استضافت المملكة العربية السعودية قمة جامعة الدول العربية في 19 مايو، والتي حضرها الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة منذ عام 2010، وخصصت الأجندة لقضايا مثل التسوية الفلسطينية وكيان الاحتلال الصهيوني، وأزمة اليمن وليبيا، والتصعيد العسكري في السودان، كما تم تخفيف قضية الشرق الأوسط بظهور فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني، في القمة العربية!

عقدت القمة الثانية والثلاثون لجامعة الدول العربية في جدة السعودية، حيث جرت مفاوضات بين ممثلي الأطراف المتحاربة في السودان مؤخراً فقط وتم من خلالها إجلاء الدبلوماسيين الأجانب من هناك، وهذا الأمر يبدو أنه أهم من الأزمة الأساسية، بالإضافة إلى الأزمة السودانية، التي حاولت السعودية أن يكون لها يد في حلها، ناقشت القمة المشاكل التقليدية للمنطقة – الصراع الفلسطيني الصهيوني، الذي تصاعد أيضاً في اليوم السابق مع العملية الصهيونية في قطاع غزة، بالإضافة إلى تسوية يمنية وليبية، حيث بدا فيما يتعلق بتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران أملًا في حلحلة هذه الملفات.

حضر اللقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس وزراء العراق محمد السوداني، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وملك المغرب محمد السادس، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد. بن زايد آل نهيان. كما أرسلت الكويت وسلطنة عمان ممثلين عنهما.

الحدث الرئيسي في القمة كان العودة إلى التنظيم السوري وأول زيارة للرئيس بشار الأسد للسعودية منذ 12 عاماً كنا قد فصلنا بعض جوانبها بمقال الأمس، وقبل ذلك بوقت قصير، أعادت الرياض العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، التي قطعت في ذروة الحرب الأهلية في سوريا، في ذلك الوقت، دعم السعوديون المعارضة السورية، لكن بعد 12 عاماً، لم يعد هناك أي أثر للمواجهة السابقة – الأسد وولي العهد بن سلمان يتصافحان ويبتسمان مثل الأصدقاء القدامى.

هناك أسباب لذلك – وقفت سوريا والمملكة العربية السعودية على تأسيس جامعة الدول العربية، التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1945، لكن في عام 2011، تم تعليق عضوية دمشق في التنظيم بسبب مواجهة بين القوات الحكومية السورية والمعارضة المسلحة، ثم سحبت معظم الدول العربية سفرائها وأعلنت مقاطعتها الاقتصادية لسوريا.

ومع ذلك، في فبراير 2023، ضربت زلازل مروعة سوريا وتركيا، ولم يستطع الجيران في المنطقة الوقوف جانباً: ثم اتخذت المملكة العربية السعودية الخطوة الأولى وأرسلت طائرة إلى حلب بمساعدة، كانت هذه أول عملية تسليم إنسانية من الرياض إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية، كما قدمت قطر بدورها الدعم.

هذا الود تبرره حقيقة أنه بسبب الزلزال خففت واشنطن العقوبات المفروضة على دمشق، في الوقت نفسه، أصبحت سلطنة عمان أول دولة عربية تعيد سفيراً إلى سوريا، ثم بدأت دول المنطقة الأخرى في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية العربية السورية.

بالتالي، إن قمة جامعة الدول العربية لها أهمية كبيرة للمنطقة، يأتي ذلك على خلفية دفء العلاقات بين السعودية وإيران، حيث من المهم أيضاً أن يقوم الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ سنوات عديدة بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن نفترض بحذر أن الديناميكيات الحالية للحد من التوترات ستستمر في المستقبل القريب، لكن مع تحذير مهم بأنه ليس شاملاً، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

من السياسة إلى الاقتصاد

إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لا تعد باختراقات اقتصادية كبيرة، منذ قانون قيصر (القانون الذي تبنته الولايات المتحدة يفرض عقوبات على حكومة الأسد وحلفاؤها، بما في ذلك روسيا وإيران)، بالإضافة إلى ذلك، وافق مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي مؤخراً بالإجماع تقريباً على قانون جديد يحظر تطبيع العلاقات مع حكومة الرئيس الأسد ويشدد العقوبات بموجب قانون قيصر.

