كان لزلزالي تركيا وسوريا الأثر الأكبر في حلحلة العُقد الساخنة في المنطقة، إن كان في زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد إلى روسيا، لحل الأزمة السورية وعقد لقاء سوري تركي، أو المبادرة الصينية التي انتهت بعودة العلاقات السعودية الإيرانية، فماذا بين السطور، وماذا يدور داخل الغرف المغلقة؟

كسر زلزال سوريا وتركيا الجمود في العلاقات العربية السورية، والعربية التركية، والتركية السورية، معادلة كانت لسنوات تبدو مستحيلة، لكن الآن بدأت الأوساط الفاعلة تتحرك على أكثر من اتجاه، لحل هذا الملف الذي طال أمده، في ظل معاناة الشعب السوري الكبيرة التي زاد منها الزلزال المدمر الذي وقع في 6 فبراير/ شباط الماضي، فكانت روسيا السبّاقة في هذا الأمر على الرغم من إنهاكها هي الأخرى في الملف الأوكراني، لكن قبل التطرق إلى المسألة الإيرانية السعودية، ماذا نفهم من زيارة الأسد إلى موسكو؟

يبدو أن هذه الزيارة معد لها مسبقاً، ومنسقة بشكل جيد، خاصة وأن اجتماع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين والأسد دام لأكثر من ثلاث ساعات، لم يكن الاجتماع منقولاً، وكان سرياً، لكن ليس من الصعب استنباط ماذا دار خلف أبواب الكرملين، يبدو أن دمشق وضعت شرطاً لا تراجع فيه وهو انسحاب القوات التركية بشكل كامل قبل أي مفاوضات أو اجتماعات، وهذا يتضمن المعارضة السورية السياسية والمسلحة المدعومة من الدولة التركية، لكن من المتوقع أن ترفض أنقرة ذلك، خاصة وأن عمليتها العسكرية الأخيرة التي سبق وأن أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد القوات الكردية المدعومة أمريكياً، وتم تأجيلها، لم تتحقق بعد، ما يعني أن مسألة ضمان الأمن القومي التركي لم يتم حلها بعدـ، طالما العامل الكردي المدعوم أمريكياً لا يزال في مواجهة مفتوحة مع تركيا، وإن انسحبت تركيا، سيُعتبر ذلك استسلاماً تركياً، وانتصاراً كردياً، وهذا لا يمكن له أن يحدث.

يُضاف إلى ذلك، أن موعد الانتخابات الرئاسية التركية في مايو/ أيار المقبل، وأي قرار غير محسوب قد يضر بصالح حزب العدالة والتنمية وأردوغان نفسه، لذا من غير المرجح أن يتحقق هذا الشرط على الأقل على المدى المنظور، لكن هذا لا يعني أنه ملف مستعصٍ إنما ربما يحتاج لحل الورقة الكردية ومن ثم سيكون هو الحل التالي، لكن مع قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بإصدار مذكرة توقيف بحق بوتين، سيقوض العلاقات الروسية – الأمريكية والأوروبية، في ظل احتدام الصراع بسبب أوكرانيا.

تحاول روسيا أن تحذو حذو الصين بما يتعلق بسوريا، وربما ستتكشف الأمور مع زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، المرتقبة في 21 – 22 مارس المقبل.

الملف السعودي الإيراني

شكل التطبيع السعودي الإيراني مفاجأة كبيرة للجميع، رغم أن العراق سبق وأن رعت عدد من الاجتماعات على المستوى الأمني في بغداد وفي العاصمة الأردنية – عمان، يبدو أنها مهدت لهذا التطبيع، لكن يُراد لهذا الأمر أن يتم تبنيه بشكل رسمي، فكانت الصين هي الوساطة العلنية لإتمام هذا الأمر، بالنظر إلى أن الشرق بات مقصد جميع اللاعبين الكبار، وهذا يؤكد أن المملكة العربية السعودية تتبع سياسة مستقلة خاصة بها، لفتح حقبة جديدة، وتنهي ملفات عالقة أبرزها الأزمة اليمينة.

على المقلب الآخر، رغم أن هذا التطبيع لصالح اليمن، لكن من وجهة نظر المحور الإيراني، يبدو أن طهران تخلت عن مساعدتها لليمن والحوثيين بشكل أكثر تحديداً، ليس لشيء، لكن السياسة هي من حكمت، وإيران فكرت بمصالحها على حساب حلفائها، ما يعني أن السياسة كما أقول دائماً هي فن المتبدل وهذا ليس عيباً ولا خطأً، لكن هي رسالة لكل من يقف موقف المدافع حتى النخاع، دون احتساب المتغيرات ما قد يضعه في مواقف محرجة وهذا ما كنا نتحدث حوله دئماً.

بالعودة إلى موقف المملكة، فهو ليس مستغرباً في ظل السياسة المتبعة حالياً في الرياض، وهي سياسة متزنة قريبة من الجميع، بحكم أن المملكة قلب العالم الإسلامي ويجب أن تتعاطى مع ملفات المنطقة انطلاقاً من ذلك، والأهم أنها حدت من التدخلات الأمريكية في المنطقة من خلال التقارب مع الصين، وهو ما يفسر برودها مع الجانب الأمريكي، ومع زيارة وزير خارجيتها مؤخراً إلى كل من أوكرانيا وروسيا ورعايتها لوساطة تم تحرير عشرات الأسرى بين الجانبين الروسي والأوكراني، بدا أن ذلك هو الخطوات الأولى في السياسة الخارجية الجديدة.

قد يعتقد البعض أن السعودية أجبرت على التطبيع مع إيران مراعاة للطلب الصيني، لكن على العكس من ذلك فقد اختارت أن تبدأ صفحة جديدة مع الجميع وبالأخص دول الجوار، في ظل اختلال الأوضاع في أغلب دول العالم، وهذا يعني أن حقبة الانتعاش ستشرق مجدداً بعد أكثر من عقد على الجمود.

بالنتيجة، العالم على صفيح ساخن، ونحن أمام تغيرات جيوسياسية كبيرة، لكن هذه المرة برعاية العرب، كما كنا نعرف، العرب الذي وحدتهم الحالة الإنسانية قبل الحالة السياسية، فكان العرب من أوائل تقديم يد العون لأشقائهم السوريين في كارثتهم من الزلزال المدمر، ما يعني أن الأخ لا يمكن أن يتخلى عن أخيه في محنته، وهذا عشمنا وهذا طبع دولنا ومن شيم العرب وأخلاقهم، لذا نأمل أن يتحد عالمنا مجدداً وأن نعيد مجد هذه الأمة كما كانت وأفضل.

مصدر الصورة: رويترز.

إقرأ أيضاً: اختراق استراتيجي للصين في الشرق الأوسط يعيد جسر العلاقة بين إيران والسعودية

عبد العزيز بدر القطان

كاتب ومفكر – الكويت