلايا التنظيم، لم تحقق أهدافها رغم تحييد مئات الإرهابيين. يقابل ذلك، المعتقلات المسيطر عليها من قبل “قسد” في ريف الحسكة، وتهريب العشرات من سجنائه في نفس العام، وهو ما يعتبر إنذاراً واضحاً حول إعادة التنظيم لتشكيل نفسه من جديد ليس للسيطرة على معاقل خلافته، التي خسرها سواء الموصل العراقية أو الرقة السورية، بل لإستعادة هيبته التي فقدها لأن دوره أمريكياً لم ينتهِ بعد في وقت لم تعد له أرضية خصبة إلا في سوريا والعراق.
سيناريوهات شمال وشرق
مع كل تلك التطورات، لا تظهر أية حلول سياسية قريبة؛ فمع تضييق الخناق على الدولة السورية إقتصادياً، تواصل القوات الأمريكية والتركية محاولات الإطباق على سوريا من الناحية العسكرية، من خلال الزج بـ “داعش”، كما أشرنا أعلاه، ودعم “قسد”. من جهتها، تسعى تركيا بكل ما لديها من قوة للسيطرة على مدينة عين عيسى الإستراتيجية، التي تعتبر الطريق الواصل إلى مدن منبج وعين العرب – كوباني، وهي عملياً من أعاقت قدرتها السيطرة عليهما؛ بالتالي، تحاول روسيا أن تسحب “قسد” بإتجاه الدولة السورية بعدما تركتها الولايات المتحدة لمصيرها، مع القوات التركية والفصائل المنضوية تحت سيطرتها، لكنها إلى الآن تأمل في أن تحقق واشنطن لها حلم الإنفصال، أو على أقل تقدير، حلم الإدارة الذاتية حيث إنتهى هذا الحلم نهائياً بعدما حسمت “قسد” أمرها وإختارت الوقوف في صف أمريكا.
من هنا، لا يزال شرق الفرات منطقة مشتعلة لن تنتهِ به الأمر إلا بمعركة كبيرة لا رابح فيها. في المقابل، ستتعرض كل من تركيا و”قسد” لإنتكاسات كبيرة لأن محاولات التهدئة لم ولن تنجح على الرغم من وجود معلومات تتحدث عن بعض التنسيق ببنهما بوساطة أمريكية، إذ لربما تسلم “قسد” مدينة عين عيسى كما فعلت مع مدينة عفرين.
أخيراً، إن الوضع السوري بكل تفاصيله، بات وضعاً معقداً لكثرة لاعبينه. فلا تزال إدلب تعج بالإرهابيين، ولا يزال الجانب التركي يحاول الإطباق على كل المناطق المتاخمة لحدوده. ولكن عند دنوه الوضع من إعلان المعركة الكبرى، فإنه سيطالب كعادته بالهدنة لكسب الوقت. لكن المؤشرات هذه المرة وبعد الوضع الإقتصادي السيء جداً، لن تكون هناك أي هدنة حتى تغيير الواقع لصالح سوريا على الأقل بنسبة قليلة لتنفس الصعداء.
*المدير التنفيذي في مركز سيتا.
مصدر الصور: الحرة – الجزيرة.
موضوع ذا صلة: الإمبراطورية الجديدة والتوجهات الأربعة