في 28 مايو، جرت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في تركيا، ونتيجة لذلك تمكن الزعيم الحالي للجمهورية، رجب طيب أردوغان، من البقاء لفترة رئاسية ثالثة، فقد تمكن من التغلب على منافسه الرئيسي زعيم المعارضة كمال كيليجدار أوغلو بأكثر من 52٪ من الأصوات، بينما حصل المرشح الرئاسي الثاني على حوالي 48٪ من دعم السكان.
نهاية التوقعات
افتتحت مراكز الاقتراع في 81 مقاطعة تركية الساعة 8 صباحاً بالتوقيت المحلي وتعمل حتى الساعة 5 مساءً، في المجموع، تم تركيب ما يقرب من 192 ألف صندوق اقتراع في تركيا وخارجها، ويمكن لـ 64 مليون مواطن الإدلاء بأصواتهم.
بعد انتهاء الجولة الأولى، كانت البلاد في حالة ترقب: في 14 مايو، فشل أردوغان في التغلب على علامة 50٪ من الأصوات وإعادة انتخابه على الفور لولاية ثالثة، ثم حصل الرئيس الحالي على 49.52٪، ومنافسه الرئيسي كيليجدار أوغلو 44.88٪. وجاء في المرتبة الثالثة المرشح من كتلة عطا سنان أوغان الذي حصل على 5.17٪.
كانت هذه النسبة القليلة هي التي أثبتت أنها حاسمة في المبارزة التي جرت في الأيام الأخيرة من شهر مايو، خاصة عندما تفكر في أن أوغان دعا أنصاره إلى دعم أردوغان في الجولة الثانية، بعد هذا البيان، أصبح من الواضح تماماً أن الرئيس الحالي سيفوز بدرجة عالية من الاحتمالات.
في 28 مايو، جاء الأشخاص الرئيسيون في السباق الانتخابي للإدلاء بأصواتهم، ووصل رجب طيب أردوغان مع زوجته أمينة إلى الموقع الواقع في مدرسة صافيت تشيبي في منطقة أوسكودار في الجزء الآسيوي من إسطنبول، وأشار هناك إلى أن الجولة الثانية عقدت “لأول مرة في تاريخ الديمقراطية التركية”، أما كيليجدار أوغلو، على عكس منافسه، صوّت في منطقة جانكايا في أنقرة، حيث وصل أيضاً برفقة زوجته.
وتجدر الإشارة إلى أن يوم الانتخابات نفسه قد مر دون أي تجاوزات أو أعمال شغب لامعة، ولم تكن هناك تقارير سلبية خلال يوم الانتخابات الرئاسية، كما لم يكن هناك سوى انتهاكات متفرقة للنظام، وسُجلت على وجه الخصوص حالات اعتداء على مراقبين في بعض مراكز الاقتراع.
النتائج الأولى
بدأ نشر النتائج الأولى على الفور بعد أن رفعت لجنة الانتخابات المركزية في الساعة 18:15 الحظر المفروض على نشر نتائج معالجة بطاقات الاقتراع، بالفعل من هذه التقارير اتضح أن أردوغان سيبقى في منصبه لولاية أخرى، كان الرئيس نفسه واثقاً من ذلك وكذلك نحن، وحتى قبل الإعلان الرسمي للنتائج، أعلن النصر.
قال رجب طيب أردوغان: “لقد فزنا في الانتخابات في الجولة الثانية، أود أن أعرب عن امتناني لشعبي لمنحنا عطلة ديمقراطية.. تركيا هي الفائز الوحيد.”
في مساء يوم 28 مايو، أعلن رئيس لجنة الانتخابات المركزية التركية، فوز أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعد معالجة 99.43٪ من الأصوات، حصل رئيس الدولة الحالي على 52.14٪، بينما حصل كيليجدار أوغلو على 47.86٪. ووفقاً له فإن الفجوة بين المرشحين بلغت أكثر من مليوني صوت.
من جانبه، وصف كمال كليجدار أوغلو الانتخابات الأخيرة بأنها “واحدة من أكثر الفترات غير العادلة في التاريخ”، وشكر المؤيدين على دعمهم وحثهم على “الكفاح من أجل الديمقراطية”، كما وعد زعيم المعارضة بأنه سيواصل “القيام بذلك”.
