خاص “سيتا”

يان فان زيبروك**

في يومي 27 و28 ديسمبر/كانون الأول 2017، أُحبطت محاولة جديدة لـ “العدوان” على غينيا الاستوائية، حيث تم توقيف العشرات من قِبل القوات العسكرية التشادية. أجهضت هذه المحاولة على الحدود ما بين الكاميرون وغينيا الاستوائية، وتمت مصادرة كمية كبيرة من الأسلحة المخزنة.

عملية تنسيق مخابراتية ضخمة جرت بين الكاميرون وغينيا الاستوائية، بالإضافة إلى الغابون، حيث عملت هذه الدول الثلاث بشكل ممتاز لوقف هذه العملية واحباطها، والتي تم خلالها نقل العديد من عناصر المرتزقة الى العاصمة الكاميرونية، ياوندي. حتى الآن، لم تعلق حكومة غينيا الاستوائية بعد على هذه العملية، ريثما يتم الانتهاء من التحقيقات التي اسفرت الى اعتقال اربعين مرتزقاً. من الناحية القانونية، إن أي استخدام للمرتزقة ممنوع منعاً باتاً من قبل الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.

وما يثير الاهتمام عدم مشاركة أي مواطن من غينيا الاستوائية في هذه العملية التي تكشف امرين؛ اما محاولة “العدوان” على مؤسسات البلد لمصلحة طرف ثالث، أو عمل من “اعمال حرب” اذا ما صدرت الاوامر، لهؤلاء المرتزقة، من قبل طرف ثالث اجنبي مع استبعاد تورط باريس أو مدريد، تشير بعض القرائن إلى أن ظهور أعضاء “المعارضة” الذين يطلقون على انفسهم “الائتلاف المعارض لاستعادة دولة ديمقراطية في غينيا الاستوائية في المنفى” او “كوريد CORED”، التي تنقسم الى اتجاهين يترأس ابرزها سيفيرو موتو.

سيفيرو موتو هو صديق مقرب جداً من الديكتاتور السابق ماسياس نغوما، وهو أول من تم تعيينه كمتحدث عن المعارضة، من قبل مدريد، اذ حصل على جواز سفر إسباني. في باريس، وبغطاء من الحزب الاشتراكي وحزب السياسي الفرنسي البازر جان لوك ميلينشون ودعم من الاطراف الايكولوجية وحزب “بوديموس” الاسباني، دعي موتو الى البرلمانات الاوروبية. هذه الاحزاب التي دعمت المعارضة الغابونية، أيضاً، بوجه الرئيس علي بونغو لا سيما من قبل السياسي الفرنسي لويس أليوت، الذي يملك اصولاً كبيرة في الغابون والذي كان أحد داعمي المرشحة اليمينية مارين لوبان في فرنسا، حيث كان من ابرز الشخصيات التي تريد الإطاحة بالرئيس بونغو، عندما انتهى الاخير العديد من الارتباطات الافريقية مع فرنسا وقرر التوجه نحو الصين.

هذه الأحزاب لا مانع لديها من التكتل والتحالف مع الشركات العابرة للقارات، لا سيما شركات النفط الضخمة والمتعددة الجنسيات، عندما تهدد مصالحهم الخاصة او معرضة للالغاء من قبل حكومات الشرعية للدول.

من هنا، يعتبر سيفيرو موتو احد المعارضين البارزين للرئيس تيودورو نغوما أوبيانغ في الغرب. اضافة الى موتو، يوجد معارض مهم آخر وهو غابرييل نس أوبيانغ، قضى 13 عاماً في المنفى، الذي سعى الى خوض الانتخابات في العام 2016. بحسب القانون، يجب على أي مرشح للانتخابات ان يكون قد امضى 5 سنوات على الاقل في أرض الوطن، وبالتالي لا ينطبق هذا النص على نس أوبيانغ.(1)

قبل بضعة أسابيع، نظمت احد اعضاء “الائتلاف المعارض لاستعادة دولة ديمقراطية في غينيا الاستوائية في المنفى” اجتماعاً قالت فيه انها قد أعدت لـ “مجلس انتقالي” في غينيا، مع التفكير في ترأسها للدولة بعد الانقلاب المسلح والاطاحة بالحكم.

في الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض لها غينيا الاستوائية لمحاولة انقلاب، فهي المرة الخامسة، ولقد استطاع الجيش افشالها. في العام 2004، حدثت محاولة انقلاب خطط لها كل من المحامي الفرنسي وليام بوردون، والملياردير جورج سوروس، بالاضافة الى سيفيرو موتو لكن سلطات زمباوبي اوقفتها، وقامت بإعتقال المرتزقة. في العامين 2010 و2012، دعم موتو محاولي انقلاب جديدتين، وايضاً لم تنجحا. وخلال الحديث عن إصلاح القوانين المتعلقة بتنظيم سائقي سيارات الأجرة أو أثناء مباراة كرة القدم، شهدت غينيا ايضاً محاولة جديدة تشبه تلك المسماة بـ “الثورات الملونة.

