تناقلت أغلب وسائل الاعلام خبر استصدار المحكمة الجنائية الدولية لقرارها المشبوه ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل واسع، يحدث ذلك تزامناً مع انتصارات روسية في مجالات الدفاع الجوي وفي ظل سيطرة روسية واضحة برا وجوا، خاصة ما وقع مع المسيرة الأمريكية الموسومة بالمتطورة والمرعبة التي اسقطت بطريقة مهينة أمام طائرات السوخوي الروسية هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان سقوط باخموت مدويا بالرغم من الامداد الغربي الكبير والتواجد العسكري المباشر لخبراء وجنود الناتو، فهل قرار المحكمة الجنائية الدولية مجرد ردة فعل أمريكية للتغطية الاعلامية على النجاحات الروسية التي كان آخرها إسقاط السوخوي لأقوى مسيرة أمريكية؟
لأن تهم المحكمة الجنائية الدولية وعباراتها أصبحت معروفة لدى الجميع بالنمطية ولا تحتاج لجهود قانونية ولا لمبررات اثباتية ولا لمنطلقات سليمة بل هي على المقاس على غرار تهم جرائم ضد الانسانية والى غيرها من المفردات الاحادية في التقدير والمبتورة في التفسير.
خاصة وأن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا لا يمكن تفسير سببها من طرف القوى الغربية فقط لأن روسيا أيضاً لها مبرراتها المستندة لاتفاقات انتهكت، ولتهديدات حقيقية لأمنها القومي، مما عجل بتحركها دفاعاً عن حقها في الوجود الطبيعي على جغرافيتها التي أصبحت مهددة على حدودها الغربية بسبب مشروع حلف الناتو التوسعي بقواعد الفكر النازي الذي يستحق الادانة الاممية وفق بنود هيئاتها المتحدة التي جاءت على أنقاض الانتصار على النازية بعد الحرب العالمية الثانية.
فهل يمكن اعتبار محاولات حلف الناتو محاصرة روسيا امرا مباحا؟ وهل تناست المحكمة الدولية ملايين الأرواح التي أزهقت في العراق وليبيا وفي غيرها من البقاع التي طالتها طائرات وصواريخ حلف الناتو؟ وهل يحق للشعب الاوكراني ان يحاكم حكومته وعلى راسها الرئيس الاوكراني زيلنسكي لتورطه في مشاريع عبثية بداية من مخابر انتاج الفيروسات مرورا بالنازية ووصولا الى التسبب في حرب اقليمية قد تتحول الى عالمية؟ أم ان المكاييل الغربية وميزان قراراتها في مختلف الهيئات يخضع بشكل مباشر لسياسة الهيمنة والغطرسة التي لم تقدم للعالم طيلة عقود الا حروبا ضد المستضعفين، واغلبها اشعلت لأجل نهب الثروات الباطنية وحتى السطحية؟
وللوقوف أكثر عل حالة هذه المؤسسات والهيئات المتحاملة ضد كل صوت للحق، ماذا قدمت في تاريخها للإنسانية؟ وهل ساهمت في حل مشاكل الشعوب المستضعفة على غرار فلسطين وقضيته التي عطلتها مشاريع سلام فاشل وغير عادل بل وكاذب على العالم كون رعاته ودعواتهم لم تقدم شيئا ماعدا كونها مجرد برامج انتخابية، تحديدا في الولايات المتحدة الامريكية التي تترواح برامجها الانتخابية الخارجية بين الانتقام واثارة الحروب وبين العودة الى اليات الخروج والانسحاب العسكري من دول دمرت وانتهكت اراضيها واستبيحت خيراتها على غرار العراق وليبيا وأفغانستان.. وبين هذا وذاك لا حسيب ولا رقيب لقرارات الغزو الامريكي ولقصفه من البارجات وبأساطيل البحرية تحمل طائرات تستقوي بها على الضعفاء من الدول المحاصرة بمسمى بعث الديموقراطية او حمايتها، وما إلى ذلك من المبررات الواهية التي يتضح في النهاية أنها مجرد أخطاء وأكاذيب، لا يستحي اصحابها ولا يخضعون أبدا لقانون المحاسبة ولا تتحرك ضدهم المحكمة الدولية، ولتستمر هذه السياسة بين ثنائية الحرب والانسحاب بعد الدمار وما يليه من فرض للخونة على الرقاب لخدمة اجندات الاستعمار الجديد.
إلا أن كل هذه الغطرسة تحولت إلى مظاهر ضعف غربي فضحته القوة الروسية الضاربة، لتتجه الأمور إلى استصدار بعض القوى الغربية لقرار من المحكمة الدولية ضد الرئيس الروسي، ولتعبر هذه الخطوة غير المحسوبة عن الفشل الذريع لسياسية التعاطي الغربية مع النجاحات الروسية التي لم تكن عسكرية فقط بل أيضا شملت على المجالات الاقتصادية، حيث كانت المفارقة في الاقتصاد الروسي المستقر رغم العقوبات وحزماتها المتجددة والمتنوعة، والارقام والمعطيات تأكد ان روسيا تتجه بثبات نحو النمو والانفتاح الاقتصادي أكثر على طرائق جديدة لتجاوز العبثية الغربية ضد حق العالم في الولوج الاقتصادي والتجاري بشكل آمن ومتكافئ وعادل للدول بما يتناسب ومقدراتها وطموحات شعوبها التي تضررت بقوة من الفوارق السيئة والمفتعلة بالأساس من نفس القوى الغربية وعلى رأسها للولايات المتحدة الأمريكية،
التي تتعرض منظومتها المالية لأخطار الإفلاس المبكر على وقع هزائم اخرى لم تكن في الحسبان بداية من التكنولوجيا العسكرية الامريكية الحربية التي تحطمت امام الأسلحة الروسية المتطورة وقواتها المتأهبة والمدربة على مواجهة الخصوم على ارض المعركة دون تخفي ولا تنكر كما يفعل خبراء حلف الناتو بارتدائهم للزي العسكري الاوكراني وتخطيطهم لمعارك الانسحاب وجر اذيال الهزيمة في باخموت وغيرها من الاراضي المحررة من تجمعات النازية حسب الرواية الروسية، التي يمكن تصديقها لان العالم لم يشهد للجيش الروسي أي إعتداء من جانب واحد، لا لأجل النفط ولا للمواقع الاستراتيجية، بل لأن الحقوق التاريخية ونصاب وحدة الشعب في اوروبا الشرقية يخضع لقواعد تاريخية ولروابط أمم تعايشت وتوحدت لعقود، حتى جاءت الاطماع الغربية ومخططات التقسيم ودور الجيش الأحمر السوفياتي لا يمكن لاحد نسيانه لصالح وما حملته من مخاطر الفتن والحروب العبثية ضد الإنسانية عموما.
فمتى تفهم القوى الغربية أن توازن العلاقات الدولية لا يكون باستصدار قرارات تحت الطلب ضد الشعوب ورؤساء لديهم مصداقية وشجاعة ليست على المحك كما حال بعض قادة نفس الدول الغربية.
مصدر الصورة: أرشيف سيتا.
إقرأ أيضاً: تمدد الناتو.. مشروع حرب على روسيا أم خطوة الضرورة؟
د. عمار إبراهيمية
كاتب وباحث – الجزائر