من المعروف أن الحكم صدر على الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بالسجن في قضية استغلال النفوذ، بعد أن أيدت محكمة الاستئناف القرار السابق للمحكمة، ومن المعروف أيضاً أن السياسي متهم بتجاوز حد تمويل الحملة في عام 2012 ومحاولة المساعدة في الحصول على منصب مقابل معلومات حول التحقيق، كل هذا يبين مدى قوة الديمقراطية التي لا تميز بين رئيس ومرؤوس، لكن الواقع يقول إن هذا القرار غير مسبوق، لأن هذا القرار هو ضربة لساركوزي أكثر من الديمقراطية الفرنسية.
أيدت محكمة الاستئناف في باريس إدانة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي خدم من 2007 إلى 2012، في قضية استغلال النفوذ، وبحسب قرار المحكمة السابق، حكم على ساركوزي بالسجن ثلاث سنوات، اثنان منها مع وقف التنفيذ، لكن سرعان ما استبدلت المحكمة سنة الحبس الحقيقي بالإقامة الجبرية بسوار إلكتروني.
بالمنظور العام إن هذا القرار بالفعل “حكم غير مسبوق ضد رئيس فرنسا”، فقد تم إرجاع تهم الفساد وإساءة استخدام النفوذ والتورط في انتهاك سرية التحقيق ضد ساركوزي في عام 2014، ومع ذلك، لم تنتهي العملية إلا في 1 مارس 2021، عندما أدانته المحكمة وحكمت على الرئيس السابق بالسجن ثلاث سنوات، لكن هنا يتبادر سؤال مهم جداً وهو إن كانت الديمقراطية سارية حقاً في فرنسا، لماذا احتاج إصدار الحكم كل هذه السنوات خاصة وأن التهم مثبتة أصولاً ضد ساركوزي؟ ولمصلحة من فتح هذه القضية في هذا التوقيت؟ أسئلة سنحاول تفصيلها تباعاً.
تستند القضية نفسها على محادثات تم اعتراضها بين ساركوزي ومحاميه السابق تييري إرزوغ في 2013-2014. في تسجيلات المكالمات، لا يخاطب الطرفان بعضهما البعض بأسمائهما الحقيقية، لكن التحقيق وجد أن أحد الأصوات ينتمي إلى الزعيم الفرنسي السابق، في هذه المحادثات، يُزعم أن ساركوزي طلب من إرزوغ مساعدة القاضي السابق في المحكمة الدستورية جيلبرت أزيبر في الحصول على منصب مرموق في موناكو، في المقابل، حاول الرئيس السابق الحصول على معلومات حول التحقيق في التمويل غير القانوني لحملته الرئاسية في عام 2012 من ليليان بيتينكور، ابنة مؤسس شركة لوريال.
وفقاً للتحقيق، أنفق مقر الرئيس السابق 42 مليون يورو على السباق الانتخابي بدلاً من 22 مليون يورو، وهو ما يسمح به القانون المحلي، فقد حصلت هذه القضية على تسمية “بيجماليون” في الصحافة – على اسم وكالة العلاقات العامة التي كانت تعمل في الدعم الإعلامي للحملة الانتخابية، ووجد التحقيق أن بيجماليون نفسه وأفراد من الحزب الجمهوري، الذي تم ترشيح ساركوزي منه، زوروا الحسابات من أجل التقليل من حجم الأموال التي تم إنفاقها بالفعل، لكن في كلتا الحالتين، تمسك ساركوزي ببراءته.
من وجهة نظر المحامين، فقد جادلوا في قضية استغلال النفوذ بأنه إذا كانت التسجيلات حقيقية، فإن التنصت على المكالمات الهاتفية كان غير قانوني لأنه كان محادثة بين محام (أرزوغ) وموكله (ساركوزي)، مما انتهك سرية التحقيق، لكن المحكمة رفضت الادعاءات، على الرغم من حقيقة أن المحامين أشاروا إلى قرار مجلس أوروبا، الذي يمنع بموجبه اعتراض محادثات المحامين، وجدير بالذكر أن تييري إرزوغ وجيلبرت أزيبر، شاركوا أيضاً في هذه القضية، وأدينوا بالكشف عن أسرار مهنية وحُكم عليهم بشروط مماثلة.
حدث كبير
هذا حدث غير عادي، لأنه لأول مرة في تاريخ فرنسا، صدر حكم بمصطلح حقيقي لرئيس دولة سابق، وهذه صفعة لساركوزي نفسه وإلى حد ما مع الأخذ في الاعتبار جميع الإجراءات ضد الرئيس السابق للديمقراطية الفرنسية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن اعتبار اعتقال ساركوزي بمثابة صفعة للحزب الجمهوري، الذي يمر الآن بأوقات عصيبة، حتى أن هناك بعض الأسئلة حول جدواه السياسية، بالتالي، يمكن أن يصبح هذا ملحوظاً بشكل خاص، نظراً لأن الأحزاب كمؤسسة سياسية لا تتمتع بميزة خاصة من جانب السكان: وفقاً لاستطلاعات الرأي المختلفة، يثق بها 10-15 ٪ من الفرنسيين.
