الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج*

الأمير محمد بن سلمان، كما يرى بعض المحللين، قد ناور كثيرا بخطواته التقدمية والأكثر حضارية في ظاهرها، للتمهيد… لا للانتقال بالمملكة الى عصر آخر أكثر مدنية ورقياً، بل للتمهيد للانتقال بالمملكة الى مرحلة الحرب مع ايران، رغم كونه يقود حرباً مباشرة ضد اليمن، ويخوض حروباً أخرى بالوكالة في مواقع أخرى من دول الشرق الأوسط.
فقد أعلن عن توجهه للحد من فعالية الاسلام السياسي المتشدد والانتقال الى الاسلام السياسي المعتدل، مع السعي للحد من فعالية الوهابيين. وتنفيذا لذلك أمر باعتقال شيخين من شيوخ الافتاء المتطرف، وحد بعض الشيء من صلاحيات المطوعين، كما سمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، واذن لها بأن تصطحب زوجها الى حفلات الغناء والطرب حيث سيحيي كاظم الساهر بعد ايام قليلة، حفلا ساهراً تحضره نساء السعودية لأول مرة بصحبة أزواجهن. كما أعلن طروحات اقتصادية متقدمة ومنها مشروع “نيوم”، ومخحططه لنقل السعودية الى مرحلة الاعتماد على الصناعة والاقتصاد المتطور مع نهاية عام 2030، اضافة الى اقامة منطقة صناعية في منطقة الحدود السعودية المصرية الأردنية، مع بناء جسر كبير يربط الأقطار الثلاثة.
ولكن تدريجيا، لاحظ بعض المراقبين والمحللين، أن هذه جميعها كانت مجرد خطوات تجميلية لتلميع صورته وشخصيته، ولنفي كونها شخصية المقاتل الراغب في اثارة الحروب، وبالتالي تقديم نفسه للمجتمع العربي والدولي، بكونه القائد الراغب في الارتقاء بالمملكة نحو الحضارة والحداثة والمدنية التي طالما تطلع السعوديون اليها. وهكذا تنتفي الى حين صورته الحقيقية، كم بدأ يراها البعض.. صورة المقاتل المتعطش لشن الحروب سعياً لتكريس قيادته للسعودية.. بل للمنطقة كلها، وذلك بتطويع بعض الدول الأخرى، بدءا بتطويع ايران، تمهيدا للسيطرة في غمرة الاحتفال بالنصر الكبير، على بعض دول الخليج بدءاً بقطر المتمردة على السعودية، وانتهاء بسلطنة عمان التي ترفض القبول باتحاد الدول الخليجية في اتحاد كونفدرالي ترأسه السعودية.
ومن هنا بات من الضروري القيام بمراجعة متأنية ومتأملة لسير التطورات الأخيرة في المملكة السعودية. فهل نشأت عن محاولة انقلابية فاشلة ضد الأمير محمد بن سلمان، خطط لها الأمراء وعدد من الشخصيات السعودية، وقادها الأمير متعب بن عبد الله.. قائد الحرس الوطني؟ أم تسبب بها تحرك مفاجىء قاده الأمير محمد بن سلمان ضد أمراء السعودية وأثريائها بذريعة مكافحة الفساد، علما أن الفساد لا يقتصر على هؤلاء، بل يمتد ليشمل كامل أعضاء الأسرة المالكة بما فيهم.. ربما الأمير محمد بن سلمان نفسه الذي اشترى يختا لنفسه قيمته خمسمائة مليون دولار، كما تقول دراسة أعدها استاذان في معهد “أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب هما رئيس المعهد عاموس يدلين، وهو رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، والباحث في المعهد، والدكتور يوئيل غوجانسكي، الذي عمل في السابق كمركز للموضوع الإيراني في “مجلس الأمن القومي” التابع لمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية. فكافة أعضاء الأسرة المالكة قد استخدمت استخداما غير عادل، أموال النفط الذي هو مال الشعب السعودي بكامله، فعاش أولئك برخاء فيه الكثير من المغالاة والظلم لبقية الشعب السعودي.
وما يعزز القول بأن قضية مكافحة الفساد الذي تشرف على مكافحته لجنة شكلت على عجل برئاسة الأمير محمد بن سلمان، لم تسع حقاً لمكافحة الفساد، بل لمطالبة أمراء وكبار أثرياء المملكة، بالتبرع بنصف أموالهم وممتلكاتهم لتمويل الحملة العسكرية ضد ايران والتي يعدها الأمير محمد بن سلمان بمؤازرة أميركية اسرائيلية.
فالسعودية التي تخوض حرباً في اليمن استنزفت الكثير من ثرواتها، فباتت تعاني نتيجتها من عجز مالي طال ميزانيتها السنوية التي شهدت بعد حرب اليمن المسماة بعاصفة الحزم، عجزا ماليا بالملايين.. بل بالمليارات، مما اضطرها للتقنين في الانفاق، بل ولالغاء عدة مشاريع تطويرية هامة وجوهرية.. فهذه الميزانية.. ميزانية الحرب، لم يعد بوسعها الاعتماد على المداخيل الناتجة عن أموال النفط فحسب خصوصا وقد انخفض سعره بشكل ملموس، لتمويل هذه الحرب.. بل عاصفة الحزم الأخرى ضد ايران التي باتت ضرورية، ليس لمجرد ما تمثله من سعي لتكريس قيادة السعودية في المنطقة وفي العالم الاسلامي.. في مواجهة منافستها الايرانية على هذه القيادة، بل لأن الولايات المتحدة وكذلك اسرائيل، باتا يلحان على ضرورة الاستعجال بالشروع بها… الولايات المتحدة لأن الرئيس ترامب غير راضٍ عن اتفاقية 5+1 مع ايران، ويريد معاقبتها بوسيلة أو بأخرى.. واسرائيل لوجود مخاوف دائمة لديها من ايران خوفا من مشروعها النووي، وخوفا أكبر من تجاربها المتواصلة لتطوير صواريخها بعيدة المدى، والتي تعتبر اسرائيل بأن هذه الصواريخ المطورة لا تستهدف أحداً غيرها.
وما يعزز الاعتقاد بأن الاعتقالات التي شملت 208 معتقلا، كما يقول المدعي العام السعودي، عرف منهم 11 أميرا بينهم ثلاثة من أبناء الملوك هما ابني الملك عبد الله والأمير عبد العزيز ابن سلفه الملك فهد، وأربعة وزراء، وعددا من الأثرياء مالكي شبكات التلفزيون المتعددة، لكنها لم تمتد لتشمل شريحة أصغر حجما ومقاما من المواطنين السعوديين. فكأن الفساد قد اقتصر على الأمراء وكبار الأثرياء، ولم يمتد ليشمل عدداً من المدراء العامين والتنفيذيين، سواء في الدوائر االحكومية أو في المؤسسات الخاصة.

