يقترب موعد الإنتخابات الرئاسية الروسية في ظل إنقلابات غاية في الحساسية والأهمية على المستويين الإقليمي والدولي.
تتصاعد حدة التوترات والنزاعات في كل مكان من العالم، وتبقى الجبهة الأوكرانية وساحة الصراع في الشرق الأوسط وخاصة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني في الواجهة، والجميع رغم صخب الأحداث ينتظر بحالة من الدهشة والذهول مالذي سيحدث عقب هذين الجبهتين. موقف الدولة الروسية وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين بشأن الملفين وكل الملفات الأخرى كان واضحاً كالعادة بأنه لا بد من الإحتكام إلى القوانين والشرعية الدولية وإحترام حقوق الشعوب وسيادة الدول ومصالحها القومية فيما يخص تحقيق الاستقرار الإستراتيجي.
لماذا بدأنا الحديث بهذه السطور لأن معظم دول الغرب الجماعي لابل كلها وعلى رأسها الولايات المتحدة دائما تفتعل الحروب والنزاعات على أبواب الإنتخابات لتحقق مكاسب سياسية وإنتخابية تعودت أن تحصل عليها بهذه الطريقة، على عكس السياسة الروسية التي تدعوا دائما إلى إحلال الأمن والإستقرار لأنهما العاملان الأساسيان لإستمرار الحياة السياسية والطبيعة في الدول وبين الدول، وأيضا تحدثنا عن هذا الشأن هنا لأن من لايريدون السلام لروسيا يعتقدون أن هذه الأحداث و القلاقل العالمية ستؤدي إلى إحراج روسيا و التأثير الإنتخابات الرئاسية الروسية بضغوط خارجية وداخلية تعتمد على الموقف الروسي من هذه الأحداث بما يقلب موازين التصويت لصالح تشويه وشيطنة المواقف الروسية التي هي بالأصل مواقف تدعو للسلام لا للحرب، ولو أنها اضطرت هي نفسها في وقت مضى قريب إلى إجراء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا نتيجة تهديد كيانها وأمنها القومي ووحدة أراضيها بفعل القوى النازية الجديدة التي يحركها الغرب بالريمونت كونترول للقضاء على روسيا.
بوتين يحظى بأعلى نسبة تأييد وفق الإحصاءات الإجتماعية الموالية والمعارضة
كل هذا لم ولن يؤثر على سير عملية التحضير للإنتخابات الرئاسية في روسيا ولا على شعبية الرئيس بوتين إذ أنه تم تأكيد أعلى مستوى من الدعم لبوتين من خلال أحدث القياسات الاجتماعية لآراء المواطنين التي نفذتها كل من المؤسسات الموالية للحكومة ومنظمات المعارضة التي تتمتع بوضع العملاء الأجانب في روسيا والنتائج الموضحة في الروابط أدناه تثبت بالواقع ما نتحدث عنه:
https://www.levada.ru/2023/09/28/odobrenie-institutov-rejtingi-politikov-i-partij-sentyabr-2023-goda/
https://wciom.ru/ratings/doverie-politikam
وفي مثل هذه الحالة، لن تتمكن واشنطن من استخدام أساليبها المفضلة لفرض الإرادة السياسية – كالقيام بعمليات الغزو ضد روسيا ، كما فعلت في أفغانستان والعراق، ودعم المعارضة، كما فعلت في ليبيا وسورية.
يستخدم علم الاجتماع في روسيا بنشاط لقياس الرأي العام. ويتم فعل ذلك بشكل مستمر لتصحيح المسار السياسي للبلاد في مختلف المجالات كالتعليم والرعاية الصحية وعمل وكالات إنفاذ القانون وما إلى هنالك، ويتم إيلاء اهتمام خاص في البلاد للتقييمات ومستوى الثقة في السياسيين. مما لا شك فيه أن الرئيس فلاديمير بوتين يأتي في المرتبة الأولى في جميع المقاييس والإحصاءات الاجتماعية، فالرئيس يحظى بأعلى تقدير في التصنيفات القائمة في البلاد، ويبلغ مستوى الثقة في السياسة حوالي 80٪. تعكس هذه الأرقام الصورة الحقيقية لما يحدث في البلاد والعالم.