بالعودة إلى عام 2019، حاول ساركوزي، قبل اتخاذ قرار الإجراءات الجنائية، من خلال المجلس الدستوري الفرنسي إنهاء الحكم، فقد أراد السياسي الاستفادة من القاعدة القانونية لعدم جواز المحاكمة على نفس الجرم مرتين والتي تنص على أنه لا يمكن معاقبة الشخص على نفس الجريمة.
لكن الحقيقة هي أنه في عام 2013، عوقب ساركوزي بالفعل من قبل المجلس الدستوري لتجاوزه الحد المقرر لتمويل الحملة الانتخابية، ومع ذلك، قيل بعد ذلك إن مقر الرئيس السابق أنفق 363 ألف يورو أكثر مما كان متوقعاً، ثم قام ساركوزي ببساطة بتعويض هذا المبلغ للميزانية الفرنسية.
وعلى الرغم من أن القضية المرفوعة ضد ساركوزي يمكن وصفها بأنها علامة بارزة للنظام السياسي الفرنسي، إلا أنه من المستحيل افتراض أن هذه الجملة ستكون بمثابة ضربة للجمهورية الفرنسية بأكملها – فقد استمرت الإجراءات عدة سنوات ويبدو أن نتيجتها طبيعية تماماً.
لكن هنا لا بد أن نستذكر صلة هذا الرئيس المدان بالعقيد معمر القذافي، فوفقاً للوثائق الفرنسية، أن حملة ساركوزي الانتخابية حصلت على تمويل أيضاً من قد أتت من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، وقال مسؤولون كانوا في خدمة العقيد أثناء الاستجواب إنهم سلموا شخصياً “حقائب نقدية” إلى ساركوزي، هذا الأخير هو نفسه من تنكر للقذافي إبان الثورات في ليبيا والإطاحة به، وذلك فقط من أجل عدم سداد الديون، لكن بغض النظر عن التفاصيل، فإن الفرنسيين على يقين من أن اسم ساركوزي الآن سيرتبط بالقذافي مدى الحياة، على الرغم من أنه أراد أن يدخل تاريخ فرنسا كرئيس إصلاحي، لكن الجميع يتذكر أنه مع بداية الربيع العربي في الشرق الأوسط خرجت موجة من الاحتجاجات والثورات لتغيير الأنظمة في تونس وليبيا والعراق، وأيد زعماء الغرب هذه الأحداث، ودعا ساركوزي الحلفاء للتدخل في الأوضاع في الجماهيرية الليبية.
وبحسب وسائل إعلام، قبل ستة أشهر من اغتيال العقيد، كشف نجله الأكبر، سيف الإسلامي، أن السلطات الليبية مولت حملة ساركوزي الانتخابية عام 2007، وطالب نجل القذافي بإعادة الأموال الليبية، ليستيقظ الاهتمام بـ “القضية الليبية” من جديد قبل عامين، عندما تم القبض على ساركوزي ووجهت إليه تهمة تلقي أموال الحملة بشكل غير قانوني، أيضاً هناك سبب آخر للتصور السلبي عن ساركوزي هو النشاط المتزايد لباريس في الناتو، حيث أن “العديد من الفرنسيين يؤيدون منذ فترة طويلة انسحاب البلاد من التحالفـ لكن كان ساركوزي يعارض ذلك، ونتذكر ولا يمكن ان ننسى أن ساركوزي كان من المحرضين على الحرب في ليبيا.
بالتالي، لن يذهب ساركوزي إلى السجن، بل ستكون حريته مقيدة بارتداء سوار إلكتروني، وهو أمر مهين للسياسي بشكل عام، الآن هذا الحكم صدر بحق مواطن فرنسي عادي، لأنه انتهى من الحياة السياسية في عام 2016، عندما لم يجتاز الانتخابات التمهيدية، مع الإشارة إلى أن ساركوزي ليس أول رئيس فرنسي سابق يحاكم بتهمة ارتكاب مخالفات، لكنه أصبح أول من حصل على مصطلح حقيقي، ففي عام 2011، حكم على جاك شيراك بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ – وكذلك في قضية الفساد خلال السنوات التي قضاها كرئيس لبلدية باريس، وبحسب المحققين، أنشأ شيراك وظائف وهمية ومول حزبه على نفقتهم.
مصدر الصور: رويترز – تاس.
إقرأ أيضاً: فرنسا تتجاوز مجلس الأمة من خلال إصلاح المعاشات
كاتب ومفكر – الكويت