وعلى ضوء ذلك لا بد من تسجيل الملاحظات التالية:
• لم تعلن السعودية الى الآن، أي تفاصيل عن عمليات واجراءات التحقيق مع المعتقلين. فقد جرى الاعلان عن اعتقالهم، ثم التزم المدعي العام الصمت بعد ذلك.
• المعتقلون عوملوا معاملة خاصة واستثنائية جدا، فلم يرسلوا الى سجون عادية كما يعامل المعتقلون عادة، بل أعدت لاقامتهم فنادق فاخرة من درجة خمسة نجوم تليق باقامة الأمراء والشخصيات الهامة، ومنها فندق ريتز كارلتون، والحق به فيما بعد فندق الحياة ريجنسي، وهما من أكثر فنادق الرياض فخامة ورفاهية. وهذا يوحي بأننا لسنا بصدد التعامل مع متهمين رهن التحقيق، بل مع شخصيات رهن التفاوض والمساومة والتوصل الى حلول مرضية للأمير محمد بن سلمان وربما لهم أيضاً.
• اقتصرت الاعتقالات على امراء ووزراء ورؤساء مجالس ادارة بعض الشركات والمؤسسات الكبرى. وكان من بين الشخصيات العامة المعتقلة، كلا من صالح كامل، ووليد ابراهيم، ووليد بن طلال، وبكر بن لادن.. شقيق اسامة بن لادن. ولكنها لم تمتد لتشمل مدراء عامين وتنفيذيين في الدوائر الحكومية أو في تلك المؤسسات الخاصة التي تملكها تلك الشخصيات العامة ذات المراكز المالية المتميزة، علماً أن الأمراء ورؤساء مجالس الادارة، هم الاقل حاجة لاختلاس الاموال.. أي أموال؟ اختلاس الانسان لأمواله الخاصة.. أمر غير منطقي، عكس المدراء العامين أو التنفيذيين الذين هم أكثر قدرة وحاجة للاختلاس، علما ان الاختلاس هو مظهر من أهم مظاهر الفساد. فعلى سبيل المثال:
1. اعتقل الشيخ صالح كامل رئيس مجلس ادارة مجموهة “ايه آر تي”، ولم يوقف أي من المدراء العامين او التنفيذيين في مؤسسته.
2. اعتقل الشيخ وليد ابراهيم مالك ورئيس مجلس ادارة مجموعة “ام بي سي” التي تضم عدة قنوات تلفيزيونية أهمها قناة العربية والحدث. لكن لم يوقف أو يعتقل اي من المدراء العامين أو التنفيذيين في تلك المؤسسة كبيرة الحجم والاتساع.
3. اعتقل الامير الوليد بن طلال، الملياردير مالك ورئيس مجلس ادارة مجموعة قنوات “روتانا”. ومع ذلك، وكما حدث بالنسبة للتعامل مع المدراء العاملين في قنوان “أيه آر تي” أو قنوات “أم بي سي” والعربية والحدث، لم يوقف او يعتقل اي من المدراء العامين والتنفيذيين.
4. اعتقل بكر بن لادن، رئيس مجموعة بن لادن الاقتصادية، ولكن لم يعلن عن اعتقال ايا من المدراء العامين أو التنفيذيين في مؤسسة بن لادن الاقتصادية.
5. افرج عن ثمانية من المعتقلين دون الكشف عن اسمائهم. وقد يكون هؤلاء الاقل اهمية او ثراء، ويرجح انهم كانوا من الاوائل الذي وافقوا على التبرع بنصف اموالهم لتغذية الحملة العسكرية ضد ايران. أما الاخرون من الامراء وابناء الملوك ورؤساء مجالس ادارة كبريات الشركات، فلم يفرج بعد عن أيا منهم، لانهم اكثر قدرة على رفض المطالبة التي يرونها غير مبررة، بالتنازل عن نصف ثرواتهم، اضافة لكونهم غير راضين، على الأرجح، عن الشروع بحرب أخرى هي هذه المرة حربا غير مبررة تبريراً كافياً.. ضد ايران.
