بعيداً عن الكلام الإنشائي والعواطف، لقد قوبلت غارة للجيش الصهيوني في مدينة جنين، حيث ذهب جيش الاحتلال لاعتقال مشتبهين فلسطينيين، بمقاومة محلية شديدة، نتيجة لذلك، أطلق الجيش الصهيوني النار من مروحية قتالية لضمان إخلاء جيشهم، إذ يعد استخدام الطيران العسكري في هذه المنطقة حدثاً غير عادي.
في مدينة جنين الواقعة على الضفة الغربية لنهر الأردن، اندلعت اشتباكات بين جيش الاحتلال والفلسطينيين، بعد أن داهمت قوات الأمن الإسرائيلية المدينة لاعتقال فلسطينيين متهمين تحت زعم القيام بأنشطة إرهابية، ومن بين المشتبه بهم نجل جمال أبو الحاج، القيادي رفيع المستوى في حركة حماس، المعتقل في أحد معتقلات الاحتلال.
ما يثلج الصدر أن المقاومين فجروا سيارة عسكرية صهيونية كانت تدخل جنين بعبوة ناسفة مزروعة على الطريق بمحاذاة مسار السيارة، وأطلق الجيش الصهيوني على إثرها نيراناً موجهة من مروحية، حيث أصبحت هذه الأعمال التي قام بها الجيش حادة للغاية – كانت آخر مرة استخدمت فيها مروحيات قتالية في المنطقة خلال الانتفاضة الثانية للعرب الفلسطينيين ضد الصهاينة في الضفة الغربية، 2000-2005.
وأوضح جيش الاحتلال أن الطائرة شاركت من أجل إخلاء العسكريين العالقين في منطقة الاشتباك بسبب عطل في المعدات العسكرية، حيث تجنب الجيش في السابق استخدام طائرات الهليكوبتر الهجومية والطائرات بدون طيار في الضفة الغربية خوفاً من تصعيد التوترات والأضرار الجانبية غير المرغوب فيها. وهذا هو السبب في أن صحيفة “هآرتس” الصهيونية تشير إلى أن استخدام الطائرات العسكرية في عمليات الإخلاء “غير مألوف للغاية”.
نتيجة المواجهة، تم استشهاد خمسة فلسطينيين، أصغرهم كان عمره 15 سنة، ومن المعروف أن ما لا يقل عن 91 فلسطينيا أصيبوا، من بينهم، بحسب شهود عيان، فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، اقتحمت منزلها رصاصة.
كما يُعرف الآن بحسب وسائل الإعلام عن إصابة سبعة من ضباط جيش الدفاع الصهيوني وضباط شرطة الحدود بجروح.
بالمقابل، واجه الفلسطينيون مداهمة الجيش الصهيوني بالقصف وزجاجات المولوتوف، وعلى إثر ذلك، أطلق الجيش الإسرائيلي نيران أسلحتهم باتجاه المكان، كما جرت مناوشات متفرقة على أفعال المدنيين الذين خرجوا للاحتجاج على أعمال الجيش الصهيوني.
من بين تلك المناوشات أن قام ضابط شرطة حرس الحدود بضرب امرأة خرجت للاحتجاج، فحتى النساء لا رادع أخلاقي للكيان القذر.
المزيد من الغارات
قبل أسبوع، كتبت وسائل الإعلام الصهيونية أن الجيش الصهيوني قرر، حسبما زُعم، تنفيذ المزيد من الغارات المتكررة في منطقتي جنين وتل بلاطة من أجل تطهير الأراضي من المقاومين الفلسطينيين، لكن في الآونة الأخيرة، تم تكثيف الاعتقالات والتفتيش من قبل وكالات الأمن الصهيونية، ولكن عدد الحوادث ارتفع أيضاً.
كان آخر اشتباك من هذا القبيل في 13 حزيران/ يونيو – ثم في منطقة حاجز الريحان، اندلعت مناوشات بعد أن تم إطلاق النار على دورية عسكرية، ونتيجة للاشتباكات التي أعقبت ذلك، أصيب أربعة جنود من جيش الدفاع الصهيوني حتى في ذلك الوقت، كانت هناك تكهنات في الصحافة بأن الجيش الصهيوني قد يبدأ في اتخاذ إجراءات أكثر كثافة ضد الفلسطينيين.
بالإضافة إلى ذلك، في 18 يونيو، أعلن وزير المالية الصهيوني عن خطط لبناء 4560 منزلاً جديداً في المستوطنات في الضفة الغربية، وهي خطوة لم تدعمها حتى الولايات المتحدة، الشريك الوثيق للكيان، وقالت وزارة الخارجية في بيان حول هذه المسألة: “تماشياً مع سياسة طويلة الأمد، تعارض الولايات المتحدة مثل هذه الإجراءات الأحادية الجانب التي تعرقل تحقيق حل الدولتين وتشكل عقبة أمام السلام”.
