من الضروري بدايةً التأكيد على أنّ عملية التوصّل والوصول إلى مرحلة التشكيل والحصول على إرادة عامة وموحّدة توافقياً لمختلف الدول، هو عمل صعب ومعقد جداً، لا يحدث بسهولة بالنسبة للأشخاص في القانون الدولي. كما يمكن اعتبار أن الإرادة العامة للدول الموحدّة، تصوّر العلاقة المتبادلة والتأثير المشترك بشكل يظهر ويعكس الظروف الحياتية الداخلية والدولية لجميع الدول.

وللتوضيح أكثر، إن عملية التوصل إلى تشكيل إرادة موحدة توافقية في مسألة معينة في عملية بناء قواعد دولية جديدة، أمر يعني حصول توافق تام وكامل، لأن التوافق عادة ما يكون منحصراً فقط في القواعد التي يتم التوصل والاتفاق عليها، لكن الجوهر الحقيقي لمختلف الإرادات يمكن أن يكون مختلفاً مبدئياً.

وبالتالي إن إتمام عملية التوصل إلى التوافق الإرادي للدول حيال مختلف المواضيع والمسائل، هو أمر من شأنه أن يضع الأطراف المشاركة موضع الإلزامية، ومن هذا المنطلق تعبّر عن الهدف الأساسي لقيام هذه العملية وبلوغها. ومن الثابت أن المواصفات الخاصة بالقوة الإلزامية لطبيعة القواعد التي يتم التوصل لبنائها، أم يتحقق نتيجة للتوافق الإرادي للمشاركين بحيث يمكنهم منح اتفاقهم الإرادي القوة الحقوقية اللازمة أو الاكتفاء بمنح هذا الاتفاق القوة السياسية والأدبية فقط.

في هذا السياق نجد أن عملية بناء وتشكيل قواعد دولية جديدة من خلال أو بمشاركة المنظمات الدولية، أمر يتضمن في جوهره صفات الاتفاق الإرادي وذلك على اعتبار أن المنظمات الدولية منظومة دولية هامة يتم من خلالها التأثير الفعال والمتبادل فيما بين مختلف الدول وبمختلف المواضيع.

أما عملية بناء الإرادة التوافقية وقيامها بصفات تأثيرية متبادلة فيما بين مختلف الدول وذلك بخصوص إنشاء المنظمات الدولية، هذا الأمر من الممكن اعتباره ولادة ظاهرة مستقلة نسبياً، وعليه يكون المفهوم الخاص بعملية بناء الإرادة التوافقية لأشخاص القانون الدولي، قاعدة تكون وبشكل دائم مرتبطة مع الإرادة المكونة لهؤلاء الأشخاص، وذلك فيما يتعلق في شكل ومضمون القاعدة.

من هنا نجد أن الفعل في هذا الارتباط الموجود في مضمون هذه القواعد يعود للإمكانية الهامة التي تمتلكها من عملية وآلية إجراء الانتقال إلى شكل جديد عبر التغيير والتطوير إذا ما استدعت الحاجة لهذا الأمر، وهنا تجدر الإشارة إلى أن فقدان هذه الميزة يمكنه أن يجعل المضمون الذي يمكن أن تحتويه هذه القواعد متخلفاً وبسرعة عن مواكبة الحياة الدولية وبالتالي تصبح ورقة مدونة فقط.

فلو نظرنا إلى اتفاقية فيينا الدولية حول قانون المعاهدات الدولية عام 1969، وجدناها تؤكد على أن القيام بعملية تغيير معاهدة محددة هو أمر يستدعي إشراك المعنى التطبيقي والعملي لآخر استخدام فعلي لبنود هذه المعاهدة.

مصدر الصورة: أرشيف سيتا.

موضوع ذا صلة: التعاون الدولي في مكافحة الجريمة

عبد العزيز بدر القطان

مستشار قانوني – الكويت