تقول صحيفة فاينانشل تايمز بعددها الصادر يوم الخميس 16/11/2017، أن الأمير محمد بن سلمان يطالب الآن بعض المعتقلين، وخاصة الأمير الوليد بن طلال (كما تقول الصحيفة)، بالتبرع بـ 70% من ممتلكاتهم (وليس 50% فحسب). وتقدر الصحيفة نتيجة اتصالها ببعض المطلعين في السعودية على خفايا التحقيق، أن قيمة هذه التبرعات اذا ما تمت، قد تصل الى ثلاثمائة مليار دولار كما ورد في الفاينانشال تايمز.. أي ليس مجرد مائة مليار دولار قدرها وكشف عنها المدعي العام السعودي الذي يحقق في قضايا الفساد، بعد أيام قليلة من الشروع بالتحقيق.
فاذا صحت هذه المعلومات، يكون الأمير محمد بن سلمان …القائد العام للقوات السعودية.. وزير الدفاع.. رئيس لجنة التحقيق في الفساد.. والذي بات الآن مسيطراً أيضا على الحرس الوطني السعودي (والبالغ عدده مائة ألف مقاتل) بعد عزل قائده الأمير متعب بن عبد الله… بات الآن قادراً وهو مطمئن من تجنب طعنة من الخلف، على خوض حرب ضد ايران تستغرق ثلاث سنوات، باعتبار أن الحرب في اليمن الموشكة على الانتهاء كما يبدو تمهيداً لخوض حرب أخرى في ايران، كانت تتسبب بعجز سنوي في الميزانية السعودية قدرها مائة مليار دولار.
فتنفيذ قرار الشروع بالحرب ضد ايران بات قريباً، وهو ربما ينتظر فحسب انتهاء التحقيق مع المعتقلين أو الموقوفين بتهم الفساد المزعومة. ومع ذلك يحذر معهد “أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب في دراسته السابق ذكرها، بأن “أداء بن سلمان، بعد سنوات تميزت فيها السياسة السعودية بالانضباط والحذر.. أثار تخوفاً في أوساط أجهزة استخبارات غربية بسبب المخاطر الكامنة في هذا الأداء، وبينها الاستقرار في المملكة.” ويتناسى هذا التعليق تصريحات حديثة لمدير المخابرات الاسرائيلية، كما نشرت مؤخرا صحيفة الرأي اليوم اللندنية، يعترف فيه بوجود تنسيق وتبادل معلومات بين المخابرات الاسرائيلية والمخابرات السعودية فيما يتعلق بايران. ولعل نقطة التركيز في هذا التنسيق، هي الحرب المستقبلية ضد ايران والتي يبدو بأنها قد باتت وشيكة. ومن هنا، يحق للمراقبون العرب بأن يعتبروا المخاوف الاسرائيلية الواردة في دراسة معهد “أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل ابيب تقتصر على دوائر عربية وغربية، ولا تمتد لتشمل أجهزة أميركية واسرائيلية تشجع بن سلمان على مزيد من الاجراءات التي تمهد في حقيقة الأمر، لا لتطوير السعودية نحو الأفضل، بل للتمهيد لتلك الحرب المشؤومة الجديدة ضد ايران، والساعية لاحباط أي احتمال لعلاقات ودية بين العرب وايران ودول المنطقة قاطبة…علاقات تختصر حجم الاختلافات الطائفية، وتحد من الخلافات السياسية، وتمهد ولو بعد سنوات، لاتحاد شرق اوسطي بين دول المنطقة قاطبة بما فيها تركيا والدولة الكردية القادمة لا محالة (عوضا عن احتوائها من قبل اسرائيل)، وذلك على غرار الاتحاد الأوروبي بين عدة دول تناست الحروب السابقة بينها، وتجاهلت كل الخلافات الطائفية والدينية والاثنية والقومية بينها، ودخلت في اتحاد اوروبي يسعى لرخاء شعوبه.
فعلى هذه الخطى، لا خطى مزيد من الحروب، ينبغي أن تتوجه ادمغة القيادات العربية وشعوبها، اذا بات لاحقا لشعوبها يوماً ما، حق الاسهام في تفرير مصير بلادها.

*الاعلامي العربي الأول والمتميز لعام 2017 كما أسماه المجلس الموحد للاعلاميين العرب، والمستشار في المركز العربي الأوروبي لمكافحة الارهاب – برلين.

المصدر: الحوار المتمدن

 

مصدر الصور: الحرة – العربي الجديد