وحتى قبل انتهاء العد، بدأ أردوغان يستقبل تهنئة رؤساء الدول الأخرى، وكان من بين الأوائل أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ورئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف، ورئيس صربيا ألكسندر فوسيتش، والزعيم الأذربايجاني إلهام علييف، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد. حميد دبيبة، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، ورئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، والزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو.
كما هنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره على إعادة انتخابه، وجاء في برقية التهنئة: “كان الانتصار في الانتخابات نتيجة طبيعية لعملك غير الأناني كرئيس للجمهورية التركية، وهو دليل واضح على دعم الشعب التركي لجهودك في تعزيز سيادة الدولة واتباع سياسة خارجية مستقلة”.
دورة سياسية
بعد توليه منصبه للمرة الثالثة، سيركز أردوغان أولاً على حل المشكلات الداخلية وهذا أمر طبيعي وغير مفاجئ، ستكون النقطة الأولى هي حل القضايا الحادة المتعلقة بإعادة إعمار تركيا بعد زلزال فبراير، وانسحاب الاقتصاد من ذروة الأزمة المالية والاقتصادية التي مرت بها تركيا في السنوات الخمس الماضية، وتأسيس اقتصاد قوي من خلال تدفق الاستثمارات، حيث كانت هناك صعوبات مع هذا في السنوات الأخيرة.
في الوقت نفسه، وبعد النشر الرسمي لنتائج الانتخابات، من غير المستبعد أنه قد تبدأ الاحتجاجات في البلاد، من بعض المناوئين للرئيس الحالي، فإن تركيا لديها “مجتمع مدني نشط إلى حد ما”، وبالتالي فإن خطابات كل من خصوم وأنصار أردوغان ضخمة ومنتظمة، بالإضافة إلى ذلك، تتمتع المعارضة بدعم قوي جداً في عدد من المدن الكبيرة، لكن هذه الاحتجاجات – في حالة حدوثها – ستُعقد “في مجال ديمقراطي وبطريقة قانونية ضمن حق الشعب بالتعبير عن رأيه” ، وإذا استمرت الاستفزازات فيها، فإن الجهات المختصة مستعدة تماماً لقمعها، في حال تعدت وضعها القانوني.
وجدير بالذكر أن “تحالف المعارضة في الغالب يمثلون المؤسسة السياسية القديمة، لذا فمن غير المرجح أن يتم اتخاذ إجراءات قمعية قاسية ضدهم”.
بالتالي، لا ينبغي توقع أي تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية، ستواصل تركيا بناء “حوار صعب” مع الحلفاء الغربيين، ولا سيما مع الاتحاد الأوروبي، وسيستمر الحوار مع روسيا أيضاً، حيث تواصل تركيا الحفاظ على العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجانب الروسي، بما في ذلك من خلال تطوير الواردات الموازية، بالإضافة إلى ذلك، قد تتخذ موسكو وأنقرة في الأشهر المقبلة خطوات ملموسة لإنشاء مركز للغاز.
بالتالي، إن فوز أردوغان، نتيجة متوقعة، وكنت أعلمها منذ اليوم الأول، لأن رفعة تركيا وقوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية خلال عقدين من الزمن نمت بفضل الدور الذي مارسه أردوغان في سلطته الممنوحة له من قبل شعبه، ونهض بتركيا إلى مصافي الدول العالمية، رغم بعض الانتكاسات لكنه جدير بالنهوض مجدداً، مع التأكيد على أن حلحلة ملفات دول الجوار ستكون على رأس أولويات الرئيس التركي، الذي يستحق لقب الزعيم بجدارة، وكلنا كعرب نتمنى أن نشهد نمواً لبلادنا وفق التجربة التركية الرائدة وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها، فمبارك للرئيس الفوز، ومبارك لتركيا.
مصدر الصور: رويترز.
إقرأ أيضاً: الانتخابات في تركيا.. معركة أردوغان الصعبة
كاتب ومفكر – الكويت