عند تقييم مجريات المعارك على الساحة الاوكرانية يمكن ملاحظة انتصارات روسيا في الميدان وخارجه ومن زوايا مختلفة، أما ميدانياً فحسم روسيا لمعارك قطع خط الإمداد شرقي أوكرانيا عجل بسقوط باخموت لتضرب بذلك العمق العملياتي لقوات النخبة الأوكرانية المتمركزة على جبهة يمكن اعتبارها الأكثر سخونة منذ أيام الحرب العالمية الثانية.

حيث تهاوت الصناعة الحربية الغربية في باخموت وانهزمت اسطورتها بصفتها الممون الوحيد للقوات الاوكرانية المسنودة بقوات وفرق مختصة جاءت من خارج اوكرانيا لضمان عدم انسحاب القوات الاوكرانية (وهذا عكس ما صرحت به بعض الجهات الغربية خاصة الأمريكية التي ادعت نصحها لزيلينسكي بالانسحاب من باخموت).

والسؤال هل ستتعالى موجة مناهضة التواجد الغربي المكثف على الاراضي الأوكرانية لتتوسع حتى في صفوف القوات الاوكرانية ضد تغليب المصالح الغربية على المصالح الوطنية لأوكرانيا بما يفتح مجالا لإيجاد تسوية عاجلة مع روسيا لتتمكن اوكرانيا من فرصة أخرى للتعايش مع محيطها الطبيعي؟

أما انتصارات روسيا خارج حدود المعركة فهي كثيرة وثمينة، وأولها ان روسيا تمكنت من كسر شوكة الغرب لتجعله يتراجع في عمقه ويدخل في مرحلة من التناقض الداخلي الذي لم يحدث حتى في حقبة الحرب الباردة ( حينها كانت سياسة روسيا تعتمد على المواجهة الايديولوجية دون ادنى براغماتية) خاصة بتبني القيادة الروسية لاستراتيجية مغايرة لما اعتمدته أيام الحرب الباردة، لتتمكن روسيا بفضل براغماتية بوتين الناجعة من تجاوز تبعات نتائج الهيمنة الغربية التي تآكلت جراء حروبها الظالمة في مختلف ربوع العالم، واوجدت بيئة عالمية رافضة للأحادية القطبية.

هذا بالإضافة الى جملة من الانتصارات الاقتصادية التي بعثت للعالم امل التوافق على نظام مناهض للهيمنة والاستغلال الغربيين للشعوب، خاصة ما تعلق بالدولار الذي حول التجارة العالمية الى مجال للابتزاز الواضح في المعاملات الاقتصادية، لتقترح روسيا في هذا الصدد (بمعية دول اخرى على غرار الصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل…. إلخ) آفاقاً واعدة حظيت بقبول واسع في مختلف ارجاء المعمورة.

وكل ذلك لم يكن ليحدث لولا صمود اقتصاد روسيا في وجه العقوبات الغربية، التي فُرضت في سياق أساليب الغرب المعهودة عند مواجهة دول أخرى، لكن الجاهزية الروسية لم تكن فقط عسكرية بل أيضاً أخذت احتياطاتها الاقتصادية لمجابهة غطرسة الاستغلال والتنمر الغربي ضد الشعوب بمؤسسات عناوينها اقتصادية وتدعي الحرية وتتغنى بأهداف التنمية الاقتصادية لشعوب العالم.

لكن الحروب السابقة فضحت هذه المؤسسات وسياساتها المرفوضة، وما تبعها من قوانين فُرضت لممارسة حصار التجويع الموجه لإرضاخ دول رفضت الهيمنة الغربية، ليُعجل ذلك بادراك كيفيات الانتصار ضد العقوبات الاقتصادية، التي فشلت أمام روسيا رغم تعدد حزماتها، لدرجة ان نتائجها كانت عكسية على الدول التي أطلقت هذه العقوبات خاصة الاوروبية، والخلاصة ان الانتصارات الروسية كثيرة وهي مستمرة بوتيرة متزايدة لدرجة عدم استيعاب الغرب لسرعة الاستجابة الروسية على الأرض وفي مختلف المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية.

مصدر الصورة: zn.ua.

إقرأ أيضاً: الثالوث النووي الروسي يرعب الجميع ويعجل بزيارة زيلنسكي إلى الولايات المتحدة الأمريكية

د. عمار إبراهمية

كاتب وباحث – الجزائر