للمرة الأولى محفلٌ غربي ينصف فلسطين الحبيبة، حتى وإن كان إنصافاً معنوياً، لكن وقعه مزلزل ويبعث على الأمل المفقود، لا بل الضائع إن جاز التعبير، الجميع علم بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإحياء الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية، المتزامن مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهذا يؤكد ما كنت دائماً أقوله، إن الشعوب وإن اختلفت جغرافيتها وهويتها، وأديانها، دائماً هناك شرفاء حول العالم، هناك نقاء قلوب وإنسانية التي لطالما حاول الغرب والكيان الصهيوني قتلها فينا، لكنهم فشلوا وسيفشلون دائماً.
هجوم واسع
جراء هذا القرار، شنت وسائل إعلام صهيونية هجوماً واسعاً على الجمعية العامة، عقب إقرارها أربعة قرارات لصالح فلسطين، أهمها، عقد جلسة رفيعة المستوى، لإحياء الذكرى الـ 75 للنكبة، في الـ 15 من مايو/ أيار المقبل، حيث حصل القرار على 90 صوتاً مؤيداً في حين رفضه 30، على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وما تسمّى “إسرائيل” وهذا طبيعي وبالطبع لا يمكن له أن يكون مستغرباً من محتلي ومدمري الأوطان، كما امتنعت عن التصويت 47 دولة، وهنا لا بد من الإشارة أنني أتفهم المعارضين، لكن الممتنعين عن التصويت أو من يقفون في المنطقة الرمادية هؤلاء أخطر من غيرهم، لأن موقفهم مقسوم، ضميرهم ربما يؤيد فلسطين ويقف معها، لكن الخوف من سطوة وجبروت الغرب يحول بينهم وبين إجهار الحق والوقوف في صف فلسطين.
بالتالي، إن هذا القرار صدر عن هيئة هي نفسها قبل 75 عاماً صادقت على قرار تقسيم فلسطين، قرار ربما يدفع تبعاته الشعب الفلسطيني إلى يومنا هذا، وشرّد أكثر من ثلثي هذا الشعب في الشتات، مسلوباً من الإرادة والحقوق، بما في ذك الممتلكات، لكن قرار اليوم يعكس أهمية بالغة، خاصة لجهة أن هناك في هذا العالم دول كثيرة تعترف بالقضية الفلسطينية وتؤيد حقها في استعادة وطنها، واعتبار الصهيوني مغتصب ومحتل، وهذا ما يفسر هيستريا وسائل الإعلام الصهيونية التي اعتبرت هذا القرار كاذب ومنحاز ومخادع، ما يعني أنه أصابها في مقتل، وأوجعها بشدة.
قرارات مهمة
أقرت الجمعية العامة أيضاً قرارات أخرى مهمة، تتعلق بولاية وعمل اللجنة المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني وشعبة حقوق الفلسطينيين، وكذلك برنامج المعلومات الخاصة حول القضية والمبادئ الأساسية للحل السلمي لقضية فلسطين، وهذا يعني من الناحية القانونية أن المجتمع الدولي مصرّ على إعادة دور القانون الدولي وتصدره الواجهة في ظل فقدان الثقة في تلك المنظومة لعقود، فالاعتراف من قبل المجتمع الدولي بالظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني قبل 75 عاماً، وأن يحيي فعالية في القاعة الرئيسية في مبنى الأمم المتحدة، فلهذا رمزية وأهمية كبيرة جداً، خاصة وأن نسبة التأييد بلغت ما بين 8 – 10% عن السابق، الأمر الذي يؤكد بالرغم من الظروف التي يعيشها المجتمع الدولي اليوم لكنه لم يتخلَّ عن القضية الفلسطينية، وما يؤكد ذلك محاولة إحقاق الحق من خلال تنفيذ القرارات التي تم إقرارها.
