د. عبدالله الأشعل*
صمم اليهود المشروع الصهيوني على ثلاثة أعمدة؛ العمود الأول أنه في النهاية يتم الإستيلاء على كل فلسطين، والعمود الثاني هو التدرج والتدليس، أما العمود الثالث ولأخير فهو إختراق القيادات العربية بمساعدة واشنطن. لقد علم اليهود يقيناً أنهم يستخدمون الطابع الديني خاصة وأن رجال الدين عندهم أشد تطرفاً بالإيمان بالمشروع الصهيوني لدرجة أنهم يعتبرون قتل العرب “فضيلة دينية”، ودعم إسرائيل “واجب توراتي” وهم بالطبع من يكتب طبعات التوراة على هواهم مركزين على تطعيم الوثائق بالمصطلحات التي يعودون إليها وسط الصخب العربي.
أما النقطة الأخيرة قبل المضي في تحليل هذه الأسطورة فهي أنه رغم تسترهم بالطابع الديني، إلا أنهم علمانيون ويعلمون يقيناً أن الصهيونية وسلوك اليهود مناقض لليهودية، وأن اليهود من المفترض أنهم أتباع للديانة اليهودية ولكنهم كفروا بها كما أوضح القرآن الكريم.
جاءت أول إشارة عن الدولة اليهودية في قرار التقسيم، العام 1947، حيث نص القرار على تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية. وفي العام 2003، جاءت الاشارة الثانية في كلمة رئيس الوزراء الراحل، أرييل شارون، في قمة العقبة الإسرائيلية – الأردنية، حيث أكد على سعي إسرائيل للتحول إلى دولة يهودية خالصة، لتأتي الإشارة الثالثة في كلمة شارون أيضاً عندما رحب بالرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش العام 2008، في آخر زيارة لإسرائيل بذكرى الستين لقيامها متمنياً أن يعود إليها بعد ستين عاماً أخرى. لكن الملاحظ أن هذه الزيارة الأخيرة أعقبها، في نهاية العام نفسه، حملة إبادة إسرائيلية ضمن قطاع غزة، تحديداً في ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، حيث كانت وزيرة خارجية إسرائيل، تسيبي ليفني، قد أعلنت من القاهرة قبل الحملة بأيام تغيير قواعد اللعبة مع غزة.
وفى العام 2017، أصدر الكنيست قانون “الدولة القومية اليهودية” بما يعني التخلي عن فكرة الدولتين والتخلص من مليوني عربي في إسرائيل، فهذه الدولة القومية اليهودية هي في الواقع عصب الصهيونية. وقد أشرنا في مناسبات سابقة إلى أن تحويل إسرائيل إلى دولة يهودية خالصة يناقض “قرار التقسيم”، كما يناقض قرار عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة الذي تضمن شروطاً أهمها احترام حقوق الأقليات غير اليهودية، أي العرب وهم ثلث السكان، كما أن هذا التشريع ينشىء دولة عنصرية، ويسقط شروط العضوية في الميثاق وينهيها بشكل آلي.
هذا التشريع كان محطة أساسية للمشروع الصهيوني الذي أعقبه، في العام 2019، ما يعرف بـ “صفقة القرن”، التي تضمنتها الخطة الأمريكية لتمكين إسرائيل من كل فلسطين تحت أوهام السلام. لكن تحويل إسرائيل إلى دولة يهودية هو مصطلح غير دقيق بسبب الفرق الفادح بين اليهود واليهودية. فالمفروض أن اليهود هم من اعتنق اليهودية مثلما أن المسلم هو من دخل الإسلام، لكن الأصح أن يقال أنها دولة اليهود بعد طرد أصحاب الأرض بمزاعم تاريخية ولاهوتية مشبوهة ولا يمكن أن يكون هذا العمل الإجرامي مسموحاً به في الديانة اليهودية ذلك أن اليهود هم الصهاينة الذين تمسحوا بالدين مع أنه ضد كل من الصهيونية والعنصرية، اللتان تناقضان كل الكتب المقدسة. فإذا جاز جمع اليهود في فلسطين بحجة أنهم كانوا هناك وهم لا يزيدون على 15 مليوناً في العالم كله، بهذا المنطق يمكن أن يتجمع المسلمون في مهبط الوحي بالجزيرة العربية ويتجمع المسيحيون في بيت لحم بفلسطين مسرح رسالة عيسى حيث أرسل النبيان، موسى وعيسى، إلى بني إسرائيل.
ورغم أن إسرائيل تصر على انشاء دولة يهودية، والأصح كما قلنا أنها دولة اليهود أو الصهاينة، إلا أنها ترفض إعتبارها دولة دينية. لكن الواقع أن مذهبها لا يختلف عن “توراة الحاخامات” الذين يعتبرون أن قتل العرب والتمثيل بهم واجب توراتي وأن العرب حشرات يجب التخلص منهم وإبادتهم.
أخيراً، إن تجميع اليهود الذين كفروا باليهودية، في فلسطين، يقرب النبوءة القرآنية في سورة الإسراء ووعد الآخرة بعد صعودهم في الأولى. مما سبق، يتبين أن الدولة اليهودية المزعومة هي “أسطورة” لا تنسجم مع الواقع والمنطق والقانون، وانما هي صورة جديدة لتحول الكيان الإستعماري، متسلحاً بكل التراث الإستعماري وبنظرية دارون، إلى مجمع لليهود أو “كمنولث يهودي”، حسبما ظهر في أدبياتهم العام 1953، وقد أخبرنا القرآن الكريم أنهم مصدر الفتنة للبشرية كلها “كلما أوقدوا ناراً أطفأها الله”.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصورة: موقع المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا.
موضوع ذا صلة: الأساطير المؤسسة للمشروع الصهيوني