لا يزال بناء المستوطنات “الإسرائيلية” في الضفة الغربية من أصعب عملية السلام بين كيان الاحتلال وفلسطين، إذ تعتبرها معظم الدول في الأمم المتحدة غير قانونية من حيث القانون الدولي، لأنها تقع في الأراضي المحتلة (احتلها الكيان الصهيوني بعد حرب الأيام الستة عام 1967).
أسباب التفاقم
إن الوضع في جنين كان متوتراً منذ بعض الوقت، الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة تمارس عمليات مداهمة واغتيالات وإخراج قسري للشعب الفلسطيني من أراضيها، ومنذ اليوم الأول لعمل هذه الحكومة (رئيس الوزراء الجديد، بنيامين نتنياهو، منذ ديسمبر 2022)، كانت الهجمات على الفلسطينيين تحدث في جنين كل أسبوع تقريباً، والناس يستشهدون، فضلاً عن مئات الجرحى، كان الهدف الرئيسي للسياسة اليمينية للقيادة الصهيونية الحالية هو بسط هيمنة داخلية في المستوطنات غير الشرعية، لتوسيع أراضيها من خلال مصادرة الأراضي الفلسطينية، بالتالي، إن ما يحدث في جنين يمكن أن يحدث في أي مكان في الضفة الغربية.
قال أحد أحزاب الكيان المحتل المعارض الصهيوني إن سبب النشاط الأخير للجيش الصهيوني هو محاولة لصرف انتباه الرأي العام عن المشاكل الداخلية، في الداخل الصهيوني كانت هناك احتجاجات عديدة على مدى شهور بشأن الإصلاح القضائي الذي تروج له حكومة بنيامين نتنياهو، لقد أدى بالفعل إلى حدوث انقسام سياسي داخل المجتمع.
بالتالي، إن سبب هذا الهجوم سياسي، حيث تخطط الحكومة الجديدة بقيادة نتنياهو لبث العنف في المجتمع العربي الفلسطيني، حيث أن المظاهرات المطالبة بالديمقراطية مستمرة داخل أراضي الكيان المحتل منذ أكثر من ثلاثة أشهر حتى الآن، لذا فإن العملية العسكرية الحالية ضرورية لصرف انتباه المجتمع عن المشاكل الداخلية.
بالمقابل تزايد مستوى المقاومة الفلسطينية بشكل ملفت، جعل حكومة الكيان تفكر في أن تستخدم المزيد من القوات لقمع المقاومة وكل ما له صلة بها.
هناك وجهة نظر أخرى حول أسباب التدهور الحالي: يمكن لفلسطين نفسها استخدام الوضع الداخلي للصهاينة من أجل “التحقيق في حدود الممكن”، فالمشاكل الداخلية حتماً تعيق أي تحرك خارجي، بالتالي، إن المقاومة تعرف ماذا تقعل، تصعد حين اللزوم وتخفف التصعيد وفق ما يتطلب الوضع، مستفيدة من حالة الانقسام الكبير في الداخل المحتل، فالإطاحة برؤوس الكيان يوازي تحرير زيتونة وليمونة يافاوية أو حيفاوية، هذا ما تناور عليه المقاومة بشكل عام.
على الصعيد الدولي، أدان المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك أعمال جيش الدفاع “الإسرائيلي” – ووصف الأحداث في جنين بأنها “إعدام واضح على يد الجيش الإسرائيلي”، وقال ولم تجد أفعال الجانب “الإسرائيلي” أي دعم في مصر، التي غالباً ما تقوم بدور الوسيط في تسوية التناقضات “الإسرائيلية” الفلسطينية.
من هنا، قلتها وأكررها، المقاومة لن تهدأ وستبقى ماضية في ما تعمل حتى التحرير، لن يهنئ الاحتلال، وهذا الوضع سيزيد الانقسام الداخلي، بين مكونات المجتمع الصهيوني، وإن استخدام الطيران على شعب أعزل لا يفعله إلا المارقون، والصهاينة أهون من بيت العنكبوت، وهذا التصعيد مقدمة لعمليات ستثلج صدورنا ولن يتوقف المقاومون عن الدفاع عن حقوقهم وأرضهم.
مصدر الصور: رويترز – جلوبال برس.
إقرأ أيضاً: جولة الحق ضد الباطل.. مبارك لفلسطين النصر الدولي
كاتب ومفكر – الكويت.