بالتالي، هناك خيارات صغيرة للمساعدة المالية لسوريا من الدول العربية قد تكون، على سبيل المثال، في أوائل شهر مايو، أنشأت الحكومة السورية الصندوق الوطني لتقديم المساعدة المالية لضحايا الزلزال، حيث تُعفى التبرعات والمنح من الخارج من أي عمولات وضرائب، مؤسسات كهذه من شأنها أن تسمح لـ سوريا بتلقي المساعدة من الدول العربية، لكن من الصعب في الوقت الحالي توقع مشروعات بنية تحتية كبيرة، على سبيل المثال، نتذكر أنبوب الغاز العربي الذي تضرر بشدة بسبب الأعمال الإرهابية، كان موقف مصر ولبنان وسوريا أن وقعوا العام الماضي اتفاقية لإعادة عمل تلك الأنابيب، لكن مصر لم تتلق حتى الآن ضماناً من الولايات المتحدة بأن عملية ترميمها لن تُنتهك بموجب قانون قيصر بالتالي حُفظ الاتفاق في أدراج كل بلد.

بارقة الأمل الممكنة هي أن الولايات المتحدة مستعدة لغض الطرف عن تطور النشاط التجاري للدول العربية مع أنقرة ودمشق على مستوى التجارة الخاصة، لكن هذا لا ينطبق على مشاريع النفط والغاز الكبيرة، إن خط الغاز العربي وامتداده إلى تركيا في المستقبل يهددان بشكل مباشر المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، “هذا هو ما يسمى بالخط الاحمر في موضوع عودة سوريا الى المجتمع الدولي بالنسبة للأمريكيين”.

إذ تخشى واشنطن أن يتفق القادة العرب “في محادثات خاصة خلف الأبواب المغلقة” على تنفيذ مشاريع كبرى، ولهذا نجدها كثفت جهودها لفرض عقوبات جديدة قبل القمة مباشرةً.

ماذا عن حضور زيلينسكي؟

لا تقتصر جهود حفظ السلام السعودية على سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، حيث تحاول الرياض اتخاذ موقف نشط في حل النزاعات في السودان وأوكرانيا.

تشارك مجموعة من ممثلي مصر والسعودية والأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط بشكل نشط منذ بداية الصراع في السودان وتعتزم عقد اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية على هامش القمة لمزيد من المناقشة، وهو ما أفرز خطوات لتحقيق السلام، والتوصل إلى اتفاق على وقف حقيقي لإطلاق النار.

رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي وصل إلى جدة بعد أن تمت دعوته لحضور القمة من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي توسط سابقًا في إطلاق سراح أسرى الحرب الذين قاتلوا في أوكرانيا (كتيبة آزوف)، شكره زيلينسكي على ذلك خلال خطابه، وكتب زيلينسكي على تويتر بعد وصوله إلى جدة: “تلعب المملكة العربية السعودية دوراً مهماً ونحن على استعداد للارتقاء بتعاوننا إلى المستوى التالي”.

بالتالي، وصل زيلينسكي لمناقشة “صيغة السلام” في كييف مع ممثلي الدول العربية والحصول على دعم أكبر عدد ممكن من الدول، حيث يمكن لزيلينسكي الاعتماد على القليل من المساعدة المالية من الدول العربية – وبهذه الطريقة يمكنهم إظهار حيادهم في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، لأن الأزمة الأوكرانية بالنسبة للدول العربية هي شأن أوروبي لا علاقة لهم بها.

بالنتيجة، تشعر دول الشرق الأوسط وأفريقيا بشدة بعواقب الصراع الأوكراني وتأثيره عليهم خاصة من الناحية الاقتصادية، ربما كان هذا هو السبب وراء اعتزام ست دول أفريقية، بما في ذلك مصر، العضو النشط في جامعة الدول العربية، إرسال مفاوضين إلى موسكو وكييف في منتصف يونيو – أوائل يوليو لمناقشة خطة سلام. يحتمل أن يكون هذا الموضوع ورد ذكره أيضا على هامش قمة جامعة الدول العربية لكن بشكل غير معلن.

كل ما سبق هو قراءة بسيطة للقادم من الأيام، لكن هذا لا يعني إن توفرت الإرادة العربية وضغطت على الولايات المتحدة ألا تستطيع التأثير وإلغاء الحصار على سوريا والانفتاح نحو مشاريع أكثر فائدة للجميع، لكن كل هذا سيعتمد على تطبيع بقية الدول مع دمشق وحتى يحدث ذلك، القمة الحالية لا جديد فيها إلا حضور الرئيسين الأسد وزيلينسكي، لكن أول الغيث قطرة ونأمل أن تتحقق الأمنيات.

مصدر الصور: رويترز.

إقرأ أيضاً: هل تصلح “المبادرة العربية للسلام” بديلاً عن “صفقة القرن”؟

عبد العزيز بدر القطان

كاتب ومفكر – الكويت