زار الرئيس السوري، بشار الأسد، دولة الإمارات في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ بدء الصراع السوري العام 2011، حيث سبق وأن زار الرئيس السوري كلاً من إيران وروسيا خلال هذه الفترة.

خلال الزيارة، التقى الرئيس الأسد بولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اشارة إلى بدء مرحلة علاقات جديدة، ومنها نأي الإمارات عن الهجوم الفاشل للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو على سوريا من أجل “تغيير النظام”، حيث شدد الشيخ محمد بن زايد على أن دمشق ركن أساسي من أركان الأمن العربي، وأن بلاده حريصة على تعزيز التعاون معها، والذي يعد تناقضاً مباشراً مع الموقف السابق الداعم للهجوم الأمريكي.

أيضاً، إلتقى الرئيس السوري بحاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وناقشا معاً آفاق توسيع دائرة التعاون الثنائي، لا سيما على الصُعد الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، حيث أصبحت أبو ظبي الشريك التجاري العالمي الأبرز لسوريا بتجارة غير نفطية تقدر بنحو 272 مليون دولار، للنصف الأول من العام 2021، كما وقعت الشركات الإماراتية صفقةً لبناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 300 ميغا/وات بالقرب من دمشق، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، تتويجاً لزيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، بعد أن أعاد فتح سفارة بلاده في سوريا أواخر العام 2018.

في المقابل، لقيت الزيارة “توبيخاً متعجرفاً” من الولايات المتحدة، والتي أعربت على لسان وزارة الخارجية أنها “تشعر بخيبة أمل وانزعاج كبيرين”، فقد كانت دول الخليج توصف بأنها “دمى” في يد واشنطن، لكن يبدو الآن أن “الدمى” وجدت ارادتها.

خلال الاجتماع، ناقش الأسد والقادة الإماراتيون وحدة أراضي سوريا، وانسحاب القوات الأجنبية المحتلة من البلاد، كتركيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى دور الشركات الهندسية الاماراتية، في عملية اعادة اعمار ما خلفته الحرب، التي تستعد لكي تكون لاعباً كبيراً في هذه العملية التي ستدر عليها مليارات الدولارات.

وفي ظل العلاقات غير الودية بين الولايات المتحدة والسعودية، عزز ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، العلاقات مع كل من روسيا والصين، حيث ينظر إلى موسكو على أنها مورّد الأسلحة المستقبلي، والدولة الوحيدة التي يمكنها ممارسة الضغط على إيران. للتذكير، وقعت الرياض اتفاقية تعاون عسكري، وقعها عن الجانب الروسي وزير الدفاع سيرغي شويغو، وذلك ضمن فعاليات معرض موسكو، أغسطس/آب 2021.

إقرأ أيضاً: زيارة لافتة في توقيت حساس.. ماذا في الخلفيات والتداعيات؟

ضمن السياق نفسه، يبدو بأن الرياض تريد توثيق العلاقات مع بكين، حيث دعت الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لزيارتها هذا العام. وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإنها تجري محادثات حول تسعير النفط الخام الذي تبيعه للصين باليوان، كما وتسعى إلى إقامة مشاريع مشتركة مع بكين ودول أخرى لإنتاج الأسلحة داخل المملكة.

وفي 2 مارس/آذار 2022، اجتمعت منظمة “أوبك+” مع الوزراء الذين تحاشوا الصراع في أوكرانيا، واتفق الجميع على الالتزام بالسياسة الحالية والتي تشمل روسيا، وزيادة إنتاج النفط بشكل تدريجي فقط.، فلقد كان الأمير محمد بن سلمان صارماً في الحفاظ على الاتفاقية، وشدد على أهمية الحفاظ على أسواق النفط متوازنة ومستقرة، وهو الموقف الذي أغضب الولايات المتحدة، التي حاولت الضغط على السعودية لضخ مزيد من النفط رداً على العقوبات المفروضة على النفط الروسي، لكن الرياض لم تذعن لهذا الضغط؛ وعوضاً عن ذلك، هددت ببيع النفط للصين باليوان بدلاً من الدولار الأمريكي.

في موضوع النفط، يجب الإشارة إلى أن السعودية والإمارات يمكنهما ضخ المزيد منه، والذي من شأنه أن يخفض سعره، لكن كلاهما أيدا اتفاقية “أوبك+” للإمداد مع روسيا، وكلاهما رفضا الرد على المكالمات الهاتفية للرئيس الأمريكي، جو بايدن.

من هنا، تبدو العلاقة الشخصية سيئة بين الأمير السعودي والرئيس الأمريكي، إلا أن لها جانب أمني يتمثل في عدم وجود رد أمريكي قوي عندما تعرضت منشآت شركة “أرامكو” النفطية للهجوم العام 2019، ناهيك عن رغبة واشنطن المعلنة في تخفيض التزاماتها العسكرية في الشرق الأوسط، حيث صُدمت الرياض من الهدف الرئيسي المعلن لإدارة الرئيس بايدن والمتمثل في إنهاء حرب اليمن، والانسحاب الأمريكي الفاشل في كابول.

