إحدى الأسباب الجوهرية لسوء العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي تكمن في أن الأخير يريد إقامة علاقات مع موسكو بحسب معاييره هو، ما يعني فرض وجهة نظره، حيث أن بعض دول الاتحاد تعتبر أن قييمها – خصوصاً تلك في مجال حقوق الإنسان – هي الافضل، من دون الأخذ بعين الإعتبار الإختلاف السياسي والاجتماعي والتاريخي مع روسيا، إذ لا يمكن للأوروبيين دائماً النظر إلى الآخرين من منظارهم الخاص.
في المقابل، هذا لا يعني أن على روسيا – أو غيرها من الدول التي يوجه الإتحاد الأوروبي الانتقادات لها في هذا المجال – السير على نفس المنوال وعدم العمل على تطوير سلوكياتها في ما يخص العدالة الاجتماعية، واحترام التعددية، والحقوق الإنسانية.
رغم ذلك، نتلمّس في الأثناء – خصوصاً بعد إجتماع أعضاء الإتحاد الأوروبي الأخير – بعض التصريحات التي تعبّر باطنياً عن بعض التراجع، ومحاولة إعادة النظر في المواقف المتشددة، بالإضافة إلى اظهار نوع من “حسن النية” تجاه روسيا.
من هنا، يلاحظ العديد من المراقبين أن هناك وجهتي نظر داخل الاتحاد الأوروبي تجاه روسيا؛ الأولى هي وجهة النظر الألمانية التي تحبّذ وتشجع على تحسين العلاقات الأوروبية – الروسية. والثانية هي وجهة النظر الفرنسية التي تعتبر أكثر تشدداً رغم محاولة بعض السياسيين الفرنسيين – مؤخراً – ترطيب الأجواء، علماً أنه يوجد في الداخل الأوروبي – خاصة في المانيا وفرنسا – مؤيدين كثر لموسكو كدولة لها علاقات مشتركة كثيرة مع “القارة العجوز” – لا سيما على الصُعد السياسية والإقتصادية والاجتماعية وحتى التاريخية – من دول أخرى كالولايات المتحدة وغيرها.
يتبنى هذه النظرية عدد كبير من الأوروبيين الذين يرون في روسيا شريكاً لا غنى عنه لأوروبا، ولو أن هذا التأييد كان يأتي في الكثير من الأحيان من قِبل ما يُعرف بـ “اليمين المتطرف” أو اليمين بشكل عام، لكن ذلك غير صحيح كلياً إذ أن هناك العديد من الأحزاب اليسارية الأوروبية التي تتبنى الموقف نفسه.
في الوقت الحالي، نشعر أن كلاً من برلين وباريس قد وصلا إلى شبه قناعة من أن الصراع مع روسيا وفرض العقوبات عليها لن يؤدي الا إلى تداعيات سلبية عليهم، خصوصاً، وعلى الاتحاد الأوروبي برمته، عموماً، وهو أمر لا يخدم مصلحتهم بل مصلحة الولايات المتحدة.
مؤخراً، عبّر وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، أمام نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، أنه لا يجب أن يكون دور أوروبا فرض العقوبات على روسيا، في حين تقوم الولايات المتحدة بمحاورتها والتفاوض معها.
كلام وزير الخارجية هذا يعبّر عن امتعاض الأوروبيين من الاستراتيجية الاميركية لتوزيع الأدوار، إذ لا تتعامل واشنطن مع حلفائها الأوروبيين بمقولة “الند للند” ولا تتقاسم معهم “الغنائم والامتيازات”، لكنها تعتبر أن الاتحاد ودوله هم “تابعين لها” بحيث أنها تترك لهم بعضاً من “الفتات”.
على سبيل المثال، رأينا كيف انسحبت الولايات المتحدة من الإتفاق النووي الإيراني وتركت للأوروبيين مشقة إعادة التفاوض مع طهران، حيث اجبروا على الخروج من أسواقها ما أدى إلى تداعيات سلبية على وضع الاقتصاد الأوروبي ككل خصوصاً مع الاقفال الذي شهده الاقتصاد بسبب جائحة “كورونا”. رأينا أيضاً كيف اسقطت واشنطن مبادرة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لإخراج لبنان من أزمته خصوصاً بعد تفجير مرفأ بيروت، 4 أغسطس/آب 2020، وهي ما انفكّت تزج بالأوروبيين في العديد من الساحات لا بل وتحارب بهم بالنيابة عنها ومن أجل مصالحها، كما هو الحال في تطويق روسيا من الداخل الأوروبي ومنع الأوروبيين من التعامل بشكل سليم وصحيح مع الصين.
في الوقت عينه، نرى أن هناك دول داخل الاتحاد الأوروبي، مثل بولندا ودول البلطيق، ترفض بشكل قاطع أي حوار مع روسيا. موقف الدول المذكورة ناتج عن عداء تاريخي لموسكو، وتبعية كاملة للتوجهات الأميركية. برأينا، على هذه الدول إعادة النظر في مواقفها لكونهم سيكونوا أكثر المتضررين في أية مواجهة أو صدام مستقبلي مع روسيا، كما أن الإتحاد الأوروبي – كمنظمة – لن يستطيع مساندتها، ناهيك عن أن الولايات المتحدة لن تأتي بأي شكل من الأشكال لإنقاذها، وأوكرانيا أبرز مثال واضح على ذلك. لن تدخل الولايات المتحدة بصراع مباشر مع روسيا أياً كان السبب، على الأقل في المرحلة الحالية، ولقد كان ذلك واضحاً منذ بدء الحرب على سوريا وما زال الأمر على ما هو عليه حتى اللحظة.
لكن السؤال الجوهري الذي يجب أن يطرحه أعضاء الاتحاد الأوروبي على أنفسهم: هل الصراع مع روسيا هو صراعهم هم فعلاً أم أن واشنطن تضعهم في مواجهة مع موسكو من أجل مصالحها؟ في آخر المطاف وبكل الأحوال، الأوروبيون هم من سيدفع الثمن.
مصد الصورة: الاتحاد.
موصوع ذا صلة: تأثير قضية أليكسي نافالني على العلاقات بين روسيا وبروكسل
محلل سياسي لبناني – فرنسي.