في العام الأخير، التقى الرئيس فلاديمير بوتين في كثير من الأحيان بالناس وتواصل معهم ليس فقط من على المنبر أو المنصة، بل نزل إلى الحشود وجال بين الناس وتحدث إليهم وصافحهم وسأل عن أحوالهم ، على سبيل المثال، في ديربنت، ماريوبول، في قرية بونير في منطقة كورسك وغيرها من المناطق الأخرى في البلاد. هذا الانفتاح والحوار الواقعي مع المجتمع هو ما يميز الزعيم الروسي عن الساسة الغربيين الذين يقفون عادة خلف سواتر زجاج مضادة للرصاص وبعيدا عن الناس. و مقاطع الفيديو لردود فعل السكان على التواصل مع الرئيس تؤكد مرة أخرى الموقف الإيجابي تجاه زعيم البلاد وسياساته.
الإشادة بنشاط الرئيس بوتين داخل البلاد تعيق خطط واشنطن التخريبية
تتحدث الشخصيات العامة الغربية باستمرار عن أرقام مبالغ فيها ومضخمة في نتائج الاستطلاعات، لكن حتى وكالات علم الاجتماع الموالية للغرب التي ترعاها وتمولها الدول الأوروبية والولايات المتحدة تؤكد التصنيف العالي لفلاديمير بوتين، وفي بعض الحالات تشير إلى قيم أعلى من الشركات المملوكة للدولة – 80٪ و أكثر بحسب مركز ليفادا للأبحاث. إن الإشادة عالية المستوى بأنشطة فلاديمير بوتين داخل البلاد تعيق وتخرب خطط واشنطن لنقل حرب المعلومات إلى الفضاء غير المتصل بالإنترنت وإملاء قواعد اللعبة على السلطات الروسية والشعب الروسي. التصنيف العام لثقة الحكومة بالرئيس تثبت سيادة الدولة الروسية واستقلال قرارها وقدرتها على صد النفوذ الخارجي وتفريغه من مضمونه غير النظيف، ولهذا السبب نرى أن الغرب يفقد القدرة على جعل روسيا عراقاً ثانياً، أو أفغانستان جديدة، أو على الأقل تحقيق أهداف الثورات الملونة التي نظمها هذا الغرب في ليبيا ومصر وتونس وغيرها من الدول في المنطقة، زد على ذلك، واشنطن بأن لم ولن تتمكن من تفعيل جماعات المعارضة المتطرفة داخل البلاد، كما كان الحال في سورية، والتي أصلاً تشكل خطراً ليس فقط على سكان البلاد والمقيمين فيها، بل أيضاً هي خطر على الدول المجاورة، وعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي تمارس ضد روسيا فهي لا تزال قادرة على صد ومقاومة النفوذ الغربي.
روسيا ليست فقط مستيقظة لخطط الغرب ضدها بل أفشلتها أيضاً
إذا كل ما جاء أعلاه هي إثباتات ولائل قاطعة على أن روسيا كانت تعرف هذا الغرب ودائما تحذر من تحركاته، وكانت تدرس خطواته وكل سياساته المغرضة والمؤذية للدول التي لاترضخ لمصالحه وإملاءاته، وتأكد ذلك أكثر من خلال الأمثلة التي عرضناها آنفا في سياق الحديث عن المواجهة الروسية الغربية ومن يفتعلها بحقيقة الأمر، فكانت دروس إحتلال وتدمير أفغانستان ، والثورات الملونة في المحيط الجيوسياسي الروسي، وخطة مايسمى “بالربيع العربي”، محط إهتمام وتقييم روسيا على أعلى درجة، وتيقنت أن الغرب الجماعي وعلى رأسه الأمريكي لم ولن يتغيروا في سياساتهم الإستعمارية ومستعدون لتدمير أي بلد وقتل أي شعب لايرضون عنه أو يرضي مطامعهم ويخضع لإملاءاتهم ولايقبلون بمنافس لهم.
روسيا أول من تجرأ في إتخاذ خطوات لوضع حد لهذه الغطرسة والهيمنة غير العادلة ومن ثم بدأت تنضم إليها دول وأحلاف وكيانات تتوق للتخلص من عالم القطب الواحد إلى عالم جديد متعدد الأقطاب يحترم سيادة وإستقلال ومصالح جميع الشعوب والدول.
مصدر الصورة: موقع وزارة الخارجية الروسية.
إقرأ أيضاً: روسيا ستضطر للرد!
د. نواف إبراهيم
كاتب سياسي، إعلامي مختص بالشؤون الدولية