ان المقولة، التي يبثها الاعلام الغربي، بأن جميع رؤساء الدول الأفريقية فاسدون، ليست سوى صورة فاسدة لهذا الاعلام والسياسات الغربية. على هذه الخلفية، تمت محاكمة ابن الرئيس تيودورو نغوما أوبيانغ مانغو. بخلاف فرنسا، لا يستطيع النواب والسياسيين في غينيا العمل ممارسة الاعمال التجارية، وبسبب قلة الرواتب التي يتقاضونها اجبروا على ممارسة نشاطات تجارية في بلدان اخرى، وهو ما قد يعتبر، أيضاً، بمثابة دعوة للاستثمارات الاجنبية كي تأتي الى بلدانهم.

في العام 2000، نادت كل من “شيربا” و”الشفافية الدولية”، وهما منظمان غير حكوميتان، بمصادرة أصول غينيا الاستوائية في الولايات المتحدة، حيث فشلت في واشنطن ونجحت في باريس. للعلم، تعتبر “شيربا” منظمة غير حكومية هدفها هو الدفاع عن السكان او ما يعرف بـ “ضحايا الجرائم الاقتصادية”. ففي العام 2011، قامت المنظمتان بتقديم شكوى ضد عائلة القذافي عن أصوله في فرنسا، والتي تعتبر ملكاً خاصاً وليست ملكاً للشعب الليبي، حيث تم تجميد هذه الاصول بالرغم من ان أية تحقيقات جدية لم تظهر حتى الآن.

اذا، عند النظر عن كثب الى هذه الجهات، يمكن ملاحظة الشكوك الجدية حول هذه المنظمة(2)، التي تضم بيل غيتس ومؤسسة سوروس، وشركة شل، وبريتش بتروليوم، وجنرال إلكتريك، وبروكتر أند جامبل، والمؤسسات الحكومية الأمريكية، اضافة الى المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي.

عندما قدمت الشكوى ضد ابن الرئيس الى القضاء الفرنسي، نرى بأنها خرقت القوانين الدولية المتعارف عليها، والحصانة الدبلوماسية والوزراء المعارين الى الخارج، حيث تم استثمار المباني الحكومية المملوكة رسمياً للدولة الغينية بالاضافة الى تجميد حسابات وممتلكات، بما في ذلك محاكمة ابن الرئيس(2)، اذ تجاوزت باريس القواعد والقوانين الدولية فيما قامت به.

انها محاكمة سياسية بامتياز، كون جميع من جاء للشهادة ضد ابن الرئيس كانوا إما من المنفيين، الذين لم غادروا البلاد من اكثر من 20 عاماً، او من البعض الآخر الذي جاء ليقول بأن الرئيس أوبيانغ من هو آكلي لحوم البشر.

بعد سقوط الاقنعة في المحكمة، احضر محامو الدولة الغينية المرتزق السابق سيمون مان الذي شارك في الانقلاب الفاشل عام 2004 والذي اعتقل من قبل سلطات زيمبابوي والذي عفت عنه السلطات في مالابو. عند أدائه للشهادة، أدلى مان بأسماء الاشخاص الذين ساعدوه على محاولة الانقلاب، وابرزهم المحامي وليام بوردون، والملياردير جورج سوروس، كما ابرز المحامون الوثائق الرسمية (الرسائل الإلكترونية بين بوردون وسوروس في إعداد الانقلاب). هنا، غضب ويليام بوردون، الذي لم يكن يتوقع أن مثل هذه القنبلة ستنفجر في وجهه، حيث سقط قناع “روبن هود” الذي يختبئ خلفه. (3)

بعد ذلك، قدمت السلطات الغينية شكوى ضد وليام بوردون، في فرنسا، وجورج سوروس في الولايات المتحدة، لمحاولة الانقلاب والتهديد للأمن. وخلال جلسة الاستجواب، قال الرئيس أوبيانغ نغوما أن بوردون أراد العمل في قطاع النفط، ولكن طلبه قوبل بالرفض(4). وخلال هذه المحاكمة التي غطتها وسائل الاعلام الإفريقية، وقع الخلاف بينه وبين موتو(5). انتهت هذه المحاكمة بإدانة تيودورو نغوما أوبيانغ مانغ، الذي استأنف الحكم.