ما يريده الأمير محمد بن سلمان من الرئيس بايدن هو التالي: دعم الولايات المتحدة لحربه في اليمن، والمساعدة في البرنامج النووي السعودي، والحصانة القانونية في الولايات المتحدة ضد الإجراءات القضائية في مثل قضية سعد الجابري، ضابط المخابرات السعودي السابق والذي زعم أن ولي العهد حاول قتله.

للتذكير، أثارت إدارة الرئيس الأمريكي سابقاً غضب كل من الرياض وأبو ظبي من خلال عدم الاهتمام بمخاوفهما بشأن إيران، وإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، وتقليص مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول الخليج.

وفي رد على ما سبق، رفض الرئيس بايدن التعامل مباشرة مع ولي العهد، وبدلاً من ذلك طلب التحدث فقط مع العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز. كما أمر بالكشف عن تقرير وكالة المخابرات المركزية الذي تورط به الأمير محمد بن سلمان بشكل مباشر في مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، العام 2018، وصفاً السعودية بأنها دولة “منبوذة” وأن “ليس لها قيمة اجتماعية تعويضية”.

لد فشلت الولايات المتحدة في الدفاع عن الرياض من هجوم إيران، العام 2019، على منشآتها النفطية المركزية، والذي أوقف مؤقتاً 50% من إنتاجها النفطي، حيث أنها لم تتخذ أي إجراء تأديبي ضد طهران. وخلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي قلل من شأن الملك السعودي – وبشكل متكرر – لجهة أن بقائه في السلطة يعود إلى الحماية الأمريكية، واصفاً المملكة بأنها “بقرة حلوب” ويجب حلبها من قبل مصانع الأسلحة الأمريكية؛ فطوال فترة رئاسته، كانت الرياض تعمق علاقتها مع روسيا.

على المقلب الآخر، امتنعت الإمارات عن التصويت على مشروع قرار أمريكي – ألباني يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، فيما يتدفق الأوليغارشية الروسية ورجال الأعمال والشباب إلى أبو ظبي، التي باتت تحل محل لندن بسرعة كمركز دولي للمال الروسي.

وفما يخص سوريا، عينت البحرين أول سفير لها في دمشق منذ أكثر من عقد، وأعادت الأردن فتح معبرها الحدودي الرئيسي معها بالكامل وذلك لتعزيز التجارة في عرض للإيماءات الدبلوماسية التي تشير إلى تحول جاري في الشرق الأوسط حيث تعمل عدة دول عربية على إحياء العلاقات مع الرئيس الأسد.

في العام 2021، أجرى العاهل الأردني، الملك عبد الله بن الحسين، مكالمة هاتفية مع الرئيس السوري؛ وعلى الرغم من كونه حليفاً للولايات المتحدة، حث الملك واشنطن على تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق لزيادة التجارة. كما عقدت اجتماعات رفيعة المستوى بين لبنان وسوريا في جهد مشترك لإعادة إحياء خط أنابيب النفط العربي، لتوفير الكهرباء للبنان عبر سوريا.

هذا ويتوقف إحياء العلاقات السورية – العربية على السعودية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني، جلس رئيسا المخابرات السعودية والسورية معاً في منتدى المخابرات العربي في القاهرة، بينما زار السعوديون دمشق في وقت سابق، مايو/أيار، وهو أول اجتماع من نوعه منذ العام 2011. وفي مايو/أيار أيضاً، سافر وزير السياحة السوري، رامي رضوان مارتيني، إلى السعودية التي استضافت بالرياض مؤتمر السياحة في الشرق الأوسط، وذلك في أول زيارة علنية لمسؤول سوري منذ أكثر من عقد. ومن المقرر أن تستضيف دمشق مؤتمراً عربياً للطاقة العام 2024، إذ يبدو أن سوريا تعود غلى الساحة ببطء.

فبعد تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية بعد بدء الصراع، ستعقد الأخيرة قمتها السنوية الأولى منذ 3 أعوام في الجزائر، على أن تبدأ القمة التي ستستمر يومين في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ختاماً، إن الرسالة الصادرة من العالم العربي، ولا سيما دول الخليج الست الغنية بالنفط، هي الاستعداد لشرق أوسط جديد في ظل ميزان القوى يتغير، وهي التي تستضيف القوات والقواعد الأمريكية والغربية، وقد دعمت واشنطن بإخلاص لعقود، لكنها الآن في تحول تجاه روسيا والصين وليس لديهم أية نية لدعم عقوبات الرئيس بايدن على موسكو. لقد استيقظت “الدمى”.

مصدر الصور: جريدة الغد – وكالة الصحافة الفرنسية.

ستيفن صهيوني

صحفي مختص بالشأن الأمريكي والشرق الأوسط. حائز على جائزة الإعلامية “سيرينا شيم” للنزاهة عامي 2020 و2021 – سوريا.