الموقف الأمريكي
كما أشرنا أعلاه أن الولايات المتحدة الأمريكية صوّتت ضد قرار الجمعية العامة، فرغم أن أمريكا هي طرف رئيسي في هذا الأمر ومهم جداً وهذه حقيقة لا يمكن التنكر لها، لكن بدا اليوم جلياً أن المجتمع الدولي ليس أمريكا ولم يعد يكترث لأوامرها، ربما فقدت هيبتها بعد أن تعرّت في العراق وفي أفغانستان وسوريا ولبنان وحتى في المسألة الروسية الأوكرانية، لكن من المهم القول، إن الولايات المتحدة تملك وسائل وأدوات مهمة تستطيع من خلالها تعطيل ما تريد خاصة في مجلس الأمن الدولي، حيث أنها تملك حق النقض – الفيتو، كسلاح للتعطيل وهذا معروف، فلو أيد القرار 14 دولة على سبيل المثال من أصل 15، فتستطيع واشنطن بفيتو واحد التعطيل ما يُذهب التأييد أدراج الرياح، لذلك الجنوح باتجاه الجمعية العامة للأمم المتحدة أمر مهم، بعيداً عن مجلس الأمن، لاعتماد القرارات.
لكن المؤكد أنه لو وقف العالم أجمع إلى جانب فلسطين وشعبها ستبقى الولايات المتحدة إلى جانب الكيان الصهيوني وكأنه قانون معتمد ودائم في عرف وقانون واشنطن، ولم ننسَ أنه في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تم قطع كل المساعدات المالية المقدمة لفلسطين من الجانب الأمريكي، عبر وكالة الأونروا، رغم أن خلفه جو بايدن أعاد التبرع لكن ليس لأجل فلسطين بقدر ما هو التصرف بشكل مغاير لقرارات ترامب، وهذا برأيي يندرج في الحرب بين الجناحين الأمريكيين (الجمهوري والديمقراطي)، بالتالي، لا يمكن أن أعتبره أمراً يُسجل لصالح الإدارة الأمريكية الحالية على أهميته في مكانٍ ما، وما يؤكد أن السياسات الأمريكية واحدة في غالبيتها، أن الوعود التي قدمها بايدن خلال حملته الانتخابية منها وعوده بفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية المحتلة، وفتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن لم يتحقق منه شيء رغم مضي عامين على استلامه سدة الرئاسة، والأهم من كل ما سبق، أنها لم تتخذ موقفاً واحداً ضد الكيان الصهيوني فيما يتعلق بقطاع غزة أو التهويد أو توسع المستوطنات بما في ذلك قصف المدنيين، والأسرى والاعتقالات التعسفية، أو حتى القبول بما يتعلق بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ما يؤكد مرة جديدة أن الولايات المتحدة لم تأخذ يوماً قراراً لصالح إلا مصلحتها ومصلحة الكيان فلا حليف لها متين غيره، وهي المشهود لها ببيع حلفائها والتخلي عنهم في أحلك الأوضاع وأشدها خطورة.
بالتالي، يكشف هذا القرار عن تراجع مكانة الاحتلال الصهيوني في المنظمة الدولية، التي هبّ مندوبها غضباً معتبراً أن المجتمع الدولي يقف إلى جانب فلسطين ضدهم وهذا بحد ذاته نصر عظيم ولحظات لا يمكن أن تنسى أو تُمحى من الذاكرة، وهي التي أسستها وأعلنت قيامها قبل أكثر من سبعة عقود، لكن سلسلة السياسات العدوانية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني دفعت العديد من دول العالم إلى رفض التسليم بها، والتأكيد على أنها لا تأخذ موافقات مفتوحة على انتهاكاتها وجرائمها ضد الفلسطينيين، وهو ما تجلى في جملة من القرارات ومشاريع القوانين الدولية الأخيرة التي حقق فيها الفلسطينيون إنجازات سياسية كبيرة، ومني الاحتلال بانتكاسات مهينة.
فلن نسلّم على الإطلاق بأن سلطة الاحتلال الصهيوني بكل من فيها سابقين ولاحقين، هم من يقررون مصير فلسطين وشعبها، في فلسطين أشخاص لها السلطة المطلقة في تقرير مصيرها وستقرره بما يتوافق وعودة فلسطين لأهلها وشعبها، وما موقف المجتمع الدولي إلا الخطوة الأولى نحو كثير من الخطوات ستتحقق بإذن الله، لأن الأمل بالله تبارك وتعالى كبير، ومن موقعي هذا أبارك للشعب الأبي، الشعب العظيم الذي تحمّل ما لا يمكن لشعب تحمله، وأقول له، ستعود فلسطين لكم ولنا، وسنصلي جميعاً في المسجد الأقصى، إن لم يكن اليوم، فغداً بإذنه تعالى.
مصدر الصورة: أرشيف سيتا.
اقرأ أيضاً: الأسير في سياق العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية
كاتب ومفكر – الكويت