من المعروف أنه تم تعليق عضوية دمشق في جامعة الدول العربية مع بدء الحرب في البلاد في عام 2011، وبعد مضي أكثر من 12 عاماً وافق الدول الأعضاء أخيراً على عودة دمشق لشغل مقعدها بدءاً من 7 مايو/ أيار، وهذا خبر من الناحية العملية قد لا يفيد، لكن نظرياً له رمزية كبيرة أهمها أن توحد البعض الكثير من العرب على موقف واحد.

كيف بدأت هذه القصة؟

التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بنظيره السوري فيصل المقداد. ونتيجة للمحادثات، اتفق الطرفان على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وكذلك استئناف الرحلات الجوية بين البلدين، كما اعتمد الوزراء بياناً مشتركاً، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة عملية إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا – في عام 2018، حيث استأنفوا عمل السفارة في دمشق. في عام 2022، ثم قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة رسمية لدولة عربية لأول مرة منذ بداية الحرب، حيث زار أبو ظبي ودبي، كما أعادت البحرين وسلطنة عمان فتح سفارتيهما في دمشق في عامي 2019 و2020، على التوالي، كانت تونس آخر الدول العربية التي أعلنت عن اتفاق لإعادة العلاقات الدبلوماسية.

لكن حتى الآن، لا تزال قطر تعارض عودة سوريا إلى عضوية جامعة الدول العربية، منذ بداية الحرب، فقد كانت هناك أسباب معينة لمقاطعة سوريا وإخراج هذه الدولة من الجامعة العربية، هذه الأسباب لم يتم القضاء عليها بعد من وجهة نظر الدوحة، حيث قال رئيس الوزراء محمد بن عبد الرحمن إنه على الرغم من توقف القتال، لا يزال هناك الكثير من النازحين في البلاد، ولا يزال العديد من الأبرياء يقبعون في السجون، وهذه مشاكل تستوجب المعالجة.

إنما وفق اعتقادي، إن عودة سوريا التدريجية إلى العلاقات مع معظم الدول العربية تتم على خلفية انفراج إقليمي عام، على سبيل المثال، كانت قد أعلنت قطر استئناف العلاقات الدبلوماسية مع جارتها البحرين – منذ عام 2017، وكانت الدوحة نفسها في عزلة إقليمية، فقد اتهمت دول الخليج المجاورة القطريين بالتدخل في شؤونهم الداخلية، وغير ذلك، ولكن بحلول عام 2021، حسمت معظم الدول المتنازعة مع القطريين القضايا الخلافية.

لكن الحدث الأكبر في الانفراج الكبير في الشرق الأوسط كان الاجتماع بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ومستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد، بوساطة من الصين، في بكين في منتصف مارس/ آذار، إيران والمملكة العربية السعودية هما الخصمان الرئيسيان في المنطقة، وتشنان حروباً بالوكالة مع بعضهما البعض، لا سيما في اليمن، رغم ذلك، وافق الإيرانيون والسعوديون، بفضل بكين، على إعادة العلاقات الدبلوماسية التي توقفت في عام 2016، وفي أوائل أبريل/ نيسان، أعلنت الرياض عن انفراج محتمل في تسوية الأزمة اليمنية كنتيجة لهذه المصالحة.

الآن، هناك توجهاً عاماً في الشرق الأوسط نحو انخفاض التوتر، حيث أصبح من الواضح للنخب الإقليمية أن عامل وجود الرئيس الأسد هو واقع سياسي راسخ، لقد ظل في السلطة، لذا سيتعين عليهم التعامل معه بطريقة أو بأخرى، كما أن سوريا لا تزال بؤرة خطيرة لعدم الاستقرار في المنطقة، ومن الصعب للغاية إعادة إعمارها بعد الحرب دون كسر الحصار العربي.

بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال استعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، تحاول الدول العربية إضعاف موقع إيران في هذا البلد، حيث من الواضح أن العرب لا ينوون تحويل دمشق إلى قمر صناعي كامل لطهران، وفق موقف بعض الدول من طهران.

كما أن الرياض في الوقت الحالي تحتاج أيضاً إلى أن يأخذ الرئيس الأسد في الحسبان ويدعم رأي الرياض في لبنان، الجارة الملاصقة لسوريا، والابتعاد عن التركيز الواضح على طهران، هنا الرياض كما كانت تمنح الأسد الخيار: إما أن يكون في الجامعة العربية أو مع إيران، رغم أن أحداً لن يطالب الرئيس السوري بقطع التحالف مع إيران، خاصة وأن السعوديين أنفسهم بدأوا تطبيع العلاقات مع طهران.

بالتالي، إن دول الخليج تهدف إلى توحيد القوى الإقليمية، وإنهاء النزاعات هو الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، فهذا العامل وثيق الصلة بشكل خاص على خلفية ضعف مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ونجد اليوم، كل اهتمام واشنطن موجه في المقام الأول إلى أوروبا الشرقية، وبعد هروب الجيش الأمريكي السريع من أفغانستان، شككت النخب العربية في قدرتها على حماية حلفائها، بالتالي يتعين على هذه الدول أن تأخذ الأمور المتعلقة بأمنها بنفسها.

ووفق قراءتي، الكرة الآن في ملعب دمشق، للاستفادة من إحياء هذه العلاقات تعي وتدرك جيداً الثمن والمقابل الذي يجب أن تدفعه، وهنا لا نقول إن هذا يعني قطع علاقتها مع إيران أو التقليل منها، لكن موازنة الدبلوماسية بما تتناسب والوضع الجديد، فعودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية لا تزال الخطوة الأولى التي سيتبعها خطوات كثيرة أخرى، أبرزها فك الحصار الغربي عن دمشق، وعودة قاطرة الاقتصاد داخل البلاد، وهذا يتحقق بالتقارب الكبير بين دمشق والعواصم العربية وفي مقدمتها دول الخليج، فهذا ليس سراً، ورأينا بأم العين، كيف تغيرت مواقف عشرات الدول من روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، ودائماً ما كنت أكرر، عدو اليوم صديق الغد، وصديق اليوم عدو الغد، فلا شيء ثابت ودائم في السياسة.

وعودة سوريا اليوم إلى الحضن العربي، هو أول صفعة لأصحاب الموقف الواحد غير المتوازن، الذين اختاروا بناء توقعاتهم وفق مصالح دولهم، وهذا هو الخطأ بحد ذاته، لقد كنت على يقين أن هذا اليوم آتٍ لا محالة، لكن ذلك لم يعجب البعض، الآن انكشف المستور، فلا نستغرب خروج القوات التركية وتحديد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأسد، ورفع الولايات المتحدة للعقوبات، ففي فن السياسة المتغير كل شيء ممكن.

بالتالي، إن السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة، دون إغفال أحداث السودان، فقد سلمت واشنطن هذا الملف للمملكة العربية السعودية التي عادت لأن تكون المحور المركزي للإقليم ككل، لأن الثقل الأكبر الآن هو الرياض، وبدا ذلك جلياً من خلال اتباع سياسة الاحتواء مع الأصدقاء والخصوم على حدٍّ سواء، وذلك خلاف السياسة القديمة وبالطبع هذا أمر ذكي جداً، فالوضع ليوم أن ثبات الموقف العربي أجبر أمريكا على تسليم المنطقة وإن كانت لا تزال نواياها معروفة تجاه الشرق الأوسط.

مصدر الصورة: ريا نوفوستي.

اقرأ أيضاً: السر وراء دعوة السعودية المفاجئة لعودة سوريا للجامعة العربية

عبد العزيز بدر القطان

كاتب ومفكر – الكويت