بالإضافة إلى حالة قضية غينيا الجديدة، يبرز السؤال هنا حول ما إذا كان هذا النوع من المحاكمة قادر على تقديم ضمانات الثقة للبلدان الأخرى التي تريد الاستثمار في فرنسا عندما تتقدم فيها أي منظمة غير حكومية بإدعاءات”زائفة”. من يضمن الاصول والممتلكات في الأراضي الفرنسية؟

بين قوسين: أساطير “المخبرين”

ان نشر الفضائح تحظى بالاعجاب من قبل وسائل الاعلام، كذلك بالنسبة للبعض، وهي ليست سوى ادعاءات كاذبة. ان هذه الوسائل تقوم بنشر هذه المعلومات، على حساب من يسمون بـ “الملاذات الضريبية”، بينما ما يجري هو أن نشر مثل هذه الوثائق، في الجزء الكثير منها، ليس هدفه سوى محاربة بعض قادة الدول، كما كان الحال بالنسبة للقذافي، والتي لا يوجد أي دليل ملموس عليها.

وعن هذه الوثائق المصنفة “سرية”، يمكن القول بأنه لا تظهر سوى حسابات الافراد الذين تضررت منهم المؤسسات والشركات متعددة الجنسيات. هنا تأتي القضية المسماة “جلينكور”، اسم لكونسورتيوم سويسري من نفس فئة ويكيليكس وأوراق بنما وغيرها. هذا الكونسورتيوم يشكل واجهة تختبىء مجموعة عمل هدفها الهجوم على رؤساء الدول الأفريقية. هذه المنظمات غير الحكومية، كـ “العين العامة أو Public Eye ” ومقرها في سويسرا، بالتعاون مع شيربا والشفافية الدولية، لا تهدف الا الى مهاجمة البلدان التي تعارض المصالح الغربية.

لماذا غينيا الاستوائية؟

دعونا نتذكر أولاً موقع غينيا الاستوائية، تلك المستعمرة الإسبانية السابقة حتى عام 1968، والتي تركتها مدريد من دون أية بنية تحتية او ادارية، حيث عاشت هذه الدولة على ما تنتجه من حبات الكاكاو. القائد ماسياس، الذي عينته اسبانيا، كان واحداً من أسوأ الدكتاتوريين في غينيا الاستوائية، حتى العام 1979، عندما تمكن الرئيس أوبيانغ من الاطاحة به، بعد انقلاب سمي بـ “انقلاب الحرية”.

بعدما ترك الاسبانيون البلدان من دون شيء، دعى الرئيس ثيودور أوبيانغ الشركات الأمريكية لاستكشاف موارد النفط بأكملها في جميع أنحاء البلاد، وسوف تستخدم هذه الموارد النفطية لإعادة بناء البلاد، التي احدثت ثورة اقتصادية كانت غينيا بحاجة لها. فمنذ العام 2009، اطلق أوبيانغ نغوما سياسة اقتصادية انشأ خلالها مدينة “مالابو 2” العاصمة الاقتصادية، حيث تتركز العديد من البنوك العالمية والشركات متعددة الجنسيات الكبرى، والإدارية للبلاد.

إن إطلاق خطة سكنية واسعة النطاق للفئات الأشد فقراً والتي سمحت لجميع الأشخاص ذوي الدخل المنخفض من استئجار أو شراء المنازل إضافة الى خدمات قطاعي التعليم والرعاية ومحاربة مرض المالاريا، كانت بمثابة قرارات مهمة وموفقة للرئيس أوبيانغ.

اضافة الى ذلك، ولغاية العام 2020، وضعت الحكومة مشروعاً تريد من خلاله تنويع اقتصاداتها، ان في مجال السياحة او في نطاق البتروكيماويات، وبالتالي عدم الاعتماد على النفط فقط. ان الرؤية الجيو-سياسية العالمية لغينيا الاستوائية اصبحت تتمحور حول التوجه نحو الشرق والشرق الأوسط، حيث ستفتح موانئها للبحرية الروسية في افريقيا، ناهيك عن المشاريع الاقتصادية مع الصين، بالاضافة الى التشبيك مع ايران، ودخولها الى “أوبك” في عام 2017. كل هذا جعلها تنتج نموذجاً لافريقيا يمكن الاحتذاء به، وهدفاً للشركات الغربية.

*هذه المقالة هي ملخص لأكثر من 4 سنوات من التحقيق حول غينيا الاستوائية، بالتعاون مع تلفزيون EODE، و”أفريكان ميديا”.

**باحث في مركز “سيتا” ومتخصص في الشأن الافريقي.

المصادر:

Interview with G. E’s ambassador in Paris

(1) http://bit.ly/2CKwx8N

http://bit.ly/2COUThB

(2) http://bit.ly/2CMRGyX

http://bit.ly/2qBB7Bo

(3) http://bit.ly/2D251kK

(4) https://vimeo.com/228575470

(5) https://vimeo.com/223302138

http://bit.ly/2m9L84b

http://bit.ly/2CEOC4A

https://www.publiceye.ch/fr/

http://bit.ly/2m7DgiS

http://bit.ly/2CQSe84

http://bit.ly/2CQ5BVX

http://bit.ly/2m3VvW4

http://bit.ly/2CQWFQ4

http://bit.ly/2F9Fw1M

مصدر الصور: الكاتب – الجزيرة – eNCA – دنيا الوطن – صوت الامة